هل تتذكرون الشهيد زياد بكير أحد الشباب المبدعين الذى استشهد فى ثورة 25يناير، فحكايته تثير التأمل منذ اختفائه عن أهله وحتى إعلان استشهاده، إنه يعود إلينا من خلال أعماله الفنية التى قررت أسرته أن تقدمها فى معرض فنى بدار الأوبرا، وها نحن نعيش مع والدته التى تحاول أن تعيش مع ابنها حتى ولو من خلال فنه فقد ذهب مع الشهداء، ولم يبق منه سوى اسكتشاته وصوره التى تحكى لنا عن حياته. قابلت والدته المهندسة سوسن مهندسة الديكور وكان يظهر عليها الإعياء الشديد ورغم هذا قالت لنا: زياد كان بيحب مصر وروحه فيها.. وكان فنان جميل ورقيق وحساس بدرجة عالية.فالحالة التى وصلت لها مصر كانت مؤثرة علينا، لدرجة إننا كنا متوقعين حدوث ثورة منذ عشر سنوات.. وكان زياد يشعر بهذا لكنه لم يتكلم لأنه لا يميل للسياسة.. وكان كل حديثه عن مصر من خلال الفن وكان متشبعاً بكل أنواع الفن وكان محبا للموسيقى والرسم لأنه خريج فنون جميلة.. فلوحاته كلها تتحدث عن الفن والموسيقى.. زياد كان شابا جميلا ومخلصا فى حبه لوطنه وأهله وحنوناً فى معاملته مع أبنائه وكان منزعجا جدا فى أواخر أيام النظام السابق بسبب الظلم والقهر والاستبداد الذى كان يعانى منه الشعب. بداية الاكتئاب وتحكى مدام سوسن أن ابنها تعرض للاكتئاب منذ حادث «خالد سعيد» وزادت بعد حادث كنيسة القديسين ووقتها كنا نشعر بحالة استياء شديد من الأحداث.. لكن زياد كان أكثر حساسية وكان شخصاً كتوماً لا ينطق بأى شىء.. ووقتها كانت أخته «ميريت» فى ألمانيا وكانا يتحدثان مع بعضهما عن طريق الإنترنت.. وقالت له ميريت «لماذا صوتك حزين»؟ فرد زياد قائلا: «لأن مصر ماتت».. فقالت له ميريت: «ليه كده».. فرد عليها «لأن الأمل قد ضاع». عاد الأمل وعندما قامت ثورة 52 يناير دب الأمل مرة أخرى فى قلب زياد وكأن الروح قد عادت له.. وقالت له أخته لازم تنزل وتشارك فى الثورة وأكدت عليه ضرورة النزول.. لكنه وقتها كان مريضا ودرجة حرارته عالية وكان يريد النزول لكنى رفضت نزوله.. وفى يوم 28 يناير قال لى «أنا نازل يا أمى الميدان، إيه رأيك أنزل ولا إيه».. فقلت له «إنزل، بس افطر الأول».. قال: سوف أفطر لما أجى، أنا مش هتأخر».. ونزل فى هذا اليوم.. لكن القلق لم يتركنى بعد نزوله وأسرعت كى أنادى له لكنى، لم ألحق به.. وانتبانى بعدها شعور غريب وكنت أريده أن يعود، لكن كانت كل وسائل الاتصال مقطوعة. نزل ولم يعد نزل زياد ولم نره بعدها.. وبدأنا نسأل عنه فى كل مكان.. فى المشرحة وفى كل المستشفيات.. لكننا لم نجده ووجدنا اتصالات غريبة تقول لنا «بطلوا شوشرة فى الإعلام علشان نقدر نجيب زياد لكم.. هو سليم وبصحة جيدة.. وهذا فقط قرصة ودن له».. وعلمنا بعد 43 يوماً أن زياد استشهد يوم 82 يناير وهذا عن طريق تقرير الطبيب الشرعى الذى حدد موعد وفاته برصاصة جاءت من أعلى دخلت فى الرئة وخرجت من الكلية اليسرى.. وعندما علمت بوفاته بعد 34 يوماً لم أستطع البكاء.. وحتى الآن.. ربما من المفاجأة.. لكنه ذهب فى لحظة وإذا به يقتل برصاص القناصة الذى أطلق عليه النار عندما كان ذاهباً إلى المتحف المصرى كى ينقذه من السرقة والنهب. تنهدت والدته بحرقة ومرارة ثم أكملت قائلة: لن أستطيع أن أصف لك حالتنا الآن.. أُم لا تستطيع البكاء على ابنها لأنها لم تره.. فمثلا لو كان مريضا أو حتى أصيب ودخل المستشفى وبدأنا نعالجه ونعرف حالته وبعد ذلك توفى فسنبكى عليه لأنه أمامنا ونعرف النهاية.. لكننا لم نره بعد.. وكان عندى أمل فى رجوعه مادامت مكالمات التهديد مستمرة. القط صديقه الوحيد الذى كان على يقين من موت زياد هو قطه المخلص فى حبه له.. فكان صديقه جدا.. وكان القط يتأثر بحالة زياد النفسية ودائما كان يتحدث معه ويوم 28 يناير كان القط أكثر دراية بما سيحدث لزياد والدليل على ذلك أنه اختفى فى نفس اليوم الذى اختفى فيه زياد ولم نعلم عنه أى شىء ولم نره حتى الآن.. فلم يحتمل القط فراق زياد مثلنا جميعا.. لكن ما يجعلنى أعيش حتى الآن هو لوحاته. وتقول أم الشهيد زياد: بدأت أعيش فى لوحات زياد واستخرجها من الفلاشات.. فجمعت بعضاً منها وقمت بعرضها فى هذا المعرض والبعض الآخر أقوم بجمعه الآن.. فلوحات زياد كثيرة جدا ومتعددة ومتنوعة.. غير الصور الفوتوغرافية.. فهو كان عاشقاً للصحراء والمناظر الطبيعية لذا سأقوم بتجهيز معرض آخر سأعرض فيه الصور الفوتوغرافية التى حصل بها على جوائز.. فأنا الآن سعيدة جدا لأننى أشعر أنه سعيد لأن لوحاته تعرض بهذا الشكل. وزير الثقافة: الشهيد زياد فنان متنوع افتتح د.شاكر عبدالحميد وزير الثقافة معرض الأعمال الفنية للشهيد الفنان التشكيلى زياد بكير بقاعة مركز الهناجر بساحة دار الأوبرا، بحضور أسرة الشهيد. ضم المعرض حوالى 300 لوحة فنية من تصميمات الشهيد لجميع مطبوعات حفلات دار الأوبرا من ناحية الأوركسترا أو الباليه بالإضافة لصور شخصية لتاريخ حياته.. وعرض فيلم فيديو لحياة الشهيد مع أسرته . وأوضح عبدالحميد أن معرض الشهيد زياد شديد التنوع والخصوبة والجمال، ويَنُم عن روح وقدرة إبداعية متميزة تجمع بين الكم والكيف، تجمع بين التنوع فى الأعمال الفنية الممتدة من أوبريتات وسيمفونيات وقصص ومسرحيات وأفلام وأوبراليات عالمية مشهورة لعدد من المؤلفين والموسقيين العالميين والأدباء، كما يوجد تنوع فى الموضوعات وكثرتها. كما أن هذا المبدع لديه حس جمالى عال وقدرة على الإتيان بكل جديد ومفيد، وفهم العالم والتعبير عنه من خلال لغة الصورة والشكل مما يجعله شديد العمق والرهافة والحساسية، فمصر تحتفظ به فى تاريخها وذاكرتها وثورتها وشباب مبدعيها لكى تبقى مصر أفضل وأحسن. وأشار الدكتور شاكر إلى أن إقامة المعرض كانت بمبادرة من أسرة الشهيد وأن وزارة الثقافة لن تتأخر فى تقديم العون لشهدائها أو لمصر أو لشبابها أو مبدعيها، واختتم كلمته قائلا: إننا افتقدنا زياد كثيراً وسيظل أبدا ودائما فى ذاكرة المصريين والوطن كرمز وعلامة مميزة ولن ينسوا فنه