لم يكن الناس بحاجة لاستخدام سياراتهم ذهابًا للعمل كل يوم. كون المدينة صغيرة، وقليل من المشى صباحًا وعند العودة، مفيد للجميع كما يبدو .. إلا أن الأستاذ اللامع.. مدرس العلوم، يحبذ التجول بسيارته المتواضعة شديدة النظافة كحاله أيضًًا . تصف طالبة الثانوية العامة بمدرسة سيدى سالم الثانوية للبنات بكفر الشيخ، «مروة» - اسم مستعار- الأستاذ غالى، الذى تجمع الإدارة التعليمية كلها بجدارته، وتميزه في تخصصه «الطبيعة» ويكفي المرء فخرًا وعُجْبًا أن يلتحق بفصوله الخاصة خارج المدرسة، فهي الأغلى سعرًا على الإطلاق، وسرعان ما تكتمل بأسبقية أو أهمية الحجز ولا تقبل فصوله إلا القليل من العدد.. يحصد تلاميذه أعلى درجات الطبيعة إن لم تكن كلها.. حتى في حالات إخفاقهم في فروع أخرى لا يراود الشك فصلاً للأستاذ غالى..! الأستاذ غالي يرفض العمل في السناتر، التى تشبه في كفر الشيخ سناتر القاهرة، وتقترب أسعارها من نفس أسعار القاهرة. هو ألمعيّ العقل لامع المظهر، كثيرًا ما تتهامس الفتيات في الممرات عند مروره لدقة شاربه عظيم الشأن، ودقة تسريحة شعره وكل تفاصيله شديدة التنمق.. ويتغامزن متبادلات اكتشافاتهن حوله. حين رأته إحداهن يستخدم مبرده الخاص في المكتب ليهذب أظفاره الناعمة ، وأخري رأته يبدل معطفًا أتى به لتوّه ليرتدى «جاكيت» مخصصًا للمدرسة.. والكل يجزم بأن دولابًا في مكتبه يحوي أحذية خاصة للمدرسة تناسب الشتاء والصيف.. وكثير من حاجياته وتفاصيله التي تبدو غرائبية .. ربما لشبهٍ قويّ بين ملامحه وسلفادور دالي، ولكن هل يعى ذلك؟ تجربة «مروة» في السنتر، جعلتها ترى المكان على حقيقته، فهو ليس مدرسة بديلة، لكنه أقرب لمكان لتداول المعلومات، وليس اكتساب معارف ومهارات جديدة. السنتر.. مكان بعيد عن مشاعر الشغف والمغامرة ومحاولات الاكتشاف، ولا يقبل بتجربة الفشل ولا تقدّر لها قدرها.. فالذي نجده ونتعرف إليه في الفشل لا يمكن لنا أن نجده لدي تجربة أخري، من طرائق المعرفة اللامتناهية، التي هي جوهر الوجود الإنساني، مما لا يجد صدى ويبدو عبثيًّا لجيل السنتر.•