تعارفنا جميعاً على تحميل المرأة وحدها مسئولية إصابة الحياة الزوجية بالملل والفتور.. وهذا أمر مثير للعجب.. فالرجل يقر ويعترف بهذه المسئولية ،من باب إلقاء التهمة بعيداً عنه.. وكذلك المرأة ربما من باب التفاخر بأهميتها، وأنها وحدها القادرة على إجراء عمليات التكيف اللازمة لجعل سفينة الحياة تسير فى رفق وبلا مشاكل. هذا لأن المرأة »الواعية« من وجهة نظرها والآخرين أيضاً هى تلك التى تضع استراتيجية ذات أبعاد مدروسة للاحتفاظ بالرجل وتنفذها بكل دقة وخبرة قائد العمليات الحربية!! فهى تعطى بحساب باعتبار أن العطاء الكامل يجعل الرجل فى حالة شبع، والرجل إذا شبع هرب (!!) وفق نصيحة الأمهات والجدات.. لذلك هى حريصة دائماً على إبقائه فى حالة جوع مستمر للحب والأمان.. وتدعى أن هذه الخطط هى التى تضمن لها الاحتفاظ بالعصفور الشقى داخل القفص، ولايهم هنا بالطبع حالة هذا العصفور سعيداً كان أم مكسور الجناح! هكذا.. أقرت المرأة بوعى منها أو بدون ميل الرجل للتغيير وحقه فى الملل من علاقة لا يكون طرفها الآخر وهو المرأة فى حالة يقظة تامة ودائمة وتحسب لكل بادرة سخط أو سأم.. والرجل أيضاً تلقف الكرة فى ملعبه بمهارة بوعى منه أو بدون، لايهم الآن ولكن الذى يهم أنه أقر هو أيضاً بمسئولية المرأة عن صحة أو اعتلال العلاقة بينهما، وراح يردد هو الآخر لنفسه وللآخرين أن فراره من العلاقة الزوجية سببه أن المرأة لم تبذل جهداً كافياً لمنعه من ذلك، وبذلك تكون المرأة قد ساهمت فى تأصيل مسئوليتها هذه بل أكثر من هذا راحت تدافع عن أخطائه وتحملها لنفسها. ويالها من تضحية.. والحقيقة إنه لو كانت هناك مسئولية منفردة للمرأة عن خيانة الرجل لها أو على الأقل ملله من حياته معها فمآلها الآن أجندة التاريخ.. وإذا كنا قد قبلناها وتعارفنا عليها باعتبارها أمراً واقعاً فى الماضى؛ فلم يعد مقبولاً أو مستساغاً الآن مثل هذا المنطق؛ فالمرأة لم تعد سواء أقرت ذلك أم أنكرته ترى أن الرجل هو مهمتها الأولى فى الحياة.. لقد تعددت أدوارها ومسئولياتها خارج علاقتها بالرجل وداخل هذه العلاقة أيضاً.. وإذا كانت المرأة فى العصور الغابرة قد احتاجت إلى تنمية ما تعارفنا على تسميته بالحاسة السادسة كتعويض عن حواس أخرى كثيرة كانت قد ضعفت بسبب عدم الاستعمال؛ فإن الحال قد تبدل الآن وأصبح على الرجل والمرأة كليهما أن يبحثا وينقبا عن حواس أخرى كامنة تعينهما على مواصلة الحياة معاً بمسئوليات مشتركة تقرب أحدهما إلى الآخر دون رتابة أو ملل.. وعليهما أيضاً أن يفكرا معاً فى إعادة توزيع خريطة هذه المسئوليات بشكل يتفق مع سمات عصر جديد تشكلت فيه قدرات جديدة للمرأة مكنتها من تحمل مسئوليات كانت فيما مضى قاصرة على الرجل فقط.. فالعدل يحتم أن يؤدى اقتسام المسئوليات إلى المشاركة فى الحقوق.. وإذا كانت المرأة قد قبلت بمبادرة شجاعة أن تحمل نصيبا مضاعفا من التبعات، فقد جاء الدور على الرجل أن يتقدم بفروسيته المعهودة ويزيح عن كاهل المرأة بعض هذه التبعات التى لا تساير روح العصر، ويقر بمسئوليته هو الآخر عن الملل الذى أصاب حياتهما معاً، وأيضاً بحقها مثله أن تنعم ببعض الأمان فى التصرف بتلقائية وحرية وعفوية، وأن تشعر بأقدامها ثابتة على أرض صلبة بدلاً من حالة السير فوق الحبل كلاعبى السيرك المفروضة عليها بدعوى مسئوليتها (المنفردة) عن إنجاح العلاقة وإبعاد شبح الملل والفتور من طريقها.. وهكذا يصبح عليهما معاً واجب رعاية هذه العلاقة ومحاولة إنمائها بكثير من الود والعطف والصراحة والوضوح والاهتمام المتبادل..