اعترف أننى مدمنة... أعانى من ضعف شديد أمام أى صحيفة أو مجلة... أعشق ملمس الورق... ورائحة الحبر وزوايا الصور وخطوط الرسومات.. ولا أستطيع أن أبدأ نهارى دون أن آخذ جرعتى من المتابعة اليومية لكل ما ينشر فى الصحف والمجلات والاحتفاظ بأهمها على أمل معاودة الإطلاع عليها فى وقت لاحق لا ياتى أبدا... وقد حاول أبنائى علاجى وأهدوا لى جهاز «لاب توب» أنيقا واجتهدوا فى تعليمى كيف أتابع أخبار العالم وكل ما تنشره الصحف والمجلات من خلاله.... على أمل التخلص من أطنان المجلات والجرائد التى تغرق البيت وتجعل الحركة فى غرفتى بالتحديد، شبه مستحيلة ! وخضعت لعلاج صارم.. وقالوا لى أننى فى البداية سوف أعانى من تأثير انسحاب المخدر من جسدى بعد أن تم التخلص من كل الصحف والمجلات القديمة الموجودة فى البيت، ومع الوقت سأتماثل للشفاء، المهم أن أواظب على الدواء... ولكنى أعترف أننى بعد جلسات العلاج المكثفة والتعامل اليومى الإجبارى مع جهاز «اللاب توب»العلاجى. عدت سرا الى إدمانى ووقعت فيما يسمى: «الانتكاسة» كنت أشترى الجرائد والمجلات وأطالعها فى مكتبى.. ثم بدأت (أسربها) إلى البيت سرا وأخفيها داخل أدراجى و فى خزائن ملابسى... حتى اكتشف الأولاد ذات يوم أن كل خزائن حجرتى مليئة بالجرائد والمجلات، فقدوا الأمل فى علاجى تماما. رغم ذلك لاحظت هذه الأيام أننى أعانى من ظاهرة مرضية أو صحية.. لا أدرى..؟؟ فتر اهتمامى بالصحف وفقدت شهيتى نحو قراءة كل ما يكتب وبدأت أعانى من «سدة نفس» أمام المطبوعات المختلفة وإحساس طاغ يسيطر على وهو أن أغلب المطبوعات أصبحت متشابهة وتكرر نفسها بأشكال مختلفة سواء كانت قومية أو معارضة أو حتى صفراء، فمن فترة ونحن نعيش فى مناخ إعلامى غريب.. كل صحفنا (ماعدا قلة نادرة) تمتلئ بأخبار الفضائح الحقيقية أو غير الحقيقية لمسئولين... ورجال أعمال.. وفنانين ومواطنين بسطاء.. وأصبح أى مواطن فى مصر مرشحاً أن يجد نفسه ذات صباح نجماً لفضيحة على صفحات الجرائد.. ولا يهم أن تكون التهمة حقيقية أو غير حقيقية فهذا أمر سوف نتأكد منه فيما بعد. المهم أن تكون هناك أخباراً ساخنة تحتوى على جانب من الحقيقة وأحياناً «بعيدة تماما عن أى حقيقة» وتظل أخبار هذا المسئول الشريف أو غير الشريف تنتقل من صحيفة إلى أخرى ومن قناة فضائية إلى أخرى، حتى تصبح فضيحة بجلاجل أو كما يقولون «يلاقو له صاحب»!.. ..ثم تمل الصحف من متابعة أخباره فتنساه.. وتبحث عن ضحية جديدة.. وفضيحة أكثر سخونة وأكثر إثارة.. ولأن القانون «حباله طويلة» فقد نكتشف بعد فترة أن هذا المسئول برىء!! فننشر خبر براءته فى سطرين بالصفحة الأولى أو الصفحات الداخلية لأن القضية لم تعد تهم أحداً.. ولا حتى صاحبها. والجمهور المتلقى ينفعل ويشحن مع أو ضد.. ثم.. يفتر الحماس.. وينتهى الموضوع.. وتبدأ الصحف والقنوات الفضائية فى عملية التشهير من جديد ويتم شحن الجماهير.. و.. نقلب الصفحة...!! بعض الزملاء من الصحفيين يرددون أن هذا الأسلوب هو الأسلوب المتبع فى البلاد المتحضرة.. التى تشتم فيها الصحف الحكومة والمسئولين وأى مواطن مع طلعة كل صباح، لأنها دول حرة.. ومتحضرة.. والحقيقة أن ما يرددونه صحيح إلى حد ما... ولكن لا أدرى هل يتعمدون عن قصد أو غير قصد إغفال واقع مهم وهو أن قانون المطبوعات فى أوروبا وأمريكا شديد القوة.. وفى حالة إثبات أن الخبر كاذب أو ملفق فإن الصحيفة أو المجلة تدفع الثمن غالياً... وتضطر إلى تقديم تعويض مادى كبير، بالإضافة إلى الإعلان عن خطئها وتقديم اعتذار يتناسب مع حجم الكذبة بل أن بعض المجلات تضطر إلى نشر القرار الصادر من المحكمة على غلاف مجلتها. هؤلاء الزملاء ينسون أو ربما لا يعرفون أن دور الصحافة هو تقديم الحقيقة وليس نوعاً من البلطجة والابتزاز.. ولا تهدف أبدا إلى إثارة الرأى العام وتضليله.. وأيضا قد لا يعلمون أن هناك شيئاً مقدساً اسمه الضمير المهنى قبل كل شىء.. وهذا ما تعلمناه على يد أساتذة كبار مثل د. جمال العطيفى وجلال الدين الحمامصى ود. خليل صابات ود.سامى عزيز.. ولكنهم مع الأسف... ماتوا