وهي ترتدي فستان الزفاف.. لا تدرك الطفلة صاحبة الأربع عشرة سنة أو أكثر قليلا من العمر.. إن كانت تمارس طفولتها في لعبة صبيانية.. فستان أبيض وفرح و«طبل» و«زمر».. أم أن طفولتها في هذه اللحظة قد انتهت بعد أن أصبحت زوجة لرجل.. وبعد أسابيع قليلة قد تصبح أما لطفل. لا تدري أنها تباع في صفقة غير متكافئة بين رجلين نظير مقابل مالي مهما كبر فهو في النهاية ثمن بخس إذا ما تم قياسه بحجم الضرر الواقع علي الطفلة التي عليها أن تواجه متطلبات الأسرة في هذه السن وقبل أن يكتمل وعيها أو حجم الضرر عندما ينتهي الغرض وتعود إلي أهلها مطلقة تحمل رضيعا علي كتفها وأن عليها أن تواصل حياتها بشكل أو بآخر.. ولا بحجم الضرر الواقع علي المجتمع الذي يصبح عليه علاج تبعات الأثر الاجتماعي والنفسي في صفقة البيع التي تمت. وقد انتبه المجتمع إلي هذه الجرائم التي ترتكب في حق الطفولة والأطفال وانتهي إلي وضع قوانين وضوابط اعتبرت هذه الجرائم انتهاكاً للطفولة واتجاراً بالبشر تستحق الملاحقة القانونية. ولكن هذا الانتباه من المجتمع لم يمنع مفاجأته بإجراء زيجات الأطفال بين يوم وآخر وأسبوع وأسبوع وشهر وشهر.. علي النحو الذي نتابعه في الأشهر والأسابيع الأخيرة.. ومنذ إصدار القوانين. فانتباه المجتمع لم يكن كاملا بما يكفي لحماية الأطفال من هذه الجرائم وحماية نفسه من تداعياتها.. لأسباب تعود في جزء منها إلي تراخ في الأداء من جهة الإدارة في تبني حملات موسعة تخترق هذه الثقافة في تزويج الأطفال من باب «الستر» تعتمد علي التوعية بخطورة هذه الزيجات علي الأطفال والعائلات والمجتمع. وجزء آخر في ابتعاد مذهل من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية عن بذل الوقت والجهد.. وعزوفها المستمر عن المشاركة في التصدي لهذه الجرائم بأدوات هي تملكها من حيث الوسائل وحرية الحركة امتدادا واتساعا.. وتدخل أيضا في إطار التوعية والتنبيه بخطورة تداعيات هذا النوع من الاتجار في البشر علي الأطفال والعائلات وأخيرا المجتمع. وجزء أخير وهو متعلق بالنص القانوني نفسه والذي لم يحدد سنا مقبولا كحد أدني لإتمام الزواج وإنما كل ما استطاع تحديده هو الحد الأدني لتوثيق عقود الزواج وجعله عند سن ال 18 سنة. وهو ما فتح الباب واسعا لإتمام زيجات الأطفال والتي لا تكتشف إلا بالصدفة البحتة عندما يتحرك ضمير خالة أو عمة أو جار أو صديق للأسرة فيدفعه إلي الاتصال بالخط الساخن وإبلاغ المسئولين فتبدأ الحركة الفورية لمنع هذا الزواج.. وينتهي الأمر عند الحصول علي تعهد خطي من ولي الأمر بعدم محاولة تزويج ابنته الطفلة مرة أخري.. لأن نص القانون لم يجرم هذا الفعل ولم يضع سنا كحد أدني للزواج. بالطبع من المفهوم أن محاولات النص بتحديد سن الزواج قد اصطدمت بآراء فقهية وشرعية.. ولكن الحاجة الآن أصبحت ملحة في إعادة النظر والمطالبة بتحديد سن الزواج.. تحت مظلة القاعدة الشرعية «دفع الضرر».