بث الإعلام الجماهيرى والسوشيال ميديا كماً هائلاً من وصفات الأطعمة والمُطهرات التى تقى المواطن من العدوى «بفيروس الكورونا»، مثل: تناول عشرة فصوص من الثوم والغرغرة بالماء والملح صباحاً، وتناول الوجبات المصرية الأصيلة؛ «الشلولو» الملوخية الناشفة المخلوطة بالثوم والكسبرة والليمون، والفول، والبصل، والفسيخ. وحول تنظيف الأسطح؛ فهناك الخلطة السحرية التى تتكون من مقدار متساوٍ من الكلور والكحول والخل والفنيك، ومن المرجح أن المشاهد الذى سوف يتبع هذ الوصفات سوف يُصاب بانتفاخ فى القولون وارتفاع فى ضغط الدم نتيجة زيادة كميات البصل والثوم والملح، وحساسية فى الجلد نتيجة المبالغة فى استخدام المُطهرات!. لايزال بعض الناس يعتقدون أن وباء «الكورونا» مجرد شائعة أو مؤامرة كونية، ودليلهم على ذلك أنهم لم يلمسوا شيئًا بشكل شخصى وواقعى، وبالتالى يتصرفون بشكل طبيعى جدًا وغير مبالٍ، والبعض الآخر مرعوب بشكل مبالغ فيه، إلى الدرجة التى جعلت بعض أهالى قرية شبرا البهو يتجمهرون بشكل غير إنسانى لمنع دفن الطبيبة «سونيا عبدالعظيم» التى توفيت من جراء إصابتها بفيروس «الكورونا»، لاعتقادهم الخاطئ أن أجساد المتوفين قد تنقل العدوى. وهو ما نفته بشكل قاطع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية مادامت إجراءات الدفن تتم بشكل صحيح، يعكس كل ما سبق؛ أننا أمام أعراض لمرض أساسى فى مجتمعنا اسمه «ضعف التفكير العلمى». والحقيقة فإن ضعف التفكير العلمى وسهولة انتشار الخرافات والشائعات فى مجتمعنا ليس أمرًا جديدًا أو اكتشافًا، لكنه يبدو أكثر وضوحًا فى لحظات الضعف والأزمات. وإذا كنا نستطيع أن نفهم لماذا ينساق المواطنون البسطاء وغير المتعلمين للخرافات والشائعات ولا يستطيعون التفكير بشكل علمى، فإنه من غير المفهوم لماذا تنتشر الخرافات والتفكير غير العملى عند بعض المتعلمين أيضًا، هل لأن المحتوى التعليمى لأغلب مدارسنا وجامعتنا لا يهتم بتدريب الطلاب على القواعد العلمية فى التفكير والنقد؟.. أم لأن التقاليد والعادات الجاثمة على ثقافتنا وحياتنا الاجتماعية تضع العراقيل والصعوبات أمام إعمال العقل الحر والتفكير العلمى؟ أم أن انتشار الفكر الدينى الرجعى وإحباط محاولات تجديده هو السبب؟..أم كل هذه الأسباب مجتمعة تُساند وتدعم بعضها البعض؟! التفكير العلمى يقول المفكر الكبير د. فؤاد زكريا فى كتابه المهم «التفكير العلمى»: «ليس التفكير العلمى هو حشد المعلومات العلمية، إنما هى طريقة فى النظر إلى الأمور تعتمد أساسًا على العقل والبرهان المقنع بالتجربة والدليل»، ولنأخذ من البحث فى وباء «الكورونا» مثالاً لاختبار طرق التفكير العلمى والتفكير غير العلمى. فعندما رصد عدد من مراكز الأبحاث العالمية -بشكل إحصائى- أن الدول التى لا تزال تعطى مصل الدرن لأطفالها مثل الهند ومصر، يستطيع مواطنوها مقاومة «فيروس الكورونا» أكثر من الدول التى توقفت عنه، مثل: إيطاليا وهولندا وأمريكا، بدأت فى دراسة السبب وراء ذلك، وما هى المواد التى يتكون منها المصل، والتى تزيد من مقاومة الجسم ضد الفيروس، وعليه بدأت تجريب المصل على متطوعين من البشر لإثبات فاعليته فى الوقاية من «الكورونا»، ولن يتم تعميم واستخدام هذا المصل أو غيره على جميع البشر إلا بعد استكمال كل الأبحاث والتجارب. أما الذين يتحدثون عن أكل الثوم أو البصل أو الغرغرة بالملح؛ فلا يخبروننا عن أى دليل علمى وتجريبى صدر من مراكز الأبحاث والمراكز العلمية المعترف بها، يؤكد على جدوى وفاعلية هذه المواد فى مقاومة «فيروس الكورونا»! وقد أكدت منظمة الصحة العالمية فى صفحتها الرسمية على الإنترنت أن موضوع الثوم والملح وغيرهما مجرد شائعات ولا يوجد أى إثبات علمى عليها. وتساعد بعض البرامج الإعلامية على انتشار هذه الأفكار غير العلمية، عندما تقوم باستضافة ضيوف غير متخصصين فى علوم الوبائيات والطب الوقائى فيقولون كلامًا غير دقيق وغير مختبر علميًا بثقة شديدة حول الوقاية من فيروس كورونا، رغم أن الموضوع مازال قيد البحث المعملى فى أكبر جامعات ومراكز الأبحاث حول العالم.. وكثير من الحقائق حوله لم تكتشف بعد، وبالمقارنة تعتمد قنوات الأخبار العالمية على العلماء والأطباء من المراكز العلمية المتخصصة لدعم المشاهدين: بالمعلومات العلمية الموثقة وتحليل الظواهر المختلفة، وآخر المستجدات الخاصة باكتشاف المصل والدواء. حاجتنا إلى اكتساب القدرة على التفكير العلمى المصدر الأساسى للتفكير العلمى هو التعليم، لأن اكتساب العقل للقدرات التحليلية والنقدية يحتاج إلى سنوات من التعلم والتدريب على استخدام أساليب المنهج العلمى فى التفكير والاستدلال العقلى وليس مجرد تكديس المعلومات فى الذهن، وأن يمتد هذا التفكير العلمى إلى الحياة الشخصية والاجتماعية. وعادة يسأل الناس «كيف نفكر بشكل علمى وننقد كم المعلومات والأفكار الهائلة المنتشرة فى الإعلام و«السوشيال ميديا»؟...الإجابة بالطبع ليست سهلة والبداية البسيطة هى البدء بالتفكير والبحث عن الأسباب العلمية لأية ظاهرة أو موضوع، والاعتماد على المصادر الموثقة ذات السمعة العلمية المعترف بها وطنيًا ودوليًا.