كثيراً ما نصادف أشخاصاً يبدون لنا سعداء للغاية يبتسمون وهم يحكون أفظع المآسى والأزمات، هؤلاء نراهم نغمة شاذة فى مجتمع ساخط متبرم ينتظر أول فرصة للانقضاض والانفجار.. قد نسعد بمصاحبتهم مرة، ومرات أخرى نضيق بوجودهم معنا، ولكن أبداً لم نتوقف مرة لنسأل: هل هم أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات أم أن العكس هو الصحيح؟؟ وهل لذلك علاقة بالإيمان والرضا بالقضاء والقدر؟ وهل الصبر ومجاهدة النفس عند الغضب طاقة إيمانية كبرى أم أنها غفلة كبرى؟؟ وإذا كانوا سعداء حقاً فلماذا يضيق المجتمع بهم؟؟ ولماذا لانفعل مثلهم.. وهل هى صفة تتعلق بنمط الشعوب والجماعات وتتدخل فيها عوامل الوراثة ؟ الإنجليزى بارد، السودانى كسول إلخ؟؟.. هل هناك أنماط من البشر لاتتحمل الكوارث فتكون اللامبالاة هى خط دفاعها الوحيد.. أم أنهم من أولئك الذين استجابوا لكل نصائح الفلاسفة القدامى والذين يعيشون بيننا من حكماء هذا الزمان والأزمنة الغابرة، وكذلك الأطباء الذين طالما حذرونا من مخاطر القلق والتوتر والاكتئاب، نهاية بفنانى الكوميديا الذين يملأون الدنيا من حولنا نكتاً وضحكاً ورقصاً وفرفشة..؟؟ حقاً.. كل ما حولنا الآن يدعونا للابتسام، بل وللقهقهة إذا أردنا.. ويقول لك: الحياة كئيبة من حولك، لايهم، اهزمها بابتسامة.. الأزمات تلوح لك بيدها، أغمض عيينك عنها و..علِّى صوتك بالغنا، الكوارث تناديك، أعط لها ظهرك، وتعال إلى حيث الفرح والبهجة والسعادة، و..البال الرايق.. انصت جيداً لذلك الفيلسوف ونصيحته الغالية: اضحك تضحك لك الدنيا.. لاتناقش ولاتجادل عندما يؤكد لك فريد الأطرش أن الدنيا مراية لما أضحك فيها تضحك ويايا، وصدقه عندما ينافقك ويقول لك ياأبو ضحكة جنان، ولكن، فى عرضك، لاداعى لأن تضحكها كمان وكمان، وإلا.. فالنتيجة هى ما أصبحنا عليه جميعا: نضحك على بعضنا البعض وعلى أنفسنا ولكنه ضحك كالبكاء، كهؤلاء السعداء بدون سبب واحد منطقى، كلنا منغمسون إما فى الضحك الأبله أو فى الكآبة السوداء. نعم.. نحن فى مصر نعيش فترة صعبة مليئة بالأزمات وصحيح أن شر البلية ما يضحك.. ولكن ما يحدث شىء آخر تماماً، شىء فاق كل نصائح الحكماء والأطباء، إنه أقرب إلى الضياع منه إلى الحكمة.. فهدف السخرية من موقف ما، هو الحد من تأثير الأزمة على الإنسان وبالتالى يجد طريقه لحل مشاكله، أما الاستسلام لكل ما هو مؤلم بدون محاولة للحل فذلك هو الضياع بعينه.. وعندما نستقبل نحن المصريين كل الأمور بالهزل فقط، فهذا يعظم من شأن الأزمة دونما أى حل، فلدينا أزمات خطيرة جداً لانبحث لها عن حلول، فقط نسخر منها ومن أنفسنا ويتزايد شعورنا بفقدان الثقة بالنفس، لأنه بعد أن نضحك نرتاح ولانبحث عن إصلاح.. وتظل الأزمات بدون حلول.. فهل يعقل أن نظل هازلين طوال الوقت ونعالج مشاكلنا بمزيد من الهزل وننتج أفلاماً ومسلسلات تعزز هذه الأزمات بدعوى الواقعية؛ فقد تصدينا لمشكلة المخدرات بمجموعة من الأفلام التى تذخر بالمشاهد الانبساطية ومجموعة مساطيل يهذون بسخرية وخفة دم، ثم فى النهاية نضع نصيحة هبلة تتوه فى الزحمة.. فهل هذا يكفى؟ طبعاً لا. تقول كلمات الأغنية «الدنيا مرايا لما أضحك فيها تضحك ويايا»، هذا كلام صحيح تماما (من الوجهة النظرية طبعاً) هكذا يقول علماء النفس، لأن الاضطرابات النفسية عادة ما تنعكس على الوجه فى صورة تعبيرات غامضة حادة تتسم بالجدية والصرامة والتوتر، أما الابتسامة فتعكس راحة البال والثقة بالنفس والروح ومفتاح للجمال والفتنة.. وهى أى الابتسامة أنجح أساليب التعبير عن المشاعر الإنسانية.. ولكن فى ظل ما نعيش من أزمات اقتصادية طاحنة وتدافع على موارد محدودة، لابد وأن تنتاب الأسوياء منا حالة من حالات الإحباط العام ومن غير الطبيعى ألا نكون كذلك.. أما أن نجاهد أنفسنا على تحمل المصاعب والضغوط فهذا شىء آخر ولايصل بنا أبداً لهذه الحالة من البهجة البلهاء، لكن من الممكن بل من المفيد أن نرسم الابتسامة الاجتماعية على وجوهنا لنستقبل الناس بود.. أما هؤلاء الانبساطيون فهم مهاويس يعيشون فى واد وحدهم، يرون كل الأشياء سفاسف لاتستحق الوقوف أمامها، ويحتاجون إلى العلاج النفسى. حقيقى.. اضحك تضحك لك الدنيا.. ولكن هل هناك ضمان ألا تضحك عليك؟