هذا العام اخترت الأستاذ حمام ليقوم بدور «المسحراتي» في شهر رمضان.. وهو نفس الدور الذي قام به الفنان نجيب الريحاني.. مع الزغاليل في فيلم غزل البنات.. في وقت كان معلم اللغة العربية في مدارسنا يقوم بدور أجهزة الإعلام.. أليست مهمة أجهزة الإعلام هي إيقاظ النيام.. ألم يكن في استطاعة الأستاذ حمام أن يحول رسالة التعليم إلي «بزنس».. ويغير اسمه من الأستاذ حمام إلي مستر حمام. يلهث وراء الدروس الخصوصية.. بعد أن وجد نفسه أدني مرتبة من خادم الكلب في قصر الباشا.. عاجزاً عن الفوز بحب بطلة الفيلم ليلي مراد.. وهو يعاني حياة الفاقة والحرمان.. لكنه تسامي في رسالة العلم وفي عاطفة الحب.. حتي أحاطه الزغاليل بالتقدير والاحترام.. ووصفه محمد عبدالوهاب بعاشق الروح.. وهو ما جعله يشعر في قصر الباشا.. بأنه أعلي مرتبة من الباشا. دي أهم وظيفة يقوم بها الأستاذ حمام.. وهو يدق الطبلة في ليالي رمضان.. هي غرس قيمة احترام المعلم في نفوس الزغاليل.. من أبناء الجيل الجديد.. وإيقاظ ملكات الفكر والخيال.. وحماية اللغة العربية قوام شخصيتنا الوطنية.. وأهم ما يقوم به الزغاليل هو الانتباه لدقات الطبلة التي توقظ «شهر زاد».. صاحبة أكبر رصيد في بنك الخيال.. حتي نسافر علي بساط الريح.. ونتعلق بساق طائر الرخ وهو يحملنا إلي قمم الجبال.. ودقات الطبلة التي نسمع بعدها صوت ليلي مراد.. وهي تتغني بالحب.. قبل أن تتحول أدوار الحب إلي امرأة سيئة السمعة.. وزوجة لخمسة رجال.. وصوت الأستاذ حمام وهو يدافع عن اللغة العربية.. قبل أن تتحول في أجهزة إعلامنا إلي عامية سوقية تختلط مع رطانة أجنبية.. ولا ترقي إلي العامية الإبداعية عند بيرم التونسي وصلاح جاهين.. التي كانت تحلق بنا في سماوات الفكر والخيال. لكن الأستاذ حمام لا يستطيع القيام بدوره.. في عصر القنوات الفضائية.. وصخب الإعلانات التجارية.. ودقات طبلته لا يصل صداها إلي الزغاليل من أبناء الجيل الجديد.. فيحيطونه كما حدث في فيلم غزل البنات بالتقدير والاحترام.. وقد امتلأت السيارات من حوله بالكلاب.. ومن يقومون بخدمتها في قصور الباشاوات.. حتي صار لكل كلب عدد كبير من الخدم.. يستقبلونه في الحفلات.. وكلما صاح الأستاذ حمام «يا بوليس» وهو يشاهد الزغاليل علي شاشة التليفزيون.. يدخنون الشيشة والمخدرات.. تعالت من حوله الضحكات - وبعد أن شاهد «شعبولا» في برامج التليفزيون.. وقد أصبح أكثر شهرة من محمد عبدالوهاب.. ألقي بالطبلة واختفي عن الأنظار.. في ليالي رمضان.. وهناك من يقول إن الاستاذ حمام.. تخلي عن رسالة المعلم.. وأصبح يدافع عن العامية.. وتحول إلي «البزنس» والدروس الخصوصية.. بعد أن غير اسمه إلي مستر حمام.. واستطاع أن يكون ثروة.. جعلته يرشح نفسه في الانتخابات. ويكتب المسلسلات.. بعد أن تحول من عاشق الروح إلي عاشق الجسد.. وصار يتحرش بتلميذاته من البنات.. وبعد فوزه في الانتخابات تحول إلي عاشق لأراضي الدولة.. والسفر للعلاج علي نفقة الدولة في الخارج.. وعاد من الخارج بعد عملية تجميل.. جعلته من «الهيبز» أصحاب الشعور الطويلة.. والفانلات التي تحمل كلمات أجنبية.. وكل هذه الأقاويل كانت مجرد خيال.. ومقالب في برامج «الكاميرا الخفية».. ظهر بعدها الأستاذ حمام علي شاشة التليفزيون.. والمذيع يقول له.. نذيع.. فيقول الأستاذ حمام.. نذيع.. ويعود إلي حمل طبلة المسحراتي.. ويدق عليها.. ليوقظ الزغاليل وينبه النيام.. إلي أننا نمتلك «ألف ليلة».. وهي أكبر كنز في الخيال.. والخيال وراء كل ابتكار في العلوم وإبداع في الفنون.. يجعلنا نتلاقي مع شتي الحضارات ونجني الثمار.. هذا الكنز - كما يقول الأستاذ حمام وهو يدق الطبلة - أكبر من كنوز الإلياذة والأوديسة.. و«أليس» في بلاد العجائب.. وآلة الزمان.. ورحلات «جالفر».. وعندنا من يفوق رحالة الغرب في دنيا الخيال مثل رحلات «السندباد».. ورحلات الواقع مثل «ابن بطوطة».. إلي جانب رحلة الأستاذ حمام إلي الزغاليل.. التي يقوم بها في هذه الأيام من شهر رمضان.