سبحان مغير الأحوال، سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء. أتمني أن تكون العبرة والموعظة هي القيمة التي ننشغل بها خلال متابعة مشاهد التحقيق مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك ورجاله من المتهمين في النظام السابق، وألا يستمر الاكتفاء بحالة الشماتة والرغبة المتواصلة في التفتيش عن الفضائح وحكايات النميمة التي تزكيها العديد من الصحف والبرامج التليفزيونية التي مازال الكثير منها يتعامل بالطريقة نفسها السابقة علي الثورة التي تهتم بالتوزيع عن طريق أساليب ديماجوجية. هذه الأمنية لا تنطلق فقط من موقف أخلاقي، لكنها تهدف في الوقت ذاته إلي أمرين: الأول هو أن الجو الذي تزداد فيه بشائر العدل يجب أن يفتح شهيتنا كي ننظر إلي الأمام، إلي الإنتاج والعمل من أجل التحرك باتجاه المستقبل. أما الأمر الثاني فهو الحرص علي أن تكون متابعتنا للتحقيقات مع المتهمين بالفساد هي متابعة تنطلق من رفض حالة الاستبداد بدلا من الانشغال بتوجيه الرفض للشخص المستبد، فكما قال «عبدالرحمن الكواكبي» في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» إن الشعب لا يجب أن ينقم علي المستبد طلبا للانتقام من شخصه، وإنما طلبا للخلاص من الاستبداد، حتي لا يجد الناس أنفسهم يستبدلون مرضا بمرض آخر. فهل مشاهد تقديم الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته ورجاله إلي العدالة أيقظت في ضمير من يسعي اليوم للترشح للرئاسة فكرة أن لكل ظالم نهاية، وأن الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، وأن العدل أساس الملك، وأن الحق أحق أن يُتبع،أم أن المستعدين للترشح للرئاسة غارقون مثل الكثير من المصريين في الشماتة وتتبع تفاصيل مشاهد التحفظ علي الأبناء، وحكايات ما ورد في التحقيقات مع ما يترتب عليه هذا الانشغال من الدخول في نفق يوصل إلي الانشغال بالشخص بدلا من الانشغال بالعبرة وبدلا من الحرص علي عدم تكرار أخطاء من سبقونا. والعبرة ليست مفيدة لرئيس الجمهورية القادم فقط، وإنما من المهم أن يعتبر كل مسئول مع اختلاف درجات المسئولية، ففي الحديث الشريف أن كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، بالتالي فإن علي كل مسئول في كل موقع أن يؤدي ما عليه من واجبات وأن يبتعد عن مصادر الفساد والإفساد، وأن يتذكر أن لا أحد فوق المساءلة، فإذا كان العديد من الفاسدين ما زالوا رابضين في مواقعهم القيادية علي قمة العديد من الشركات والمؤسسات في مختلف المناطق بمصر، فإن كل مصري يعاني من هؤلاء الفاسدين سيشعر بثمار الثورة بشكل مباشر حين يري محاسبة هؤلاء الذين تضطره الظروف للاحتكاك بهم، وهي محاسبة لابد من الإسراع في إنجازها لإبعاد بقايا الفاسدين المفسدين عن مواقعهم القيادية سواء في الجامعات أو المؤسسات أو المحليات، أو غيرها من المواقع التي مازالوا متناثرين فيها. وإلي أن يتم هذا التطهير فعلي هؤلاء الفاسدين الذين ما زالوا متشبثين بكراسيهم أن يتعظوا مما جري مع أكبر رأس في الدولة ومع أكبر الأغنياء جاها وثراء، وأن يتذكروا أن الله حين يأخذ الظالم فإنه يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.