عاصم حنفى روزاليوسف الأسبوعية : 26 - 11 - 2011 المشكلة أن الذين قفزوا إلى المركب فى المرة الأولى لم يكونوا من البحارة.. ومعظمهم من كدابى الزفة.. أصحاب الصوت العالى.. الذين لا يعجبهم العجب أو الصيام فى رجب وشعبان ورمضان.. الذين ينظرون للبحارة الأصليين بتأفف.. ويدعون أنهم العارفون ببواطن الثورات.. معظمهم من الباحثين عن الشهرة.. من المتشوقين إلى أداء أدوار البطولة وكانوا طوال حياتهم من الكومبارس الصامتين.. ومن الذين يوافقون على طول الخط.. ويشطبون كلمة المعارضة من قاموس حياتهم اليومية والسياسية!!. والمشكلة أن البحارة المحترفين لا يجيدون الكلام.. فارتضوا أن يتحدث الآخرون نيابة عنهم.. وأن يقود الهواة السفينة ماداموا من أصحاب اللسان الطويل.. فغرقت المركب أو كادت.. ونحتاج لإنقاذها لجهود ليست عادية.. ولبركة المولى سبحانه وتعالى.. ولهذا أصر البحارة المحترفون والمركب تغرق.. أصروا على إبعاد محترفى الكلام هواة المواقف البطولية.. ووقفوا يطاردونهم فى الميدان.. عسى أن ينجح الباقون فى إنقاذ المركب الغارقة..! أدرك البحارة إذن وفى اللحظات الأخيرة.. أن الذين يتصدرون المشهد.. هم من مدعى الحكمة بأثر رجعى.. على اعتبار أنهم النخبة.. وأنهم منفصلون تماما عن أحلام وأمانى ومشكلات البحارة.. هم فقط من محترفى الثلاث ورقات.. هم الجاهزون دوما لاقتراح الحلول البراقة لمن يضعهم فى الصدارة.. هم المستعدون لتقديم التصورات النظرية الجاهزة لمن يدفع الثمن.. هم من مقاولى الأنفار.. الذين يمدون الميدان بأتباعهم يهتفون لهم.. دون أدنى علاقة بالمركب والميدان.. هم المطبلون المزمرون للحاكم الديكتاتور مادام أغدق عليهم.. بعضهم من أصحاب نظريات التوريث.. والخلف الصالح لخير سلف.. هم الصادحون بالأغانى والأناشيد الوطنية.. منهم من تولى المسئولية والدولة تتبع سياسات اشتراكية وتمتلك القطاع العام.. بل ودافعوا عن أخطائه الفادحة.. فلما تغيرت دفة السفينة وتبدلت سياسة الدولة وأدارت ظهرها للقطاع العام وبيعه لمن يدفع الثمن.. تغيرت بالتالى البوصلة الداخلية لمعظمهم.. وشاركوا فى بيع المصانع والشركات.. ومدوا أيديهم يطلبون السمسرة والعمولة.. وهم الجالسون الآن تحت الأضواء فى مقاعد الفضائيات يحللون ويقعّدون وينظّرون ويتحدثون باسم البحارة الذين ضاقوا بهم... فأصروا على طردهم من الميدان عندما ذهبوا إليه يشاركون فى الثورة على السفينة الغارقة..!. الخيبة أنهم لا يتوقفون أبداً.. ورغم أن الميدان طاردهم إلى خارج الكادر.. وأعلن بوضوح أنهم لا يمثلون سوى أنفسهم.. إلا أنهم بالإلحاح والمراوغة تجدهم فى الخلفية دائماً يحتمون بالناس.. خوفاً من بطش الثوار.. لكنهم ساعة التصوير التليفزيونى.. يقفزون للصفوف الأولى.. يتحدثون نيابة عن الثوار..!! ما يحيرنى والله.. أن هؤلاء المتسللين للمشهد الغاضب.. المتحدثين نيابة عنه فى الفضائيات والمنتديات والمقالات المدبجة.. لم يصب واحد منهم برصاصة طائشة.. لكنهم يتحدثون عن الشهداء الذين سقطوا بجوارهم فى الميدان... لم يعالج واحد منهم من قنابل الغاز الجديدة والخانقة.. لكنهم يصرخون ويهولون أمام الكاميرات من هول القنابل.. لم يقبض على واحد منهم لأنهم يجيدون فنون المراوغة والاختباء عند اللزوم.. والخيبة أن واحدا منهم لم يتبرع بالدم للجرحى النازفين.. ولا تقل لى أن التبرع بالدماء يتم سرا.. لأنهم قدوة.. والمفترض أن يكون تبرعهم علنيا وفى النور وعلى رءوس الأشهاد.. والغريب يا أخى أنهم يجيدون القفز إلى المراكب.. مع أنهم ليسوا من البحارة.. ومعظمهم من «كدابين الزفة»..!!