لا نبالغ إذا قلنا الآن إن القدس كأنها فى حرب. هدم البيوت الذى يجرى الآن فى القدس لا يقع إلاّ فى الحروب، تهجير الناس من مدينة القدس لا يقع إلاّ فى الحروب، وضع اليد بشكل سافر وقبيح وعلنى على الأراضى والعقارات والمقدسات، أيضاً لا يقع إلاّ فى حالات الحروب. هذا الوصف العميق لأحوال القدس اليوم جاء على لسان الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية فى فلسطينالمحتلة عام 8491. ولأن الإسرائيليين يتربصون بالأقصى كى يهدموه ويقيموا مكانه هيكلهم. بالتالى لم يكن غريبا أن تصدر جهتان إسرائيليتان فى أسبوع واحد أحكاما عقابية ضد الشيخ رائد صلاح، حيث صدر منذ أيام أمر من الحاكم العسكرى الإسرائيلى (بإبعاد) الشيخ رائد صلاح عن القدس لمدة ستة أشهر بتهمة التحريض، ثم بعد يومين بالضبط صدر ضده حكم قضائى من محكمة إسرائيلية (بالسجن) تسعة أشهر مع النفاذ بتهمة أعمال شغب والاعتداء على شرطى إسرائيلى، وذلك فى قضية منظورة بالمحاكم الإسرائيلية منذ عام 7002 لدفاعه عن مسرى رسولنا ضد الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى، كما تضمن الحكم أن يدفع الشيخ رائد صلاح حوالى ألفى دولار غرامة للجندى.. هذا فى الوقت الذى تتكرر فيه المحاولات من جماعات إسرائيلية لأداء الصلوات والشعائر اليهودية داخل المسجد الأقصى بحراسة الشرطة الإسرائيلية فى محاولة لاقتسام الأوقات أو الأماكن فى الأقصى بين اليهود والمسلمين لتكرار ما سبق أن فرضته سلطات الاحتلال من اقتسام المسجد الإبراهيمى مع المسلمين بمدينة الخليل. إن ما تفعله إسرائيل ضد الأقصى لا ينفصل عن طرد السكان العرب لتهويد القدس، ولا ينفصل بالطبع عن الإجراءات العقابية التى تتخذها ضد القادة المقدسيين الذين يقومون بالتوعية حول مخططات إسرائيل ضد الأقصى، فالشيخ رائد صلاح لم يبرد بعد تنفيذه للحكم الذى كان قد سبق صدوره ضده بالإبعاد عن القدس لمدة شهر، وذلك فى عيد الأضحى الماضى الذى وافق أعيادا يهودية حاولت خلالها مجموعات كبيرة من الإسرائيليين وقتها اقتحام المسجد الأقصى للصلاة فيه بحراسة الشرطة الإسرائيلية، لكن المقدسيين منعوهم من تحقيق غايتهم عبر مواجهات شديدة وقفوا فيها بصدورهم العارية كدروع بشرية تدافع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين، وكان الشيخ رائد صلاح كالمعتاد متقدما مع المرابطين الذين يثبتون أن للأقصى وللقدس رجالاً تنطق مواقفهم بالمعنى الذى ورد فى حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم قال فيه: لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من لأواء (أى أذى) حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك، وحين سئل الرسول: وأين هم يا رسول الله ؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس. فهل يفيق المسلمون فى بقية الدنيا ويتنبهون إلى خطورة ما يجرى ضد الأقصى على يد الإسرائيليين بحجة ما يزعمونه من أن الأقصى موجود فوق هيكل سليمان، بالرغم من أن تاريخ المسجد الأقصى يرجع إلى ما قبل أى بناء آخر حيث إن زمن إقامة المسجد الأقصى للمرة الأولى كان بعد أربعين عاما من قيام سيدنا آدم ببناء المسجد الحرام كأول بيت لعبادة الله سبحانه، وهو التاريخ الذى حدده الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سأله أَبُو ذَرٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فى الأَرضِ أَوَّلاً؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى، فسأله أبو ذر: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.؟