حين زار البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، القاهرة العام الماضى، بارك مسار العائلة المقدسة فى مصر، باعتباره مزارًا دينيّا لملايين المسيحيين فى العالم، بعد مهد المسيح فى فلسطين.. هذه المباركة اعتبرها الكثيرون انتصارًا كبيرًا للسياحة المصرية، يمكن أن تصل لتغيير الخريطة السياحية فى مصر وإدخال محافظات لم تكن من بين المحافظات السياحية على تلك الخريطة.. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فإجراءات وضع هذا المسار على خريطة السياحة العالمية، تقتضى جهودًا من أجهزة الدولة لتهيئة مواقع المسار من ناحية، كما تحتاج جهودًا أخرى دولية تستغرق شهورًا وربما سنوات والتفاصيل على لسان المسئولين فى السطور التالية. الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، قال إن الاهتمام الفعلى بإحياء مسار العائلة المقدسة بدأ فى 2016، حين بدأ العمل لإدراج مواقع مسار الرحلة على قائمة التراث العالمى لمنظمة اليونسكو، لما لهذا التسجيل من قيمة فى دعم المسار سياحيّا والترويج له، بالإضافة إلى الدعم المالى الذى يتمثل فى المساهمة فى أعمال ترميم الآثار الموجودة فى محطات المسار، بالإضافة إلى كون هذا التسجيل يعطى اعترافًا عالميّا بصحة المواقع التاريخية التى مرّت بها العائلة المقدسة من رفح والعريش شمالاً إلى أسيوط جنوبًا، ومرورًا بالنيل حتى فلسطين، التى يبلغ طولها 3500 كلم.. وبتسجيل هذا المسار فى منظمة اليونسكو، يصبح أكبر مزار يحج إليه مسيحيو العالم، وبمباركة بابا الفاتيكان لمسار العائلة المقدسة فى مصر، خلال زيارته العام الماضى، ومن قبله اعتماد الكنيسة القبطية للمسار أعطى دفعة قوية لإيجاد حلول سريعة، لتسجيل المسار بلجنة التراث العالمى بمنظمة اليونسكو، وهى ليست أمرًا سهلاً، فهى تحتاج لتحضير ملف قوى مدعم بالوثائق والأدلة التاريخية والخرائط، خصوصًا أن بعض مواقع المسار كان عليها خلاف من بعض الطوائف المسيحية.. ويشير د.جمال إلى أن وزارة الآثار ابتعدت عن الخلافات الدينية حول المسار، وتُعد الملف من الناحية التراثية العلمية البحتة، من خلال لجنة علمية مهمتها البحث فى كل ما كُتب عن المسار، وحصلت على الخرائط والمخطوطات من مركز الدراسات القبطية والكنيسة، «لدينا آثار لبعض الأديرة بمواقع المسار، لا تزال أطلالها موجودة»، وهناك تشاور مع مكتب اليونسكو بالقاهرة، بشأن محتويات الملف، تلافيًا للأخطاء التى قد تحدث خلال الإعداد، وتتسبب فى إعادة كتابة الملف وإجراءات العرض على المنظمة، التى تستغرق عامين على الأقل. «الملف والملف الموازى» من جهة أخرى تسير وزارة الآثار فى خط متوازٍ مع إعداد الملف، فى إعداد ملف آخر عن نقاط ومواقع مسار العائلة المقدسة على قائمة «التراث العالمى اللا مادى»، فسبق أن سجلت اليونسكو احتفاليات لمصر على هذه القائمة، مثل «السيرة الهلالية وفن التحطيب»، لإثبات أحقية مصر فى خصوصية هذه الفنون، وبالتالى تضمن دعم اليونسكو فى الأبحاث وإقامة الاحتفاليات وغيرهما، فيما يتعلق بهذه الفنون.. وبالمثل وقع الاختيار على بعض الموالد والاحتفاليات التى تقام فى بعض مواقع مسار العائلة المقدسة «مثل مولد العذراء بجبل الطير بدير العذراء بسمالوط- أسيوط»، لتسجل فى التراث العالمى اللا مادى، وهو ما يضمن بالتبعية تسجيل المكان الذى يقام فيه المولد، بحسب د. جمال مصطفى..ويرأس اللجنة المشرفة على هذا الملف- المشكّلة بقرار من مجلس الوزراء، د.هبة يوسف رئيس قطاع العلاقات الخارجية بوزارة الثقافة، وتضم خبراء من وزارة الآثار والسياحة والتنمية المحلية، والكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، ومركز نُظم الجغرافيا بوزارة الآثار، ومركز نُظم المعلومات بوزارة الثقافة، بحسب رئيسة اللجنة.. وتؤكد د.هبة أن اللجنة ستقدم ملفها لليونسكو فى مارس 2019، ليبت فيه فى سبتمبر 2020، أى أن الملف سيستغرق نحو 18 شهرًا للتقييم.. ومن ناحية ثالثة، انتهت وزارة الآثار من ترميم دير العذراء مريم بسمالوط، وتركيب تكييف لكنيسة أبو سرجة، ولا يزال العمل قائمًا فى ترميم أديرة وادى النطرون، وأديرة أسيوط «المحرَّق والبراموس»، بتمويل من هيئة الأوقاف القبطية وبعض الكنائس، بحسب د. جمال. أول وفد من الحجاج تشرح جيهان عاطف، مدير المتحف القبطى بالقاهرة، المقصود بمواقع مسار العائلة المقدسة، وهى المواقع التى مشت فيها «السيدة مريم العذراء والطفل عيسى المسيح ويوسف النجار وحمارهم الذى يتبادلون الركوب عليه»، وهى أماكن إمّا مكثوا فيها لأيام أو مشوا عليها فقط أو ركبوا منها زورقًا من النيل، مثل كنيسة العذراء مريم بالمعادى، أثناء هروبهم من الإمبراطور هيرودوس. لكن هذه المواقع ليست كلها جاهزة للزيارة، فهناك مواقع يصعب الوصول إليها، وأخرى لا تزال غير مؤهلة، وتحتاج إلى إقامة فنادق وإزالة القمامة والتعديات حولها وغيرها. والمؤهل للزيارة حاليًا ثلاثة مواقع فقط، أولها مواقع القاهرة، ومنها منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، التى تضم كنيسة أبوسرجة التى بها المغارة التى مكثت بها العائلة وبجوارها الكنيسة المعلقة والمتحف القبطى الذى شُيّد 1910 كحجرة صغيرة بين الكنيستين، بالإضافة إلى كنيسة العذراء مريم بالمعادى، وهى المكان الذى استقلت منه العائلة قاربًا وهى متجهة للصعيد، وتحتفظ الكنيسة بالإنجيل الذى وُجِدَ فى موقعها على سفح النيل مفتوحًا على صفحة مكتوب بها «مبارك شعبى مصر»، ومن بين مواقع القاهرة أيضًا شجرة العذراء بالمطرية.. أمّا ثانى المواقع فهو أديرة وادى النطرون «دير الأنبا بيشوى، ودير العذراء السريان، ودير البراموس»، وثالثها هو مواقع دير العذراء مريم بجبل الطير، ودير المحرّق ودير درونكة بأسيوط، وبدأت الرحلة فى 24 بشنس الموافق أول مايو، من رفح والعريش شمالاً إلى أسيوط جنوبًا، ثم العودة إلى فلسطين، التى استغرقت 3 سنوات و6 أشهر، وزيارة هذه المواقع متاحة طوال العام، وليست مرتبطة بوقت معين. وقد زار المتحف القبطى أول وفد سياحى من الحجاج الإيطاليين، فى 19 يونيو الماضى، وعلى رأسهم أسقف مقاطعة فيتربو بإيطاليا، ومعه مجموعة من الكهنة والأنبا بيرنابا أسقف الكنيسة الأرثوذكسية بروما، ومجموعة من مؤسسى المستشفى الإيطالى بالقاهرة، وعدد من الهيئة المنظمة للرحلة، وبلغ مجموع الوفد 50 شخصًا، ومن المتوقع أن تكون هناك زيارات قريبة فى سبتمبر وأكتوبر المقبلين. أديرة وادى النطرون يقول الدكتور على أحمد، المشرف على المكتب الفنى لوزير الآثار، إن هناك موقعًا وحيدًا من مواقع المسار، مسجلاً على قائمة التراث العالمى فى اليونسكو، وأدخل فى نطاق القاهرة التاريخية المسجلة لديهم، وهو كنيسة أبوسرجة، وهناك مواقع أخرى ستسجل وهى الآن على القائمة التمهيدية، وهى أديرة وادى النطرون، التى تجهز لها وزارة الآثار ملفّا ليُقدم لليونسكو قريبًا، الذى بدأ التفكير للإعداد له منذ 2003.. يتضمن الملف خُطة إدارة موقع الأديرة وخُطة لسلامة الموقع، بالإضافة إلى ترميم الأديرة.. وتبنّت وزارة السياحة تكلفة ترميم أديرة وادى النطرون، وتهيئة الموقع بالخدمات بإشراف وزارة الآثار، رُغْمَ أن قانون الآثار ينص على أن الأديرة والكنائس تُرمم على نفقة الكنيسة، لكن أحيانًا يتعذر توفير الموارد المالية. ويلفت د.على إلى الاختلاف فى تحديد عدد مواقع مسار العائلة المقدسة، فبالعض يؤكد أنها 25 موقعًا، والبعض يُخفضها إلى 21 موقعًا، وبعض ثالث يرفعها إلى 33 موقعًا، ولهذا شُكّلت لجنة علمية تدرس هذه المواقع، لتحديد المواقع الفعلية، وكان بابا الفاتيكان قد بارك مسار رحلة العائلة فى العام الماضى، والعالم المسيحى يعترف بالرحلة، وكان البابا شنودة قد حدد الكثير من نقاط المسار.. ورُغم أن بعض الحجاج المسيحيين يأتون لزيارة مواقع فى هذا المسار، فإن المسار ليس برنامجًا أساسيّا لشركات السياحة، فلم يكن لدينا مثل هذا النوع من «الحج الروحى»، ولم يكن هناك اهتمام من كل أجهزة الدولة بإعادة إحياء مسار العائلة المقدسة التى حمتها مصر، كما هو الأمر الآن.