انطلقت القوى الناعمة على يد جيل الرواد من المعماريين الذين عادوا من بعثاتهم العلمية من أوروبا فى ثلاثينيات القرن الماضى، ثم تبعتهم أجيال من المعماريين الذين تتلمذوا على أيديهم، وطوَّر بعضهم فكر أساتذتهم فى فلسفة البناء واستخدام مواد بناء من البيئة المحلية. فى مقدمة هؤلاء المعماريين، حسن فتحى، معمارى القرن، كما يطلقون عليه، الذى احتفلت شركة جوجل فى 2017، بعيد ميلاده رقم 117، بشعار لفت إلى أن «فتحى»اهتم ببناء المجتمعات ومراعاة التقاليد فى المبانى التى يصممها. ويوضح المعمارى سيف أبو النجا، رئيس جمعية المعماريين المصريين، كيف استطاع فكر المعمارى حسن فتحى، أن يصمم مبانى بسيطة بمواد من الطبيعة «الطوب والحجر والطفلة» لتكون فى يد الإنسان العادى، بعيدا عن الخرسانة ذات التكلفة الاقتصادية المرتفعة، ليؤسس لمبدأ أن تسمو العمارة على الاقتصاد. استلهم مبدأ وفكر حسن فتحى، كثير من المعماريين فى العالم وليس فى مصر فقط، وصمم حسن فتحى أيضًا قرية فى المكسيك فى 1980 اسمها دار الإسلام، مستخدما الطوب اللبن، وصمم قصرا فى إسبانيا على الطراز الأندلسى ببلمادى مايوكا، كما صمم العديد من القصور والفيللات فى المملكة العربية السعودية، وصمم مسجدا بالهند مستخدما لأول مرة بلاطات خفيفة لتغطية السقف، وعمل خبيرا فى العديد من المؤسسات المعمارية الدولية التابعة للأمم المتحدة. ومن بين تلاميذ حسن فتحى المعمارى د. طارق والى، مدير مركز طارق والى للعمارة والتراث، الذى رافقه حتى وفاته، وعمل معه فى تصميم قرية سياحية بالأقصر، لكن المشروع لم ينفذ، يقول طارق «حسن فتحى هو المعمارى المصرى الأشهر عالميا فى العصر الحديث، ووصل إلى هذا عن طريق تمسكه بالهوية المصرية والتعمق فى المحلية بحس وطنى، مثل نجيب محفوظ فى الأدب». يصف طارق والى فكر «حسن فتحى» بقوله «يبنى بطريقة الأجداد متأثرا بالعمارة النوبية، وتخصص فى عمارة القرية «العمارة الشعبية»، فلم يبنْ المدينة التى تحتاج إلى البنايات العالية الحديثة مرتفعة التكاليف، فابتعد عن استخدام الخرسانة المسلحة، حتى فى المبانى التى بناها فى المدن، كالفيللات أو القصور التى بناها فى مصر، أو فى السعودية وغيرهما، واعتمد على استخدام المواد الطبيعية المستخرجة من البيئة، كالطوب اللبن، المصنوع من الطينة الخضراء، والحجر والخشب، وهى مواد تلائم البيئة ذات المناخ الحار، وهى أيضا سهلة التعلم والتدريب ومنخفضة التكلفة، وللطين ميزة أخرى، إذ يمكن إعادة استخدامها بإضافة الماء والتبن، إذا تهدم المبنى لأى سبب. من بين ميزات فتحى التى يراها طارق: «كان يشغله الارتقاء بساكن القرية المصرية، وهو جزء من تجربة فتحى المعمارية، فعلم أهالى قرية القرنة، تقنية البناء بالخامات الطبيعية، ليتمكنوا من البناء بأنفسهم فيما بعد، وأضاف لعمارة القرى التى صممها مثل «القرنة بالأقصر وغيرها» بعدا جماليا يحترم التقاليد وطبيعة الناس والمكان، إلى جانب البعد التطويرى لسلوك الناس اجتماعيا وثقافيا، فبنى بالقرنة مسرحا وجامعا وخانا «فندقا» فى أربعينيات القرن الماضى». ولشهرة فكر فتحى المعمارى، طلب منه فى أواخر السبعينيات تصميم قرية بالمكسيك، التى تشبه مصر فى مناخها وبيئتها، وسميت القرية دار الإسلام بنيو مكسيكو، وبنيت بطابع عربى وأسلوب ريفى مستخدما القباب والقبوات والخشب، واصطحب معه من مصر مجموعة من البنائين والأسطوات المتخصصين فى هذا النوع من البناء ليعلموها للبنائين المكسيكيين. «ناعوم شبيب صاحب الأقواس» معمارى ومصمم مصرى، نال شهرة عالمية بعد تصميمه لبرج القاهرة، الذى يعد أول برج فى العالم يبنى بالخرسانة المسلحة، فالمعروف أن الأبراج تشيد من المعدن «الحديد»، تم تدريس أسلوبه وفكره المعمارى فى أمريكاوكندا، فقد ألف كتبا لدارسى الهندسة المعمارية عن التصميمات التنفيذية للمبانى العالية، واقترن اسم شبيب فى العمارة العالمية بأنه صاحب براءة اختراع فى استخدام قباب رقيقة من الخرسانة فى تغطية الأسقف، كالتى كانت فى مسرح وسينما على بابا فى وسط القاهرة، وعرفت طريقته هذه عالميا ب«أقواس شبيب». كان شبيب المولود فى القاهرة 1915، قد هاجر إلى كندا فى سبعينيات القرن الماضى، وعمل هناك استشاريا هندسيا وبقى هناك حتى وفاته فى 1985. شبيب معروف بتصميمه أيضا لأول عمارة عالية فى القاهرة، وهى عمارة أو برج «بلمونت» بجاردن سيتى، والاسم نسبة إلى إعلان سجائر علق عليها، والتى ترتفع لنحو 35 طابقا، وهو ما اعتبر مجازفة كبيرة وقتها فى الخمسينيات، ولاقى التصميم اعتراضات من جهات كثيرة من بينها المطافئ. سر مبانى الدول العربية المميزة فى رأى سيف أبو النجا، أن الفكر المعمارى المصرى انتشر خارج حدود الوطن، عبر طرق ثلاث، إما بفتح المعمارى لمكتب خارج مصر، أو تعاونه مع شركات عالمية، أو عن طريق عمله بإحدى المنظمات الدولية أو بمشروعاتها. رأس المعمارى صلاح حجاب اتحاد معمارى البحر المتوسط خلال التسعينيات، ورأس سيف أبو النجا-رئيس جمعية المعماريين المصريين حاليا- اتحاد أفريقيا للمعماريين خلال 2005 ومابعدها، والذى ساهم فى نقل الفكر المعمارى المصرى إلى أوغندا ونيجيريا وتنزانيا عبر مشروعات مشتركة. والمعمارى مصطفى شوقى، المولود فى 1915 والحاصل على بكالوريوس الهندسة 1938 الذى نال العديد من الجوائز، منها جائزتا الدولة التشجيعية والتقديرية، بالإضافة إلى الجوائز الدولية الأخرى، وتميز بتصميمه لقصر الشيخ زايد بإمارة أبو ظبى، والمركز الثقافى ببنغازى بليبيا، وغيرهما، وكان معينا فى مصلحة المبانى الأميرية، وصمم ونفذ الكثير من المشروعات فى مصر منها مطار القاهرة الدولى، واستاد القاهرة، ومستشفى معهد ناصر، وفندق سفير بالدقى، والعديد من العمارات والفيللات. والمعمارى محمود رياض، المولود فى 1905، الذى أثرى عمران وعمارة دولة الكويت، ومن أعماله فى مصر الثلاثية المعمارية الشهيرة «مبنى جامعة الدول العربية، المقر الرئيسى للاتحاد الاشتراكى» الذى هدم إثر حريق خلال ثورة يناير 2011، وفندق النيل هيلتون الذى تغير اسمه الآن أيضا». «خلال السبعينيات والثمانينيات هاجر معماريون مصريون متميزون للعمل فى دول الخليج، على غرار مهنيين كثيرين فى مختلف المجالات،» تقول د. سهير حواس أستاذ العمارة بهندسة القاهرة، ومن بينهم والدها المعمارى زكى حواس الذى بنى فيللات وقصوراً وعمارات سكنية، ومثل المعمارى المصرى عبد الواحد الوكيل الذى بنى مساجد مميزة فى المملكة العربية السعودية وفى انجلترا. ومنهم المعمارى محمد كمال إسماعيل، الذى نفذ أهم توسعة فى ثمانينيات القرن الماضى للحرمين الشريفين المكى والنبوى، ونفذ مشروع توسعة مسجد السيدة زينب. تقول عنه سهير حواس أنه احترم قدسية المكان، ووضع الارتفاعات فى حسابه، فلم يجعل مبنى يحجب رؤية الكعبة، واستخدم التفخيم والأبهة، وأغلى الخامات من الرخام والزخارف المذهبة فى زخرفة الحرم المكى. ومنهم د. على رأفت أستاذ العمارة فى جامعة القاهرة، الذى أسس الكثير من المكاتب الاستشارية فى جدة والبحرين وأبو ظبى، وصمم سفارات مصر فى الهند وإسلام آباد، ومبنى الإذاعة السعودية بجدة. ود. عبد الباقى إبراهيم أستاذ العمارة بجامعة عين شمس، الذى أشرف على العديد من مشروعات الإسكان بالمملكة العربية السعودية، وعمل مستشارا بالأمم المتحدة فى مجال الإسكان بالمملكة.والكويت وحصل على جوائز منها جائزة مجلس وزراء الإسكان العرب وجائزة المعمارى العربى من منظمة المدن العربية،وجائزة الدولة التشجيعية فى العمارة وجائزة الكويت للتقدم العلمى فى العمارة. ود. فاروق الجوهرى، أستاذ العمارة بجامعة عين شمس، الذى كرمته دولة الإمارات العربية المتحدة، لأعماله المعمارية المتميزة فى إماراتها، وهو أيضا مصمم مطارى الأقصر وأسوان. والدكتور عبد الحليم إبراهيم، الحائز على جائزتى أغاخان فى العمارة، الأولى على تصميمه وإشرافه على مشروع حديقة كبيرة بالرياض، والثانية على تصميمه لحديقة الحوض المرصود الثقافية بالقاهرة، ضمن مسابقة دولية، لتنفيذه للحديقة بفكر متميز، وهو أيضا مصمم مبنى الجامعة الأمريكية الجديد بحى التجمع الخامس. والدكتور صالح لمعى، مدير مركز إحياء العمارة الإسلامية، الذى حصد العديد من الجوائز الدولية، منها جائزة الأغاخان، وكرمته مؤسسة الحريرى بلبنان، لأعماله فى الحفاظ والتوثيق والترميم للتراث العمرانى فى لبنان على مدى 30 عاما، كما عمل مستشارا لمؤسسة الحريرى لشئون التراث، والعميد الأسبق لكلية الهندسة المعمارية فى جامعة بيروت، بالإضافة إلى مشاركته فى ترميم مبانى بمدينة القدس الشريف، وأشرف على ترميم مسجد الشافعى بجدة بالمملكة العربية السعودية. وشارك المعمارى طارق المرى، مع الدكتورة دليلة الكردانى-رئيس لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، وأستاذ العمارة بجامعة القاهرة-فى ترميم وتطوير قرية أثرية تسمى «رجال ألمع» فى إمارة عسير بالقرب من أبها، جنوب المملكة العربية السعودية، والقرية فى منطقة جبلية على مساحة فدانين. •