ما بين بيانات ومؤتمرات ومباحثات العرب وبين حفر وهدم واستيطان إسرائيل نشهد الأهوال. أهوال ضد المسجد الأقصى «توثيق مصور للخطوات الصهيونية ضد المسجد الأقصى» هو عنوان وموضوع كتاب الكاتبة الدقيقة المدققة سهام ذهنى. من صفات الصديقة سهام ذهنى الشخصية التعمق فى التفاصيل والغوص فى قلب الحقيقة قبل أن تطير فى سماء الأمل لرؤية الصورة المتكاملة.. مثلها مثل العصفورة الصغيرة التى تستكشف المكان بدقة وتجمع القش واحدة واحدة وتبنى العش ثم تطير فى الهواء لتراه كاملا متكاملا. ولأن الكتابة فى أبسط معانيها تعبر عن النفس فقد انطبعت هذه الصفات الشخصية المتميزة على العمل الصحفى لسهام ذهنى وطبعت فى ثمانى كتب سبقت هذا الكتاب.. أهوال ضد المسجد الأقصى. كتاب من التاريخ للتاريخ كتب بلغة مبسطة معتمدا على الوقائع والوثائق والصور ليقرأه الذى انشغل عن الأهوال بالأحداث المتكررة التى تمسح الذاكرة. وتشرح الكاتبة هدفها من الأسلوب المبسط الذى استخدمته فى تقديم الحقيقة من أجل أن يقرأها أكبر عدد ممكن من الشباب الذين اعتادوا على الكتب المدرسية الخارجية التى تلخص المناهج أو على الملازم التى تستخدم طريقة أشبه بالسؤال والجواب. وإذا علمنا أن إسرائيل تستخدم كل الوسائل للترويج لتهويد القدس وإقامة هيكل سليمان فهناك المناهج الدراسية وشبكات الإنترنت وجولات السياح داخل الأنفاق التى حفرت تحت أرض المسجد الأقصى وفوق أرضه وحول أرضه وهى المحاور الثلاثة التى يريدون بها التخلص من المسجد الأقصى. نحن آخر من يعلم أن الإسرائيليين قد خطوا خطوات خطيرة جدا وكبيرة جدا على طريق هدم المسجد الأقصى والاستيلاء على أرضه المقدسة لإقامة هيكلهم مكانه، هكذا أوضحت الكاتبة فى مقدمتها قبل أن تقدم العرض التاريخى. والمسح الجغرافى فى الأرض وساحات المسجد الأقصى التى يجهلها معظم العرب. ولأن القدس تعنى الحجر والبشر فقد اهتمت الكاتبة بخطط الاستيطان والاستيلاء على أحياء وبيوت المقدسيين وعن الهوان والعذاب الذى يعانيه هؤلاء القابضون على الجمر كل يوم لمجرد عبور الطريق والذهاب إلى المدارس وحتى الذهاب إلى الصلاة. وعن هذا تقول: هو واقع مثير للكراهية مع ملاحظة أن الإحساس بوجع الجروح يبتره سرد الوقائع عبر إيجازها فى معلومات مختصرة مسبوقة أو متبوعة بتسجيل اليوم والشهر أو السنة التى وقعت فيها، فالإحساس بوطأة الانتهاك يزداد لهيبه عند من عاشوا أحداثه لحظة بلحظة، فمرارة أن يتم طرد إنسان من بيته كى يتمرمغ غيره فى نعيمه هو أمر لا يمكن أن يستوعب أحد هول بشاعته مثل الذين كابدوه. ما يميز هذا الكتاب حقا هو الصور التى تشرحها سهام ذهنى تاريخيا وجغرافيا وإنسانيا فالصورة التى تسجل لنا الحفر تحت المسجد والأنفاق وانهيار المدرسة وحريق المنبر الذى أهداه صلاح الدين للمسجد الأقصى عند تحريره، والمجندات الإسرائيليات بأحذيتهن فى المسجد بينما تقابلها صورة أخرى للفلسطينيات يصلين خارج أسوار المسجد والجنود الإسرائيليون يقفون فى طريقهن، هذه الصور ليست بألف كلمة كما يقال لكنها تسجيل حى للأهوال يوضحها بكل وضوح. يبقى أن سهام ذهنى تكتب عن القدس بعشق ومن القلب إلى القلب تنتقل الكلمة عن العشاق إذا سألونى وأنا فى العشق أفهم وأشعر وأتألم، فصحيح أنه فى عشق الأرض المباركة هناك عشاقها الذين يعيشون فيها من أهل القدس المرابطين العابدين لكن هناك أيضا ملايين العشاق مثل المحرومين من تقبيل ثراها الطاهر الذين يحلمون بيوم فتح باب الجهاد لتحريرها ولأنى عاشقة للأرض المباركة فإن العشق يجعلنى أشعر بأشجان المقدسيين الذين يتعذبون بالشوق على الرغم من القرب. وهنا أتذكر الشيخ رائد صلاح الذى كتب مقدمة هذا الكتاب وهو من أشد المحاربين من أجل القدس بينما لايزال فى السجن فى بريطانيا عندما نزل أرضها ليحضر ندوة على اعتبار أنه إرهابى. بعد هذا الكتاب التاريخى الوثائقى الجميل أنتظر من صديقة عمرى سهام ذهنى رواية عن أهل فلسطين فهى قادرة على مزج العشق بالشجن فى رحاب فلسطين الحجر والشجر والبشر