كتبت - ابتسام كامل عرفه الجمهور الغربى كعازف أول، وقائد أوركسترا، ومُغنى أوبرا.. بينما كان لقاؤه الفنى مع الموسيقار «عمر خيرت» منذ سنوات هو بداية شهرته فى وطنه! حينما رآه الجمهور المصرى نموذجا فريدا لمايسترو يمتلك مهارة قيادة مشاعرهم، بنفس قدرته على قيادة الآلات الموسيقية التى بين أيدى العازفين، مأخوذا بشخصيته وعصاته السحرية التى تتحول معها الألحان إلى لغة توحد بينهم، وبين مؤلف الموسيقى، وبين العازفين، وبينه هو نفسه! ترك فرنسا الجميلة وغادر سويسرا الخلابة ليعود إلى صحراء مصر الساحرة ونيلها الخالد، حيث مذاق الفرح بتصفيق أبناء وطنه لقيادته الكاريزماتية.. واثقا أن عذوبة الموسيقى التى يقود أنغامها، لن تضيع أبدا فى الرياح دونما تزدهر يوما فى نفوس محبيها. فى منزله الأنيق، بإحدى ضواحى القاهرة الجديدة، التى استقر بها بعد عودته من سويسرا.. كان اللقاء. • سألته: لماذا تأخرت شهرتك فى مصر؟ - يبتسم قائلا: ربما تأخرت شهرتى كما تقولين، بسبب سفرى إلى جنيفوفرنسا للمزيد من الدراسة، بعد حصولى على البكالوريوس من الكونسرفتوار عام 85، درستُ فن التأليف الموسيقى، كما أتقنتُ بعض الآلات كالبيانو والتشيللو، ثم تخصصتُ فى آلة الفاجوت (وهى آلة نفخ خشبية تشبه الفلوت)..بعدها سافرتُ إلى جنيف؛ وعُرِفت لمدة 10 سنوات كعازف أول، ثم سافرتُ إلى فرنسا لتعلم فن قيادة الأوركسترا، واشتهرتُ بالغناء الأوبرالى لعصر الباروك والغناء الكنائسى «الأوراتوريو»، حتى عرفنى الجمهور الغربى كمؤلف موسيقى حينما كتبت: «عروس النيل، وبنات بحرى، وبنات النيل، ورقصة السلام، وبين الغسق والسحر عن قصة ريا وسكينة، ورؤية جديدة لدور العفو يا سيد الملاح»..إلى أن عدتُ إلى مصر عام 2002، وكلفنى «د. سمير فرج» وقتها بقيادة أوركسترا القاهرة السيمفونى لمدة عشر سنوات كاملة، حتى كان اللقاء مع الفنان «عمر خيرت» فعرفنى الجمهور المصرى كقائد أوركسترا. كاريزما المايسترو .. الذى لا يغش! • قائد الأوركسترا يقود الفرقة وظهره للجمهور .. كيف يتجاوب الجمهور معك، ويمنحك هذا الحب وهو لا يرى انفعالاتك ومشاعرك؟ - إنه شعور رائع أن يكون الفنان محبوبا من الجمهور، حينما أقف على المسرح لا أشعر بوجود الناس ولا أى شىء حولى، ولكن يبدأ التفاعل بمجرد أن أشعر بالطاقة الإيجابية التى يمنحنى الجمهور إياها..يبدأ التفاعل بينى وبين الجمهور من خلال رغبتى فى تعريفه بالرسالة التى جئت أقدمها إليه، وبمعنى أدق أكون أنا نفسى الرسالة بينه وبين المؤلف الموسيقى والأوركسترا، فتنتقل إليه رغبتى فى جعله يسمع ما أقدمه بطريقة صحيحة، بدون غش، أى ألتزم بنقل الموسيقى كما كتبها المؤلف بالنوتة الموسيقية. هنا يتأثر الجمهور ويشعر بصدق رسالتى، ويحدث التأثير الذى يجعله يحبنى كما تقولين. العصا السحرية • يعتقد البعض أن السر يكمن فى عصا المايسترو.. فهل يختلف دورها من قائد لقائد؟ - العصا أداة يستخدمها المايسترو ليوحد إيقاع 80 عازفا فى نبض واحد؛ يشبه فى دوره المخرج المسرحى، الفرق أن المخرج المسرحى يستطيع أن يخرج هاملت أو روميو وجولييت - مثلا - برؤية مختلفة معاصرة أو كلاسيكية، لكن المخرج الموسيقى (المايسترو) لا يستطيع إلا أن ينفذ بالضبط ما كتبه المؤلف الموسيقى.. من خلال العصا يقرر المايسترو سرعة بداية ونهاية الجملة الموسيقية، وكيف يلعبها العازفون بحسب العصر، وبحسب صوت وأداء كل مؤلف؛ فصوت وأداء موسيقى موتسارت تختلف عن بيتهوڤن، عن تشايكوفسكى، أما سر العصا فيتوقف على شخصية القائد، ومدى ثقافته الموسيقية التى تتأثر بها سرعته فى القيادة فتجعله مملا وبطيئا أو شيقا.. فيتجاوب الجمهور معه. • هل من الضرورى أن يفهم الجمهور لغة الموسيقى التى يلعبها المايسترو؟ - لا أظن ذلك! فقد نتأثر بالموسيقى الهندية أوالتركية أو اليابانية ونحن لا نتكلم ولا نفهم لغات هذه البلاد! لكنها تحدث فينا تأثيرا لا يعبر عنه باللغة، يتعلق الأمر بالثقافة والخبرات والتجارب التى شكلت إحساسنا! فنجد شخصا بسيطا جدا يحب الفن السيريالى.. وهو نفسه لا يعرف لماذا. شعب مالوش فى المزيكا دى • تعيش يبن سويسراوالقاهرة.. هل للمكان والزمان علاقة بالإبداع والعطاء الفني؟ - بالتأكيد، فالجو العام يؤثر فى إحساس الفنان، ليس فقط عبر الأحداث والمشاكل الكبيرة، بل حتى المشاكل الصغيرة مثل سوء خدمات التليفون وغياب النظافة، وفوضى سلوك الناس فى الشارع، مما يشتت تركيزه ومشاعره بعيدا عن الإبداع. أتعجب من قدرتنا كمصريين على التأقلم مع هذه المؤثرات السلبية، أرى ملامحها فى بعض العازفين أثناء البروفات، فأجد نفسى مضطرا لتقدير عدم التزامهم، وأرجع الأسباب لكم المشاكل التى تصادفهم. • هل إقبال الجمهور المصرى على الأوبرا والكونشيرتات.. يعنى أننا نتذوق هذا الفن؟ - الشعب المصرى بعيد عن فكرة الأوركسترا، ولكنه قريب جدا فى نفس الوقت! جربى القيام بدعوة الجمهور المصرى لحفل أوركسترا، سيعتذر قائلا: أنا ماليش فى المزيكا دى! وهو لا يعرف أن معظم الموسيقى التى يحبها مكتوبة فى الأصل لأوركسترا! مثل فيلم «تيتانيك، و«حرب النجوم»، وE.T وغيرها..موسيقى الأفلام العربية القديمة مزيج من الموسيقى الكلاسيكية وسيمفونيات وباليهات، وأوبرات عالمية، اقتبسها فنانون مثل أندريه رايدر، وفؤاد الظاهرى، وحسن أبو السعود، وعمار الشريعى، وعلى إسماعيل، كذلك الحال مع بعض المطربين مثل فيروز، وليلى مراد وكل الأغانى القديمة.. تمت كتابتها كأوركسترا! • الموسيقى مرآة الشعوب، كيف تعبر موسيقانا عنا؟ - الفن عموما مرآة الشعوب، لكن رغم أن الجو العام فى أوروبا.. طبيعة جميلة وهدوء ونظافة تساعد على تذوق وإبداع الفن، نجد فى مجتمعنا حركة إبداع غير عادية، تجعلنى أتساءل: كيف يبدع الفنان المصرى وهو يعيش المشاكل اليومية التى يحياها؟! بعيدا عن سحر النيل والصحراء، طبيعى أن ضوضاء وفوضى الشارع تحد من إبداع الفنان، لكن هذا لا يحدث، الفنان المصرى «ذويق» فن بالفطرة، يختزن موروثًا وتراثًا لا يحده الزمان ولا المكان، الشخصية المصرية بكل تناقضاتها: طيبة وشريرة، وبخيلة وكريمة، و.. و..، وهكذا يخرج لنا فنه بهذا الشكل الذى يعبر عنه! كل ما يحتاجه الفنان المصرى هو أن يوضع على التراك الصحيح، فى ظل ظروف اجتماعية صحيحة. الموسيقى والمواطن الفعال • على من تقع مسئولية تدهور ذوق الفن المصرى بالصورة التى نعيشها اليوم؟ - على المسئولين فى كل قطاع بالحياة العامة، الإعلام الذى لم يلعب دوره كما ينبغى، فالتليفزيون الذى يعرض عملاً أوبراليًا أو أوركستراليًا بتسجيل سيئ جدا، بدون تعليق مناسب لكى يفهم الناس هذه الفنون.. ووزارة الثقافة التى لا يوجد لديها تخطيط للاستفادة من خريجى أكاديمية الفنون. حتى الأوبرا نفسها بعيدة جدا عن فكرة تسويق الفن الأوبرالى! ناهينا عن المدرسة التى تقتل الإبداع فى الطفولة، بينما نجد العكس تماما فى الثقافة الغربية التى تصر على تعليم الموسيقى للأطفال فى المدارس، وتواجدهم فى المجموعات الغنائية، وموسيقى الحجرة، كما تسمح لهم بحضور بعض الجنرالات والبروڤات لأعمال أوركسترا كبيرة، بالإضافة لزيارة متحف الأوپرا، ودمجهم مع بعض الكورالات،. ليس باعتبارها أنشطة ترفيهية، بل كوسائل لبناء الشخصية، والعمل الجماعى، وهكذا يصبح مواطنا فعالا يحترم القانون، والاختلاف، بل يتمتع بحس فنى وذوق راقٍ! • وما الجوائز التى حصلت عليها على مدى تاريخك الفنى ؟ - جائزة الامتياز فى الأداء والريادة عامى 1980 و1982 من المعسكر الدولى للموسيقى بأمريكا، الجائزة الأولى للتأليف لموسيقى الحجرة من المجلس الأعلى للثقافة عام 1986، جائزة موتسارت لموسيقى الحجرة بجنيڤ عام 1992، جائزة التأليف والعزف على آلة الفاجوت، والجائزة الأولى للتأليف الأوركسترالى السيمفونى عامى 1996، وجائزة الفيرتيوازيه لمرتين عام 1990 و1996 باعتبارى «الشاب الأمل». • ما الرسالة التى ترغب فى إيصالها لجمهورك فى ظل الظروف التى نعيشها حاليا ؟ - الموسيقى رقى وجمال، هى الرسالة التى أود أن أقدمها لكل الناس فى بلدى وخاصة الأجيال الجديدة، ولهذا قمت بتكوين أوركسترا «الاتحاد الفيلهارمونى» تجمع بين مختلف التوجهات والشخصيات، بين المصريين وبعضهم، وبين الأستاذ وتلميذه، وبين الشرق والغرب، استثمارا لكل خبرة ودراسة موسيقية حصلت عليها لصالح بلدى.•