الفن رسالة تتخطى اللغة وترتقى بمعناها ومفهومها من محدودية المحلية إلى رحاب العالمية، إذ يفهمها الجميع على اختلاف لغاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية. والكاريكاتير فن ضارب بجذوره فى القِدم، وظف بشكل كبير لزيادة الوعى وللحشد الشعبوى، وهو رصد دقيق لحالة الشعوب ومناقشة قضاياها المصيرية، فالرسمة أحيانًا تفوق فى قوتها ألف رصاصة ودانة مدفع، وأحيانًا تكون بمثابة صاروخ عابر للحدود والمكان والزمان. لعل أبرز مثل على ذلك الرسوم الكاريكاتيرية التى نشرت إبان حرب أكتوبر لتآزر وتساند الجيش المصرى، وتعكس مدى تفانى الفنان المقاتل وتكريس ريشته للقتال جنبًا إلى جنب مع المقاتل على الجبهة، وكيف عبر الكاريكاتيريست عن قوة وبسالة الجندى المصرى وتصوير التجهيز للحرب وكيفية إدارتها بشكل محترف وعظيم. وكذلك رصد الكاريكاتير فى تلك الفترة مساندة الشعب لجيشه، فهكذا يكون الحال دائمًا شعب وجيش كل لا يتجزأ فى جميع الأحوال والمواقف، حيث الجميع صف واحد يتناسى الجميع مشاكلهم الفرعية ويهبون لإنقاذ الوطن، ومن الواضح أن هذه الحالة تنطبق حاليًا على مساندة الشعب لجيشه فى محاربته للإرهاب وقوى الظلام والشر، سواء كانت جماعات أو دولاً. من الفنانين الذين برعوا فى نقل هذه المشاهد وكان الواحد منهم بمثابة جندى ومقاتل يحارب بالريشة: أحمد طوغان، وأحمد حجازى، وإسماعيل دياب، وجمعة فرحات، وجواد حجازى، وجورج البهجورى، وحسن حاكم، ورؤوف عياد، وصلاح الليثى، وصلاح جاهين، عبدالحليم البرجينى عثمان، ماهر داود، ومحسن جابر، ومصطفى حسين، ونبيل السلمى، وتاج.. وغيرهم كثير من الفنانين الذين عاصروا الحرب. ويصور الفنان المصرى حالة الجندى على الجبهة، ثم عبور خط بارليف ودحض كل الأكاذيب للإعلام الصهيونى والغربى والسخرية منه ومن قوته المزعومة التى كانت تروج لإسرائيل وقوتها الجبارة التى لا تقهر. عبر إظهار رعبهم وهزيمتهم الكبيرة أمام الجيش المصرى. وتمكّن الرسامون المصريون بريشتهم وألوانهم من رصد الحالة النفسية للشعب فى المدن والقرى والنجوع وتفاعلهم مع الأحداث بروح وطنية خالصة، لدرجة أنه لم تسجل فى هذه الأثناء سرقة واحدة أو مشاجرة. تلك الأعمال النابضة بالصدق والحياة، ناقشت وأظهرت تضحيات كبيرة وبطولات عظيمة من الجنود فى المعركة بطولات أسطورية لا يحققها إلا الجندى الذى يغار على أرضه وعرضه، تمامًا مثلما فعل المواطن على الجبهة الداخلية لتكتمل الصورة.