قرار جمهوري بتعيين المستشار أسامة شلبي رئيساً لمجلس الدولة    وزيرة التخطيط تستعرض جهود حشد استثمارات القطاع الخاص للتحول نحو الطاقة النظيفة    محافظ بورسعيد يكشف سبب هدم قرية الفردوس    جهاز تنمية المشروعات يطلق الموسم الرابع من مسابقة Startup Power    محافظ الفيوم يتابع حملات الإزالة: لا تهاون مع المعتدين على أراضي الدولة    البرلمان الإيراني يعلق التعاون مع «وكالة الطاقة الذرية»    وزير قطاع الأعمال يبحث تعزيز التعاون مع وكالة تنمية الاتحاد الأفريقي «أودا-نيباد»    شكوك بقدرة نتنياهو على استغلال تأييد الإسرائيليين الحرب على إيران    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    النصر السعودي يعلن إنهاء التعاقد مع مدربه الإيطالي ستيفانو بيولي    محمد شريف: أتفاوض مع 3 أندية من بينها الزمالك وبيراميدز    أحمد حمودة: الأهلي فشل في المونديال.. أرقام بن رمضان "غير جيدة".. ولا بد من محاسبة كولر على رحيل ديانج    شبانة: جسلة منتظرة بين الخطيب وريبيرو لحسم موجة التعاقدات الثانية بالأهلي    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    «في دولة أوروبية».. شوبير يكشف تفاصيل معسكر الأهلي    حريق مفاجئ يلتهم مطعم مأكولات شهير بالمحلة.. والحماية المدنية تخمد النيران دون خسائر بشرية    نانسي عجرم ومارسيل خليفة يشاركان في مهرجان صيدا الدولي أغسطس المقبل    بصورة عفوية وكلمات صادقة.. أيمن سليم يعيد عبلة كامل إلى صدارة المشهد    أقل من مليون.. إيرادات فيلم "ريستارت" أمس    واخدلي بالك.. عرض مسرحي توعوي بسيناء يناقش الذكاء الاصطناعي وحروب الجيل الخامس    «حمى القراءة.. دوار الكتابة».. جديد الروائي الأردني جلال برجس    التقويم الهجري: من الهجرة إلى الحساب القمري.. قصة زمنية من عهد عمر بن الخطاب حتى اليوم    هيئة التأمين الصحي توقع بروتوكول تعاون لتعزيز التحول الرقمي في خدمات رعاية المرضى    محافظ الفيوم يهنئ الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعام الهجري الجديد    منتخب مصر لكرة السلة يشارك في البطولة الدولية الودية الثانية بالصين    نشوب حريق في حوش منزل بقنا دون إصابات    القبض على صاحب فيديو سرقة سلسلة ذهبية من محل صاغة بالجيزة    النيابة العامة تؤكد استمرار تصديها للوقائع المتضمنة انتهاكات للقيم والمجتمع    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الإيراني رفض مصر للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قطر    بنك ناصر يدعم أطفال الشلل الدماغي بأحدث الأجهزة المستخدمة في تأهيل المرضى    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    البنك الدولي يوافق على مشروع ب930 مليون دولار في العراق    مدير مكتبة الإسكندرية يستقبل وفد جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    أستاذ بالأزهر يحذر من انتشار المرض النفسي خاصة بين البنات والسيدات    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    رابط رسمي.. نتائج امتحانات نهاية العام في كليات جامعة أسيوط    المؤتمر الطبى الأفريقى .. عبدالغفار يشيد بجهود"الرعاية الصحية" في السياحة العلاجية والتحول الرقمي    توريد 3 أجهزة طبية لمعامل مستشفى الأطفال بأبو حمص بتكلفة 4 ملايين جنيه    طفرة تسليحية بأيدٍ مصرية تدريب تخصصى وفقًا لأحدث الأساليب العلمية    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    لا تُحب التعقيد وتُفضل الوضوح في علاقاتها.. 5 أبراج بسيطة في التعامل    بحكم القانون.. كيف يمكنك الغياب عن العمل وتقاضي أجرك كاملًا؟    حملات مرورية لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    «دعاء السنة الهجرية».. ماذا يقال في بداية العام الهجري؟    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    أماكن تواجد مدارس STEM بالمحافظات    اليوم... فصل الكهرباء عن قرية كوم الحجنة وتوابعها بكفر الشيخ    وزيرة التخطيط تلتقى ممثلى مجتمع الأعمال الصينى خلال المنتدى الاقتصادي العالمي    وزارة الصحة تعلن عن تخريج الدفعة الثانية من دبلومة طب الأزمات والكوارث    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    كلمات نارية من البطريرك يوحنا العاشر عقب تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة - دمشق    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهم يكذبون بطريقة رائعة!
نشر في صباح الخير يوم 26 - 10 - 2010

بعض الأفلام تتسلل للذاكرة وتركن بداخلها طويلا، ويخيل لك أنك نسيتها تماما.. ولكن فجأة تتراءى لك من جديد وكأنها تجيب عن تساؤلات تحيرك ! من هذه الأفلام التى تراودنى أخيرا.. الفيلم اليوغسلافى «تحت الأرض»للمخرج العبقرى «أميركوستاريتا» والذى فاز بالجائزة الكبرى فى مهرجان «كان» عام 1995. لقد انقضى خمسة عشر عاما على هذا الفيلم الذى شاهدته فى مهرجان كان وقتها.. وكتبت عنه فى «صباح الخير»وفى كتاب «سينما المشاعر الجميلة»، ولكن أجد نفسى اليوم فى حالة تواصل مع رسالة ذلك الفيلم الذى يقول لنا.. إن الكل يكذب.. سواء رجال السياسة أو رجال العصابات.. البعض يكذب بفجاجة.. والبعض يكذب بطريقة رائعة ! ومن يكذب أفضل يعيش أطول على الساحة !
ونحن كأفراد بسطاء تعودنا على الكذب.. لأننا لم نعد نسمع غيره!.. وتعودنا أن نعيش تحت الأرض لأن هناك من يمنع الصعود إلى سطح الأرض.. إلى حيث النور والمعرفة.. والحقيقة!
ممنوعون من السؤال.. ممنوعون عن الحياة! فالذين استفادوا من قربهم من مركز الأحداث عن سطح الأرض لا يريدون أن يشاركهم أحد فى هذا الامتياز.. ويصرون على أن يكونوا أوصياء على الذين يعيشون على الهامش فى سراديب مغلقة تحت الأرض
لقد سمحنا لهم بهذا.. وارتضينا.. وتعودنا أن نكون بعيدين عن الأحداث والذين يصنعونها ! وهكذا نضيع ! وتضيع أيضا الحياة فوق الأرض !
هذه هى البساطة الرسالة التى أراد أن يبلغنا بها فيلم «تحت الأرض»الذى يبدأ بعبارة مكتوبة على الشاشة تقول : «فى يوم من الأيام كانت هناك دولة اسمها يوغسلافيا»، ثم تنطلق صادرة موسيقى الفجر وغناء شجى يفيض بالمرح والسخرية يقوم به بعض الرجال المصاحبين لزعيمهم اللص المحترف «ماركو»العائد سالما إلى مدينته وأهله حاملا معه المسروقات. والموسيقى والغناء يمزقان سكون ليل المدينة. وتنفتح النوافذ ويتصايح المستيقظون فى نشوة لعودة «ماركو» سالما.. وماركو هو زعيم العصابة.. ولا أحد يعترض لأنهم جميعا مستفيدون من خدماته.. وأكثرهم فرحا هو صديقه «بلاكى» شريكه فى عمليات السرقة والبلطجة.. والمكافأة الطبيعية لهما.. ليلة ساخنة مع النساء والشراب !
مع صباح يوم جديد.. وحارس شاب فى حديقة الحيوان بالمدينة يدفع أمامه عربة إفطار الحيوانات.. يلقى بالطعام داخل الأقفاص ولا يكف عن المرح والمداعبة.. وفجأة تظلم السماء بأسراب الطائرات الألمانية المقاتلة والتى تلقى بحمولتها من القنابل.. ويسود الذعر بين الحيوانات.. وتشتعل الحرائق.. وتتهدم أقفاص الحديقة.. ويموت الأسد جريحا.. وينطلق الفيل إلى الخارج.. ويصرخ الشامبنزى الصغير عندما يرى الدماء تغطى جسد أمه.. ويسرع إليها الحارس ليلتقطهما من بين الأنقاض.. ويخرج مذهولا مما حدث.. لنرى المدينة كلها وقد تحولت إلى أنقاض.. وحرائق.. وضحايا.. ومشردين.
إنها الحرب العالمية الثانية ونحن فى عام ,1941. وقنابل النازى تدق يوغسلافيا.. ولكن الحياة لابد أن تستمر. فهذا شعب يغنى ويعزف الموسيقى حتى فى لحظات الخطر.. ويفتح «ماركو» زعيم عصابة اللصوص، مخبأه تحت الأرض، والذى كان يجمع فيه مسروقاته.. ويدعو الناجين من أهل المدينة لكى يختبئوا فيه..
ومن هنا.. كانت بداية الحياة تحت الأرض. لقد اختاروا أن يحموا حياتهم من قصف القنابل فوق سطح الأرض.. فاختبأوا تحت الأرض ليمارسوا حياتهم تحت وصاية زعيم العصابة «ماركو»الذى كان يمدهم بالطعام.. ويكلفهم بالعمل فى صناعة الأسلحة بدعوى تقديمها لرجال المقاومة ضد النازى.. وهو الوحيد الذى أعطى لنفسه حرية الحركة والصعود إلى سطح الأرض بحجة أنه سينقل لهم أخبار ما يحدث على سطح الأرض !
وهكذا اقتنعوا وارتضوا بهذه السلامة.. وشكلوا حياتهم تحت الأرض.. العمل فى تصنيع الأسحلة.. واللهو والمرح فى أوقات الراحة.. يشجعهم «بلاكى»صديق زعيم العصابة، والذى لم يشك لحظة فيه.. واستسلم تماما لأوامره أن يظل تحت الأرض.. ولم يشعر بالغضب إلا عندما حاول زعيم العصابة أن يشاركه حب الممثلة بفرقة المدينة.. أما ما عدا ذلك فهو فى موقعه تحت الأرض.. ينتظر الخير بنهاية الحرب.. حتى يخرج هو والآخرون من مخبئهم.. هل انتظروا طويلا؟
انتظروا عشر سنوات !!
ولكن الحرب لم تنته.. هكذا أبلغهم زعيم العصابة.. مع أن الحرب انتهت بالفعل، بينما الآخرون مازالوا تحت الأرض.. يواصلون حياتهم فى غيبوبة كاملة.. فلم تصلهم أية معلومات عن نهاية الحرب وما جرى فى يوغسلافيا حيث تولى «تيتو» قيادة يوغسلافيا، وأصبح «بلاكى» زعيم العصابة أحد المقربين لتيتو وعضوا بارزا فى الحزب بدعوى دوره البطولى أثناء المقاومة!! واستفاد زعيم العصابة من موقعه الجديد واتسع نشاطه وأصبح له السطوة والهيلمان. وتأتى لحظة تمرد واكتشاف.. تدعو «بلاكى»صديق زعيم العصابة لكى يخرج إلى سطح الأرض.. فيكتشف أن هناك شخصا يشبهه تماما مقيدا بالسلاسل. وضابطا نازيا لحظة يحاول اغتصاب فتاته الممثلة بفرقة المدينة والتى أحبها.. ويثور «بلاكى»ويفرغ بندقيته فى صدر الضابط النازى.. ويتكهرب المكان كله.. فلم يكن ما رآه واقعا حقيقيا.. وإنما كان مشهدا من فيلم يجرى تصويره فى أيام الحرب والمقاومة.. وكان زعيم العصابة «ماركو» واقفا يشهد التصوير.. فهو مؤلف الفيلم وأحد منتجيه !!.. لقد دخل أيضا مجال صناعة السينما !
أين الحقيقة.. لا أحد يدرى..
ويموت «تيتو» ويأتى زعماء العالم للمشاركة فى تشييع جنازته «نرى جزءا تسجيليا عن هذه المراسم».. وبموت تيتو تتفكك يوغسلافيا.. وتبدأ الحرب الأهلية عام ,1991. وسكان تحت الأرض.. مازالوا يصنعون الأسلحة.. بينما يستطيع بعضهم فتح ثقب بالمخبأ تحت الأرض ويخرجون إلى سطح الأرض ليجدوا الأنقاض والخرائب بفعل الحرب الأهلية ويزداد تشتتهم ! وينتهى الفيلم.. وجميع أبطاله وشخصياته فوق قطعة من الأرض عائمة فوق سطح الماء.. يعزفون الموسيقى والغناء.. وفجأة تنشطر قطعة الأرض العائمة إلى نصفين.. يبتعدان عن بعضهما تدريجيا.. وهم مازالوا يغنون ويضحكون عى ما جرى لهم !!
إنها رمز لتفتيت يوغسلافيا.. ولكن مازالت الروح تصدح بالموسيقى والغناء حبا فى الحياة.. وأصداء عبارة ترددت كثيرا طوال الفيلم تقول : «أنت تكذب بطريقة رائعة»!! وكأنها تحذير لنا.. أن نحمى حياتنا من الذين يحاولون سرقتها بدعوى أن نظل دائما تحت الأرض لا تصلنا الحقيقة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.