كنت أنوي استكمال ما بدأته الأسبوع الماضي حول حوار «الأستاذ هيكل» وما ذكره عن أداء سلاح الجو المصري في حرب أكتوبر وخاصة أن ما يخرج عن الأستاذ هيكل له وقع السحر عند العامة قبولا وتصديقا من أول لحظة بغض النظر عن الدقة والتدقيق والمعلومات الموثقة والموضوع هنا يتعلق بأداء قتالي للقوات المسلحة مما يستوجب التدقيق والتفسير من جهات عدة وفي مقدمتها «الأستاذ» نفسه. ولكن مطالبات شباب 25 يناير يوم الجمعة الأخير وضعت الجميع أمام مسئوليات حقيقية كلها تتعلق بمستقبل مصر في المدي المنظور والمتوسط والبعيد بشكل لا يمكن إغفاله ولا الالتفاف عليه وهو ينتفض في وجه جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي التي ظلت ومن اللحظة الأولي تصر علي إنها صانعة الفعل الثوري ومحركته وسبب الحشد والتنظيم ومن ثم تنتظر الفوز بالجائزة الكبري في الانتخابات البرلمانية وصياغة الدستور، وفي هذا السياق لن تضار الملاحظات علي حوار الأستاذ هيكل من الانتظار بعض الوقت وخاصة أن الحوار مسجل ومنشور وموثق. حسنا..... نجح شباب 25 يناير في حشد عشرات الآلاف في ميدان التحرير في تظاهرة تحمل مطالبات وخرج الآلاف في بضع محافظات يساندون مطالبات التظاهرة الأم، وسط إعلان غياب جماعات الإسلام السياسي التي كانت تتوقع الفشل لدعوة التظاهر، ولجأت جماعة الإخوان المسلمين إلي «تكتيك» تنظيم تظاهرات مناوئة في الحسين وأمام المنصة وبضع مناطق في الإسكندرية لعلها تنتقص من حجم ودلالات التظاهرة الأم في ميدان التحرير. فما كان إلا أن أسقط شباب 25 يناير الرسالة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي تصر علي الادعاء بأنها القوة الحقيقية والفصيل الرئيسي في الفعل الثوري بما يفرض إعادة حسابات توازن القوي السياسية علي أساس نتائج تظاهرة الجمعة الماضية، وخاصة أن المطالبات المعلنة في هذا اليوم قد استندت إلي مخاوف رئيسية علي شكل ومضمون الحياة السياسية في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد خاصة إذا كانت أهدافها ترتكز علي التوصل إلي تحقيق مدنية الدولة في إطار حياة ديمقراطية حقيقية. وإذا كنت لا أستطيع التحدث عن مطالبات الدستور أولا أو الرئاسية أولا لما تحمله من شبهة تقاطع مع قواعد الديمقراطية والتي تستوجب النزول عند رغبة الأغلبية التي قالت كلمتها في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بغض النظر عن الموضوعية والأسباب المبررة لمن عارض التعديلات الدستورية، وكلنا نعلم الأجواء التي صاحبت إجراء الاستفتاء وما استشعرته جماعة الإخوان المسلمين من مناخ مواتٍ يحقق لها الفرصة التاريخية في الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية، فخرجت تستخدم الخطاب الديني في منابر الجوامع والزوايا وانتشرت بين الناس بمفردات الحلال والحرام في استخدام صريح للدين في السياسة وهي تتستر وراء الدعوة إلي الاستقرار ودفع عجلة الإنتاج والاقتصاد والتخويف علي الأرزاق مما دفع إلي هذه النتيجة للاستفتاء. إلا أن بقية المطالبات لا يمكن إغفالها أو الالتفاف عليها، وخاصة أنها لم تمس شرعية إدارة المرحلة الانتقالية من قريب أو بعيد، فإن كنا لا نملك سوي النزول علي رغبة الأغلبية إحقاقا لقواعد الديمقراطية، فإن المطالبة بتأجيل موعد الانتخابات البرلمانية تجد وجاهتها وموضوعيتها كفرصة إتاحة للتيارات السياسية والأحزاب القديمة والجديدة لتواجد أكبر وأفضل بين الأصوات الانتخابية وبما سيحدث أثره في صناديق الانتخابات، ومن ثم تمثيل أفضل في البرلمان بغرفتيه الشوري والشعب، وفي هذا السياق سيقع كل العبء علي القوي الوطنية الليبرالية. فيوم الجمعة الماضي لم يكن كأي يوم جمعة شهد تظاهرا أو اعتصاما، لا في الشكل حين غابت جماعة الإخوان واعترضت ولا في المضمون، فحتي «الأستاذ» هيكل يمكنه الانتظار.