تلقيت دعوة كريمة من كلية الإعلام جامعة القاهرة. الدعوة أرسلتها لي الأستاذة الدكتورة ابتسام الجندي المشرفة علي قسم الصحافة بالإنجليزية بالكلية. وأعرف الدكتورة ابتسام منذ أن كانت طالبة بالكلية، وقد استقبلتها في مجلة صباح الخير كمتدربة هي وغيرها ممن أصبحوا أساتذة وعمداء.. وأحرص دائما علي تلبية دعوات كلية الإعلام كممتحن خارجي في بعض مشروعات التخرج أو كمدرس للترجمة الصحفية أو الصحافة الاستقصائية.. وهذا الأسبوع ذهبت مرتين إلي كلية الإعلام.. الأولي كممتحن من الخارج لمشروع مجلة بهية التي أصدرها طلبة وطالبات صحافة إنجلش وكعهدي بكلية الإعلام فالأغلبية دائما للبنات، ولم تشذ مجلة بهية عن هذا التقليد الثابت علي مر السنين.. فالذين أصدروا مجلة بهية كانوا خمس عشرة فتاة وطالبا واحدا. الطالبات هن: أروي محمد، آية يوسف، كريستين أشرف، دينا صقر، هدير سامي، ندي عبدالعظيم، ندي خالد، ندي خطاب، نورا أبو العيون، رضوي سلطان، سلمي مكاوي، سماء هاني، سارة مينا، سارة يوسف ويسرا محمد.. أما الطالب الوحيد فهو محمد إبراهيم. وتذكرت علي الفور الدفعة التي تخرج فيها لاعب الكرة الشهير عادل هيكل فقد كان الفتي الوحيد بين 250 طالبة. جلسنا في غرفة المناقشة الأستاذ الدكتور أشرف صالح والأستاذ الدكتور محمود خليل والأستاذة الدكتورة ابتسام الجندي. والمشرفتان د. سهير عثمان والآنسة ياسمين أبو العلا وحولنا المحررات اللاتي أصدرن بهية. وقد تكلف إصدار مجلة بهية ما يقرب من اثنين وعشرين ألف جنيه قام بدفعها المحررون. وأشهد أنها مشروع وفكرة جيدة لإصدار صحفي جديد يضاف إلي العديد من المجلات التي تصدر في مصر والعالم العربي ولكن أين الجهة التي تتبني مشروعا جديدا لمجلة جديدة. والمجلة ليست عن المرأة كما قد يتبادر إلي الأذهان من اسمها، بل هي مجلة جامعة تتحدث عن كل ما يهم المجتمع في مصر والعالم العربي والقضايا المثارة علي الساحة بعد ثورة 25 يناير 2011. والمجلة تقع في 96 صفحة شاملة الغلاف والأقسام والمحاور في كل الصفحات تنم عن وعي شديد بالمجتمع الذي نعيش فيه. تنوعت الموضوعات وشعرت أن المجموعة القائمة علي إصدار وإنتاج مجلة بهية واعية تماما بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر. إنهم يتساءلون عن معاهدة السلام مع إسرائيل والمعروفة باسم معاهدة كامب ديفيد، هل نناقشها، وهل نعيد النظر فيها أم نلغيها؟ كان الحوار جريئا موضوعيا وشاملا بين زملاء المستقبل سلمي مكاوي وسارة مينا وبين الدكتور عماد جاد، الخبير في العلاقات العربية الإسرائيلية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.. وقامت الزميلتان ندي عبدالعظيم وسارة مينا بإجراء حوار مع الدكتور عمرو الشوبكي لتعلنا للرأي العام أن محاكمة نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك هي إنذار لأي رئيس قادم يتولي قيادة شعب مصر، ليعرف الجميع أن المساءلة قادمة وأن أي مسئول يتحمل مسئولية قراراته وهل هي في صالح الشعب أم لتحقيق مآرب شخصية. وحرصت الزميلتان علي وضع برواز باللون الأحمر في نهاية الموضوع يحث القراء علي إرسال تساؤلاتهم حول موضوع آخر مثل التوتر الديني. وتعلن الزميلتان أن هذه الصفحات هي ملك للقراء يطرحون من خلالها الأسئلة التي يبحثون لها عن إجابات. وهذا بالطبع تفكير سليم للتواصل بين القراء ومجلة بهية. أما الزميلة كريستين أشرف فقد حرصت علي إجراء حوار ذكي مع الدكتور أحمد شوقي العقباوي أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر الشريف والذي خلصت فيه إلي أن الإحباط الذي أصاب المصريين لسنوات طويلة بدأ يختفي مع نجاح ثورة 25 يناير. وأعلن الدكتور العقباوي في نهاية الحوار أن المواطن المصري اليوم ينتابه مزيج من الأمل والخوف. وأنه يخاف ألا يتمتع بالأمان أو أن يعيش في أزمة اقتصادية، ولكن هناك أملا في بكرة وغد أفضل. والزميلتان أروي محمد ويسرا محمد رصدتا اهتمام الشباب بالسياسة بعد ثورة 25 يناير وكيف أن الشباب المصري الذي لم يكن يهتم بالأحزاب أو الانضمام لأي حزب أصبح اليوم مشاركا ويسعي إلي الانضمام وتكوين أحزاب. واختارت الزميلتان الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية للإجابة عن أسئلتهما التي دارت حول الأحزاب القديمة والجديدة وأهمية الانضمام لحزب أو البقاء مستقلا عن أي حزب لأنه لا يريد الارتباط بأيديولوجية معينة. وحلم المصريين بالديمقراطية رصدته الزميلتان ندي عبدالعظيم وسارة مينا خلال فترات عبدالناصر والسادات وحسني مبارك، وخلصت الزميلتان إلي أن الشعب المصري يتطلع اليوم إلي الديمقراطية حقيقة وليس الديمقراطية الصورية التي كانت سائدة أيام عبدالناصر والسادات ومبارك. والزميلة ندي خطاب فتحت صندوق الذكريات منذ أيام الطفولة، ولماذا حرص أطفال مصر علي قراءة مجلة ميكي ثم كابتن ماجد. وحرصت علي الاستنارة برأي الكاتب الساخر المعروف عمر طاهر الذي أرجع قراءة الأطفال والكبار لمجلة ميكي إلي أنها المجلة المتاحة للقراءة في تلك السن المبكرة، وأن الحياة اليوم مليئة بالألغاز الحقيقية، وأصبحت علاقات البشر بين بعضهم البعض مليئة بالألغاز أيضا، وعندما يدخل الشاب والفتاة في قصة رومانسية يجدان نفسيهما في مواجهة صعوبات حياتية وألغاز عليهما أن يحاولا حل عقدها. فعلا حقا ما ذكره زميلنا الصديق عمر طاهر أننا نعيش في عالم من الألغاز التي علينا أن نحاول فك طلاسمها! وتحاول سارة يوسف رصد الأقنعة التي علي المرأة المصرية ارتداؤها. والزميلات دينا صقر وندي عبدالعظيم ورضوي سلطان اخترن الكتابة عن رجال عام 1973 ورجال عام 2011. واختار الزميلات الكابتن محمد عبدالعظيم من أبطال نصر أكتوبر، وأيضا الطالب مصطفي محمد من أبطال 25 يناير 2011. - فعلا الاثنان يمثلان قصة بطولة بدأت بناس عاديين تواجدوا في ظروف غير عادية. لم يكن أحد يتوقع قيام حرب بين مصر وإسرائيل في أكتوبر 1973 تماما كما أن الشباب الذي خرج للاحتجاج صباح يوم 25 يناير عام 2011 لم يكن يتوقع أن تقوم ثورة شعبية تطيح برأس النظام الذي ظل جاثما علي أنفاس المصريين ثلاثين عاما! والفرق الوحيد في الخروج إلي حرب 1973 والخروج يوم 25 يناير أن الأولي كانت حربا ضد العدو الإسرائيلي الذي احتل أرض مصر، أما الثانية فقد كانت احتجاجا علي ظلم النظام المصري للشعب المصري ودفاعا عن كرامة المصريين وحقهم في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. أما الزميلة آية يوسف فهي تبحر في رحلة ذاتية مليئة بالتساؤلات، وتسأل ما معني أي شيء نفعله في الحياة، مامعني النجاح أو الشهرة إذا كانت النهاية معروفة كلنا سوف ندفن في حفرة مظلمة وتأكلنا الديدان ونختفي! آية يوسف زميلة متسائلة، وهذا شيء جميل جدا فبداية المعرفة بالحياة والله هي طرح التساؤلات هكذا كان يقول زميلي وصديقي الذي أحبه الدكتور مصطفي محمود. وتطرح الزميلة سماء هاني سؤالها ما هو التحول الذي طرأ علي المرأة المصرية من شخصية سي السيد التي كتبها الروائي نجيب محفوظ في ثلاثيته الرائعة وبين المرأة أو الزوجة أو الأم المسيطرة التي نعرفها اليوم في بعض الأسر. إنه بحث جميل حول مساواة المرأة بالرجل ودعوة إلي تحرر المرأة حتي تكون لديها نفس الفرص المتاحة للرجل. والزميلتان دينا صقر وهدير سامي تنقلان للقارئ عالم المترو الذي يسير في باطن الأرض وتدعوان القارئ إلي تجربة ركوب المترو فهي تجربة غنية ومثيرة ومليئة بالعجائب. الزميل محمد إبراهيم اشترك مع الزميلة سماء هاني في موضوع حول التعصب. وتساءل محمد إبراهيم وسماء هاني: هل التعصب صفة من صفات الشخصية المصرية، أم أنه شيء غريزي في داخل كل منا؟ وتساءلا أيضا عن العلاقة بين التعصب والدين، هل التعصب مرتبط بالدين فقط أم أن هناك تعصبا أيضا يرتبط بالكرة، أو الأحزاب وهكذا.. والمصريون أقل البشر تعصبا في العالم ويفضلون التعايش السلمي. سلمي مكاوي تحدثت عن كتاب يقدم تاريخ مصر خلال قرنين في صور. ونورا أبو العيون تقدم كتاب د. رفعت يونان حول محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة؟! وتؤكد ندي عبدالعظيم وسارة مينا في حوار مع الدكتور سهير زكي أن الاستقرار السياسي مقدمة لاقتصاد قوي. أما الزميلات ندي خالد وسلمي مكاوي ويسرا محمد فيكشفن عن حقيقة هامة في حياتنا وهي أننا نكسب جنيهات قليلة ولكننا نتبرع بالبلايين!! والصفحات من 43 وحتي 71 حفلت بالموضوعات الشيقة حول ثورة 25 يناير وكان الملف بعنوان اليوم التالي ليوم ثورة 25 يناير وشملت الصفحات الإجابة عن التساؤلات المطروحة في المجتمع والأحداث التي تلت يوم 25 يناير. وحرص الذين أصدروا مجلة بهية علي الكتابة عن دكتور مصطفي محمود ووصفوه بأنه صاحب عقل جميل. أما صلاح جاهين فقد وصفوه بأنه فيلسوف مصر. وأفرد محررو مجلة بهية صفحتين في نهاية المجلة ليكتب كل منهم عن تجربته التي عاشها خلال إصدار وإنتاج مجلة بهية. وقد لاحظت في الكلمة التي كتبها محمد إبراهيم أنه لم يفلت من أيدي زميلاته الخمس عشرة، فقد استطاعت أحداهن وهي سماء هاني أن تجعله يذهب إلي أسرتها ويخطبها وأتمني لمحمد وسماء حياة ناجحة ومثمرة. حاولت في السطور السابقة أن أنقل للقارئ بعضا من الأفكار الرائعة التي حفلت بها مجلة بهية، وأتمني لو أن جهة ما من المؤسسات الصحفية أو المستثمرين العرب يتبني فكرة إصدار مجلة بهية إنني أرشح هذه الفكرة للزميل العزيز الأستاذ محمد جمال الدين رئيس مجلس إدارة روز اليوسف في تبني فكرة إصدار مجلة بهية عن مؤسسة روز اليوسف لأنني واثق لو كانت السيدة فاطمة اليوسف علي قيد الحياة لتبنت إصدار بهية فقد كانت تحب الفتاة المصرية وتتمني أن تراها متمتعة بكل حقوقها لخدمة المجتمع. ولا يفوتني أن أذكر هنا الحوار الرائع في المناقشة الذي قدمه الدكتور محمود خليل الذي كانت له ملاحظات علمية علي المجلة شكلا ومضمونا، ولقد استفدت كثيرا من تعليقاته وملاحظاته الذكية والعميقة والمفيدة التي أرجو للزميلات اللاتي قمن بإصدار مجلة بهية أخذها في الاعتبار عند خوض التجربة الصحفية في الحياة العملية. كما أن الدكتور أشرف صالح رئيس قسم الصحافة كانت له ملاحظات ذكية علي مجلة بهية ولكنه ذكرها بأحساس الأب الحنون علي أبنائه. والدكتورة ابتسام الجندي كانت فخورة بطالباتها ومحمد إبراهيم الذين قدموا مشروعا صحفيا يصلح لأن يكون مجالا جديداً للعمل الصحفي الدقيق الذي يعكس ما يجري في المجتمع ويناقش مشاكل المجتمع ويحاول الإجابة عما يدور في أذهان القراء من تساؤلات، فالصحافة مرآة للمجتمع، وقد كانت مجلة بهية مرآة حقيقية للمجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير. وحضرت أيضا مناقشات أخري لمشروعات العلاقات العامة والإعلان وقد فاز بالمركز الأول كل من الفيلم الوثائقي حجرة جهنم، وقد شكر فيه الذين قدموه وزير الداخلية السابق حبيب العادلي لأنه أوحي إليهم بفكرة الفيلم الوثائقي عن حجرة جهنم. وفيلم آخر بعنوان اسم علي مسمي فاز بالمركز الأول. وفازت مجلة بهية بالمركز الأول أيضا. وشهدت فيلما بعنوان ديكور وهو إعلان شركة أثاث مصرية. ويعجبني في أسلوب المناقشة أن الطلبة يتناوبون في تقديم محاور مشروعهم ثم تعطي الكلمة لمن يريد التعليق من أولياء أمور الطلبة أو ضيوف الكلية من الإعلاميين وأستاتذة الجامعة. ولقد حرصت صباح الخير علي حضور مناقشة مشروعات التخرج فقد حضر رئيس التحرير محمد هيبة مناقشة بعض المشروعات وحضر كاتب هذه السطور البعض الآخر. وصباح الخير ترحب بزملاء المستقبل وتقول لكل منهم إن الصحافة والعلاقات العامة والإعلان سواء كانت بالعربي أو الإنجليزي أو الفرنسي لا توجد فيها واسطة، وأنك يجب أن تكون واسطة نفسك بما تقدم من أفكار وموضوعات وإبداعات أطرقوا أبواب العمل بقوة ولا تيأسوا عندما يقال لكم لا توجد وظائف.. استمروا في طرق الباب وبإذن الله سيفتح الباب أمامكم.