لا يمكن أن تفصل انتخابات نقابة الصحفيين عن المشهد العام فى مصر.. فكما أن القاهرة بعد ثورة شعبها على الفساد والطغيان ليست هى القاهرة قبلها.. حيث تشهد مصر زخماً سياسياً وإقبالاً كبيراً على ممارسة السياسة وإنشاء الأحزاب التى وصل عددها إلى 47 حزباً ومن المتوقع أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة هى الأكبر من حيث أعداد المرشحين ونسبة التصويت لسبب بسيط هو عدم وجود مرشحين للحكومة عبر حزبها الحاكم تعمل جميع أجهزتها الأمنية والتنفيذية على نجاحها.. كذلك انتخابات نقابة الصحفيين المقبلة فى 14 أكتوبر ليست مثل الانتخابات التى شهدتها فى السابق، فلأول مرة منذ عشرات السنين لايوجد مرشح للحكومة أو الحزب الوطنى أو لجنة السياسات على مقعد النقيب.. ولأول مرة أيضاً لا يوجد مرشح يدخل الانتخابات بحزمة خدمات وعدته الحكومة برئيسها أو وزرائها بتقديمها للصحفيين فى حالة نجاحه فى الانتخابات.. حتى الزملاء المرشحين لعضوية مجلس النقابة لأول مرة أيضاً يتقدمون للترشيح ومخاطبة زملائهم الناخبين بصفتهم الشخصية وبمطالب مهنية وليس بوعود بمجموعة خدمات وامتيازات حصلوا عليها من الوزارات والهيئات الحكومية التى يغطون أخبارها وأنشطتها لصحفهم.. هى إذن أول انتخابات للصحفيين بدون رشاوى انتخابية. وهو ما أدى إلى زيادة عدد المرشحين الذين تخطوا حاجز المائة مرشح على مقاعد مجلس النقابة ال 12 و8 على مقعد النقيب.. الكل يطمع فى الفوز لأن الرشاوى الانتخابية التى يقدر على تقديمها عدد معين من الصحفيين أصبحت غير موجودة لذلك تقدم للانتخابات كل من وجد فى نفسه القدرة على تحقيق مطالب الصحفيين المهنية فى المرحلة الدقيقة المقبلة. *ثنائية الولى وقلاش ولكن الملاحظ أننا تركنا ثنائية مرشح الحكومة ومرشح المعارضة لندخل فى ثنائية أخرى بين التيارات السياسية والتى تنحصر فى انتخابات النقابة الحالية بين التيارين القومى أو الناصرى والتيار الإسلامى بخاصة على منصب النقيب ممثلاً فى الزميلين يحيى قلاش للأول وممدوح الولى للتيار الثانى.. الغريب أنهما ينفيان نفياً قاطعاً أن يكونا ممثلين للتيارات بعينها فى الانتخابات حيث يؤكدان أنهما يمثلان عموم الجماعة الصحفية بمختلف انتماءاتها وأنهما يملكان برنامجاً مهنياً يخوضان الانتخابات على أساسه وليس برنامجاً سياسياً لأى من التيارات المحسوبين عليها.. ولكن الواقع على الأرض أن عدداً ليس بقليل من الزملاء الصحفيين ينظرون إلى ممدوح الولى ويحيى قلاش على أنهما يمثلان بالفعل الإخوان والناصريين ومفاضلة هؤلاء بين الولى وقلاش ستكون على هذا الأساس مهما نفى الإخوان علاقتهم بالأول أو نفى هو علاقته بهم أو شدد الناصريون على أن الثانى هو مرشح الجماعة الصحفية وليس مرشحهم!!.. بالطبع هناك مرشح آخر هو الزميل مؤنس الزهيرى وهو غير محسوب بالقطع على التيارين ويمكن أن يحدث مفاجأة ولكن لأن انتخابات نقابة الصحفيين تعكس الوضع السياسى العام فى مصر.. فإن وجود مرشح محسوب على الإخوان وآخر محسوب على اليسار والناصريين بالإضافة إلى التاريخ النقابى الكبير للزميلين كان لابد من أن يحتل صدارة المشهد الانتخابى للصحفيين.. خاصة ما سبقه وما يشهده من تحالفات وتربيطات والتى كان أهمها إحجام ضياء رشوان المرشح القوى فى الانتخابات الماضية لصالح يحيى قلاش حتى لا تتشتت جهود وأصوات اليسار والناصرى الصحفى. صحيح أن يحيى قلاش وممدوح الولى لديهما برامج يخوضان الانتخابات على أساسها ،لكن التصنيف السياسى غلب على هذه البرامج وهو أمر طبيعى فى ضوء الأحداث التى تشهدها البلاد فى هذه الفترة.. فإذا كانت الصبغة السياسية تلون المرشحين فى انتخابات النقابة السابقة قبل الثورة فمن الطبيعى أن تزداد بعدها.. فمن المعروف أن اختيارات الجمعية العمومية للصحفيين كانت تركز فى السابق على اختيار نقيب حكومى «باستثناء فترة جلال عارف» ليكون جسر التواصل مع الحكومة باعتبارها الجهة المقدمة لجميع الخدمات للصحفيين وفى مقدمتها بدل التدريب.. وفى المقابل كانوا ينتخبون مجلسا ينتمى فى معظمه إلى المعارضة بمختلف تياراتها الناصرية والليبرالية والإسلامية لكى يفرمل أى توجه حكومى للمساس بالمهنة والاعتداء على حرية الصحفيين.. لذلك فمن الطبيعى أن تغلب الصبغة على المرشحين بعد استبعاد مرشح الحكومة. * الأكثر شعبية وتبدو فرص المرشحين لعضوية مجلس النقابة متساوية برغم كثرة عددهم، خاصة المرشحين الجدد الذين يرشحون أنفسهم لأول مرة فالرغبة فى تغيير الوجوه القديمة كبيرة عند الصحفيين أعضاء الجمعية العمومية.. ولذلك تبدو فرص بعض الزملاء من أعضاء مجلس النقابة السابق فى إعادة انتخابهم ضعيفة.. فباستثناء الزميلة عبير سعدى التى قامت ومازالت تقوم بجهود كبيرة فى لجنة التدريب من أجل الارتفاع بالمستوى المهنى للصحفيين رغم المعوقات الكثيرة التى كانت تجدها من قبل النقيب السابق مكرم محمد أحمد وهو ما شعر به الجميع، لذلك فهناك شبه إجماع من الصحفيين على إعادة انتخاب عبير سعدى.. نجد أن معظم الزملاء أعضاء المجلس لم نشعر بوجودهم حتى تليفوناتهم أصبحوا لا يردون عليها بعد أن تم انتخابهم فى المرة السابقة نوفمبر ,2007. والآن عادوا إلى الظهور مرة أخرى على أمل بعيد بإعادة انتخابهم ثانية مستغلين فى ذلك انتماءاتهم السياسية «إخوان، ناصريين» أو انتماءهم إلى مؤسسة صحفية كبيرة «أخبار، أهرام، جمهورية» فلم يبق لهم إلا الحشد السياسى أو الحشد المؤسسى لكى تبقى لهم عضوية مجلس نقابة الصحفيين. * مهنية وليست خدمية تقول د. نجوى كامل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: ما يميز انتخابات نقابة الصحفيين بعد ثورة 25 يناير أنه لأول مرة لا يوجد مرشحون للحكومة فى هذه الانتخابات سواء على مقاعد المجلس أو على مقعد النقيب وهو المنصب الأهم الذي كانت الحكومة تسعى للسيطرة عليه فى جميع الانتخابات السابقة من خلال دعم مرشح بعينه.. لذلك فهى أول انتخابات أيضاً بدون رشاوى انتخابية.. رغم أنه فى جميع الأحوال يقوم الصحفيون بانتخاب المرشح من أجل ما سيقدمه لهم بعد انتخابه فأنت تنتخب مرشحًا بعينه من أجل أهداف خاصة ترى أنك ستحققها من إعطاء صوتك له، لكن هناك فرقًا بين مرشح يقدم مطالب مهنية تتعلق بقضايا حبس الصحفيين أو المواد الخاصة بتشريعات الصحافة وبين آخر يقدم رشاوى انتخابية خدمية فى مجالات الإسكان أو الاتصالات. وتضيف د. نجوى: لم تشهد انتخابات نقابة الصحفيين تزويرًا أو تلاعبًا مباشرًا من جانب الحكومة أبدًا ومع ذلك كان أعضاء النقابة ينتخبون مرشح الحكومة على منصب النقيب لأسباب خدمية تتعلق بزيادة البدل النقدى أو تقديم شقق أو إقامة مدن سكنية للصحفيين.. ولكن فى هذه الانتخابات لا يوجد مرشح يقدر على تقديم مثل هذه الوعود لأنه لا يوجد مرشح للحكومة تقوم بدعمه بسلسلة من الخدمات لكى ينجح.. لذلك فالجميع يركز على قضايا المهنة الخاصة بالحريات وهى الميزة الأهم لهذه الانتخابات، حيث أصبحت الوعود والرشاوى الانتخابية مهنية إن جاز التعبير.. وهو ما انعكس أيضاً على زيادة عدد المرشحين للعضوية الذين زادوا على المائة فهناك عدد كبير منهم أو قل الغالبية العظمى لم تكن تستطيع أن تخوض الانتخابات فى ظل قواعد اللعبة السابقة التى كانت تعطى أفضلية للمرشحين الذين كانوا يأتون بأكبر قدر من الخدمات العينية للناخبين، فكان مندوبو الوزارات هم الأكثر حظا فى الفوز وهو ما ليس موجوداً فى هذه الانتخابات. وتشدد د. نجوى كامل على ضرورة ألا نخرج من ثنائية مرشح الحكومة والمعارضة إلى دوامة مرشح الإخوان فى مواجهة مرشح الناصريين لأن هذا كفيل بتقسيم النقابة ودخولها فى السجال والصراع السياسى الدائر فى مصر حالياً، ولذلك على جميع المرشحين خلع رداء السياسة والتيارات الفكرية والسياسية على أبواب النقابة وتبنى قضايا مهنية لا تختلف عليها الجماعة الصحفية.