اعتقادى الراسخ- أن أمريكا القوة العظمى الأوحد ستخرج منتصرة فى معركة الكورونا، وسوف تقود الدول التى تدور فى فلكها إلى مزيد من التعاون، وستخرج الصين بحكم الجغرافيا، وبحسابات التاريخ من هذه الدائرة اقتصادًا وتجارةً واستثمارًا.. أمريكا هى التى أطلقت النموذج الاقتصادى الصينى الجديد الذى نعرفه الآن، منذ أن زار الرئيس الأمريكى نيكسون الصين فى فبراير 1972، وكسر حاجزها الشيوعى، وأدخلها فى دائرة الاقتصاد والتجارة الدولية. ومنذ تلك الزيارة أصبح الاستثمار فى الصين أمريكيًا غربيًا، فقد وجدوها دولة تستطيع صناعة احتياجات العالم بأسعار زهيدة، ويمكنها أن تخلق مناخًا مربحًا لاستثماراتهم، ومؤهلة لتَحُد من نمو الاقتصاد اليابانى الذى كان يهدد وقتها عروش اقتصاديات الغرب. لذلك تقابلت المصالح الأمريكيةوالصينية، ورسخت التفضيلات الأمريكية لنشوء عملية إنتاجية ضخمة بالصين، مصحوبة باستثمارات دولية هائلة هناك. إلا أنه وبحكم الأيديولوجية التاريخية السائدة فى الصين، فقد أقامت اقتصادها الجديد على آليات الادخار لا الاستهلاك، فكان من الطبيعى ألا تنشط فيها إلا الصناعات والخدمات التى تأتى من خلال استثمارات تجىء من خارج حدودها، وأن يوجه الإنتاج إلى خارج حدودها أيضًا. إذًا فهو اقتصاد صُمم على أن الطلب لا ينبع من أسواقه الداخلية، بل يأتى بالأساس من الأسواق الخارجية، فى حين أن هذا الطلب الداخلى الغائب، مسألة تعتبر ضرورية لضمان استدامة النمو الاقتصادى لبلد يربو تعداد سكانه على مليار وأربعمائة مليون نسمة، خاصة حال أصاب الطلب الخارجى انخفاض مثلما يحدث الآن فى ظل أزمة الكورونا. إنه تعداد مخيف، إنما تعداد لا يتمتع بالقوة الشرائية اللازمة لاستدامة التطور والنمو، عكس الاقتصاد الأمريكى الذى يقوم على توازن بين طلب داخلى ضخم وطلب خارجى ضخم ايضًا. لذلك سيبقى اقتصاد أمريكا قويا نشطا، وستظل أسواقها وإنتاجها ينمو فى أغلب الوقت بلا توقف. وقد اشترت الصين ما قيمته 1،10 تريليون دولار أدوات دين أمريكية، أى أنها ادخرت عوائد اقتصادها مقابل أرباح بسيطة تتلقاها من الأمريكيين، فى حين أنها تمول إقراضًا رخيصًا للمواطن الأمريكى، يُتيح له الصرف والشراء بقوة، بما يؤدى إلى رواج أسواق بلاده واقتصادها وإنتاجها. أما أن الصين تتمتع بمعدلات نمو فائقة فى ناتجها المحلى الإجمالى، فمسألة تحتاج إلى تحليل دقيق، لأن التعداد السكانى الكبير لهذا البلد يُساهم تلقائيًا فى زيادة ناتجها المحلى - لا شك فى ذلك - إنما من ناحية أخرى يستنزف موارد بلاده، ويهدد قدرة اقتصادها على النمو المستدام. والصين تستخدم عملتين وطنيتين بقيمتين مختلفتين، واحدة منهما للاستخدام المحلى، والثانية للتعاملات الدولية !!؟ فإذا عرفنا أن الناتج الاسمى المحلى الإجمالى الذى يأخذ عند حسابه المستوى المعيشى للمواطن فى الحسبان، يبلغ مؤخرًا فى أمريكا قيمة قدرها 21،44 تريليون دولار أمريكى، فى حين أن نظيره الصينى قيمته 14،14 تريليون دولار أمريكى،أى حوالى ثلثى الناتج الأمريكى رغم الفارق الضخم فى تعداد السكان الذى يصب فى صالح الصين، حيث يبلغ عدد سكان أمريكا حوالى 23% من تعداد الصين !! وأن هناك نوعا آخر من الناتج المحلى، يقوم على القوة الشرائية للعملة المحلية، يبلغ فى أمريكا 21،44 تريليون دولار، ويبلغ فى الصين 27،31 تريليون دولار. وإذا علمنا أن القوة الشرائية المقارنة (المكافئة) للعملات تُحتسب بناء على قدرتها فى شراء السلع والخدمات داخل الاقتصاد المحلى، فإننا ندرك لماذا تستخدم الصين عملتين، واحدة داخليًا موجهة سياسيًا، ذات قدرة شرائية أكبر من حقيقتها - فيما يشبه الدعم - يستخدمها المواطن الصينى فى شراء السلع من السوق المحلية، فتبدو عملة بلاده ذات قوة شرائية كبيرة، والثانية عملة دولية موجهة أيضًا سياسيًا ذات سعر صرف أقل من حقيقتها أمام العملات الدولية الأخرى، بحيث تستطيع الصين أن تبيع للعالم منتجاتها بسعر رخيص نظرًا لرخص عملتها هذه، مُضيفة تنافسية غير مستحقة لسلعها. والمثلان السابقان تعبير صادق عن اقتصاد صينى يعطى مؤشرات غير حقيقية ويتلاعب باقتصاديات العالم. ذلك كله أغضب أمريكا والغرب على مدار أعوام طويلة، وزاد عليه مؤخرًا قرصنة صينية لتكنولوجية هذه البلاد. وعلى كل ما تقدم وأكثر كثيرًا بما لا يتسع المجال هنا لسرده، فإننى قد بنيت رأيى الوارد بمستهل المقال، بأن العالم سيخرج من أزمة الكورونا بأبعاد جيوسياسية مُعلنة، سيكون شاهدها الأساسى هو أن أمريكا والغرب والدول ذات العلاقات الوثيقة بهم، سيستمرون فى التعاون البينيً، وسيقفون معًا أمام الصين من الناحية الاقتصادية. ستقل واردات هذه الدول من الصين، وسوف يُضَيقون عليها الخناق بما لا تستطيع معه القرصنة على تكنولوجياتهم، وسيبيعون لها التكنولوجيا غالية، وستنخفض استثماراتهم فيها لصالح استثمارات توجه لأمريكا وأفريقيا، ولن تستطيع الصين منافستهم، وستقود أمريكا العالم لإبرام اتفاقات تجارة جديدة من شأنها تغليب المصالح العادلة بين العالم من ناحية والصين من ناحية أخرى. وسيصبح الاقتصاد العالمى ذا أركان جديدة أساسها الاقتصاد الرقمى، والتعليم والتدريب والعمل عن بعد، أما الذكاء الاصطناعى فسيكون اللاعب الحاكم فى اقتصاد الغد بلا منازع. إن من يمتلك المعلومات والتكنولوجيا، ويتمكن من علوم الفضاء وأدواتها هو بلا جدال الأقوى فى عالم المستقبل. لذلك ستستمر الولاياتالمتحدةالأمريكية هى القوة العظمى الأوحد بلا منازع، وستنزوى خلفها الصين فى مستوى أقل كثيرًا، تتنافس فيه مع الهند، وربما روسيا ودول أخرى. هكذا فى رأيى ستحل لعنة الكورونا وممارسات الصين الاقتصادية، على الصين ذاتها، وعلى مستقبل اقتصادها.