لم يكن مقتل چورچ فلويد - منذ أيام - هو الحادثة الأولى ضد مواطن أمريكى أفريقى.. فى السنوات الأخيرة بالولايات المتحدة، ورغم امتلاء الشوارع الغاضبة بشعار حياة السود مهمة Black lives Matter، لكنها فعليًا ولدت أثناء فترة رئاسة أوباما لأمريكا! مثلما تكرر ظهورها مع حادثة فيرجسون - نيويورك الشهيرة، التى تسببت فى مقتل إريك جارنر قبلما يطلق صيحة لا أستطيع التنفس I can't breathe التى كررها فلويد قبل مقتله.
وعادة ما كان يتبع هذه الوقائع أحداث عنف على مدار السنوات المتعاقبة.. كانت تثير الغضب والمسيرات الاحتجاجية الحاشدة! فما الذى حدث فى المجتمع الأمريكى، هذه المرة؟ والملاحظ.. أننا لم نشهد مثل هذا الدمار والتخريب والانتقام الذى صاحب الغضب الحالى فيما لا يقل عن 140 مدينة أمريكية نتيجة مقتل فلويد فى مينيابپوليس!
ما يجعلنا نتساءل: هل تعمد چورچ فلويد استجلاب نفس مقولة إريك جارنر: «لا أستطيع التنفس I can't breathe» ليثير الغضب العارم الذى تشهده أمريكا حاليًا؟ لمواجهة العنصرية ضد السود! وهل كان مقتل فلويد هو الشرارة التى كشفت عن وجود خطة مدبرة لإشاعة الفوضى؟ ومن الذى دبرها؟ وما علاقتها بالانتخابات القادمة؟ وما علاقة أوباما بالأمر؟ وبيل جيتس، وچورچ سورس؟ وهل هذه بداية انهيار أمريكا؟ أو بداية النظام العالمى الجديد؟ كما يردد البعض!
وضعتُ اسئلتى أمام دكتور سعيد صادق - أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية - فقال: منذ نشأتها، وأمريكا تعانى فى التعامل مع بعض القطاعات! منذ أبادت الهنود الحمر، وأدخلت بعض الأفريقان للعمل بأرضها كعبيد فى الجنوب؛ مما تسبب فى الحرب الأهلية وقتل 600 - 700 ألف شخص! فهو تاريخ ملىء بالمشاكل فى هذه الناحية!
أما إذا رجعنا لتاريخ نشأة الشرطة الأمريكية ببدايات القرن الثامن عشر، فسنجد أنه بالإضافة لمهامها العادية، لكنها اختصت بالقبض على العبيد السود الهاربين من أصحاب الأراضى التى يعملون بها! وبالتالى كان رجال الشرطة معنيين بتعذيبهم وقتلهم و..و.! حتى فكروا فى تخفيف حدة هذه المشكلة عام 1911 وسمحوا لأول ضابط أسود بالانضمام لصفوفهم! ومع ذلك، لم تتغير الثقافة نحو السود، وظل الاعتقاد مستمرًا بأنهم فئة خطيرة على المجتمع، رغم تفاهة جرائمهم - بالنسبة لأوضاعهم - مثل سرقة ساندويتش أوعلبة سجائر.
أو لمجرد اختلاف لونهم، مثل القصة الشهيرة التى حدثت مؤخرًا، عندما هددت امرأة بيضاء رجلا أسودا بطلب الشرطة له.. بتهمة الاعتداء عليها؛ لمجرد أنه نصحها بوضع الرباط Leash حول رقبة كلبها فى سنترال پارك، لأن السير بدونه ممنوع! فهددته بالشرطة، حيث لايزال البعض معتقدًا أن الپوليس يرعى شئون البيض فقط! ولولا أن الرجل كان يصور الموقف.. لنجح تهديدها!
وهكذا قصة چورچ فلويد أيضًا، حينما دفع 20 $ لشراء علبة سجائر من محل، فشك أصحابه فى زيفها واتصلوا بالشرطة التى تدخلت فورًا، وكان منهم رجال لهم تاريخ طويل فى العنف، وحدث الموقف! ولأنها ليست أول جريمة عنصرية ضد السود، فانتفض الشارع الأمريكى - وبعض دول العالم- تنديدًا بالاستهانة بحياة السود الذين يمثلون 13.4.% من السكان! كانوا ممنوعين لعام 1968من الدخول لبعض الأحياء والمطاعم، والمدارس..إلخ! إلى أن حدث التغيير الإيجابى.. وأجبر المجتمع على التغيير!
كلنا عنصريون
سألتُ د. سعيد: كيف يحدث هذا فى أمريكا راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ فقال: «خلينا واقعيين»! العنصرية لم تنته يومًا! فكل مجتمعات العالم قِبّلية! حتى نحن كمصريين - مثلا- نرفض اضطهاد السود فى أمريكا، ونلوم الشرطة الأمريكية، وندين ترامپ، ولكننا لا نتكلم كثيرًا عن مشاكل السود الأفارقة فى مصر، ولا مشاكل المرأة والأقباط! وفى المجتمعات الخليجية، نرى شعوبًا تذل شعوبًا بالمساعدات التى يقدمونها لهم. وفى الغرب، بعض الشعوب تشعر بالتفوق العرقى على الأجناس الأخرى.. كما فعل هتلر، وغيره.
الفرق، يستطرد د. سعيد: إن بعض المجتمعات تواجه هذه القضايا، وبعضها يصمت! والحقيقة أن الأمريكان اهتموا بحل تلك المشكلة منذ عام 1961 وابتكروا مجموعة سياسات تعرف باسم العمل الإيجابى Affirmative action بهدف تقديم الدعم والتعويض للجماعات التى عانت من التمييز والحرمان من حقوقها الطبيعية! وبموجب ذلك، صار إلزامًا على أية مؤسسة لديها 100 موظف أن يكون بينهم الملونون، وجميع الأجناس والجنسيات الأخرى!
وأين سياسة العمل الإيجابى إذن من السود بمدينة مينياپوليس بولاية مينيسوتا؟ رغم أنها ثانى أكبر ولاية شمالية بالغرب الأوسط بالبلاد، وتتمتع بتنوع اقتصادى وثروات طبيعية كثيرة! سألتُ د. سعيد، فأوضح: مينياپوليس بلد فى منتهى الجمال، وصُنِفت بأنها المنطقة السادسة عشرة من المدن الحضارية Metropolitan بالولايات المتحدة! وتتميز بارتفاع مستوى معيشى جيد، وتعتبر أكثر مدن ولاية مينيسوتا كثافة سكانية، حيث يشكل السود 6.1 % من 3.63 مليون شخص يعيشون بمينياپوليس وتوأمتها مدينة سان پول العاصمة.
ولكنها مدينة التناقضات، يقول د. سعيد: فرغم فرص العمل، لكنها تعانى نسبة بطالة مرتفعة، وخاصة بين السود الذين لايزالون يواجهون عدم استقرار وظيفى، وفرص عمل وأجور أقل، وإعانات أضعف! وبشكل عام، يستطرد: لا تتعرض جميع الأقليات لاضطهاد فى أمريكا، ولكن المهاجرين السود ليسوا مثل باقى الأقليات! ولاتزال الثقافة السائدة أن الرجل الأسود إما قاتل أو مغتصب! فى ظل وجود نسبة كبيرة منهم فى السجون! واشتهارهم بأنهم مسلحون، وهذا هو سبب تخوف الناس منهم؛ فإذا دخل شخص فى جدل أو شجار مع رجل أسود غالبًا ما يكون مستعدًا للقتل! وبالتالى، تقل فرصهم فى العمل! بالمقارنة مع المهاجرين المصريين والجالية اليهودية، ومعظمهم ناجحون جدًا، ويعتلون المناصب المهمة!
وما تقييمك لرد فعل ترامپ فى هذه الأزمة؟ أجاب: ترامپ معروف بأنه يمينى محافظ منحاز لحزبه، ولكنه لم يتعامل بطريقة دبلوماسية، وهدد بنزول الجيش، مرددًا بعض الكلمات العنصرية، كالجملة التى استخدمت بميامى عام 1967 ضد المجرمين، وتقول: حينما يوجد النهب يتوجب إطلاق النار When the looting starts, the shooting starts، مرسخًا أن النهب لا يأتى إلا من السود فقط! ولكنه استوعب ذلك الخطأ، وبرر استخدام تلك الجملة بأنه لم يقلها كبيان تحريضى، ولكنه كان يقصد وصف الحادث الذى وقع بعد إطلاق النيران فى لويزڤيل على 7 أشخاص!
ربما كان إحساس السود الأمريكان بالاضطهاد هو العامل الذى يستغله البعض لاستقطابهم من قبل بعض جماعات الضغط السياسية أوالدينية كالإخوان وغيرهم.. لنشر أفكارهم وتعظيم وجودهم بتلك البلاد! ممن اتفقوا على إسقاط الرئيس لأنه يقف ضد مصالحهم ويثير المشاكل حولهم! دكتور سعيد: غالبًا ما تؤيد الأقليات الدينية أو العرقية الحزب الديمقراطى! ورغم الفرق بين الإسلام الأمريكى والإسلام السياسى الأمريكى! إلا أن وجود الكثيرين من السود بالسجون، يجعلهم يلتقون مع بعض المسجونين المسلمين المتطرفين.. الذين يقنعون السود بأنهم يمتلكون الحل لمشكلة العنصرية، فيتبعونهم هم واليساريين الأمريكان، الذين أسسوا جميعًا منظمة اسمها كير CAIR الخاصة بالتجمع الإسلامى فى شمال أمريكا وأغلبهم إخوان أو متعاطفون معهم!
وما تفسيركم لحجم الانتقادات غير المسبوقة التى توجه للرئيس الأمريكى من بعض السياسيين؟ مثل ڇو بايدن المرشح الرئاسى الديمقراطى، وكولين پاول، حتى ڇيمس ماتيس وزير دفاعه السابق! رغم الإنجازات التى حققها ترامپ لبلاده، فى إطار وعوده الانتخابية! أجاب دكتور سعيد: نعم، لأن هناك من أضيروا من سياساته المغايرة لسياساتهم ومصالحهم، مثل بعض الشركات الدولية من أتباع القوى الليبرالية الجديدة، والقوى الداخلية المؤثرة مثل بيل جيتس وچورچ سورس اللذين يمولان المظاهرات الحالية، وتعهدا بدفع الكفالة لأى متظاهر يحبس! وهو ما قاله ڇو بايدن أيضًا الذى نزل الشارع تأييدًا لاشتعال المظاهرات! بينما لا يبدو موقف ڇيمس ماتيس غريبًا حينما نعرف أن ترامپ انتقد عمل الوزراء لصالح دول أخرى بعد خروجهم من الوظيفة، وهو ما لم يعجب ماتيس! بالإضافة لوقوف بعض القوى الدينية الأجنيبة التى أشرنا إليها كالإخوان وغيرهم.. ضد الرئيس!
قلتُ للدكتور سعيد: يعتقد البعض فى وجود مخطط لإثارة الاضطرابات والفوضى بأمريكا.. كان ينتظر الشرارة المناسبة التى أوقدتها وفاة چورچ فلويد، والتى استغلها أوباما بالتحديد لإسقاط ترامپ، وخطط لأن تصبح وفاة فلويد هى لحظة التغيير الحقيقى عبر الاحتجاجات - كما ذكر أحد معاونيه! السؤال هو: كيف لرئيس سابق أن يخطط ضد بلاده ويراها تحترق هكذا لمجرد مصالح سياسية والرغبة فى فوز حزبه السياسى؟ ومن يحاسبه؟ وعلق د. سعيد، قائلاً: مبدئيًا، الذى كَسَرْ أمريكا حقا.. هو أوباما! وفى عصره حدثت جرائم رهيبة؛ وخرجت حركة Black Lives Matter عام 2013! وكانت الشرارة عام 2014 بسبب قيام الپوليس بضرب بعض السود المسالمين بفيرجسون، حتى قتلوا رجلاً منهم، متجاهلين صياحه بأنه مش قادر يتنفس I can't breathe التى كررها فلويد!
المشكلة - يستطرد: إن أوباما لايزال يخطط، بل إنه لم يترك واشنطن بعد خروجه من البيت الأبيض! ونجح فى تحويل دفة الحزب الديمقراطى لليسار المتطرف، من خلال استقطاب الأقليات المتعددة بالبلاد وهى التى اعتمد عليها فى نجاحه بالانتخابات، ولو على حساب مصالح وقيم الشعب الأمريكى الذى يميل للتحفظ! فرأيناه يناصر المثليين والإلحاديين وبعض الجماعات الدينية مثل الإخوان المسلمين! وبفضل سيطرة الليبرالية الجديدة على الإعلام ورءوس الأموال.. لا يوجد من يستطيع محاكمته هو أو غيره من الكبار!