تمر السنة الأولى على أى سيدة بعد الطلاق بشكل بالغ الصعوبة، فسواء قررت أن تستسلم لإحباطات الحياة وضغوط المجتمع، أو قررت أن تنفض عن كاهلها ذكريات الأيام الصعبة، وتبدأ حياة جديدة مع شريك جديد أو بمفردها، فكلا الأمرين لن يمرا مرور الكرام.. وتظل السنة الأولى بعد حدوث ذلك الزلزال المدمر، هى الأصعب على الإطلاق، وفى حين تكون المرأة المطلقة حديث المحيطين بها، ومحل اهتمام علماء النفس للبحث فى مشاكلها، وما يصيبها من أضرار نفسية بعد الطلاق، يسقط الرجل المطلق من ذاكرة التحليل النفسى، ومن اهتمام المحيطين به فى أحيان كثيرة خلال تلك الفترة، وكأن المطلق لا يعانى أو يدفع الثمن. عالم الرجال حديثى العهد بالطلاق، عالم مظلم بالنسبة للكثيرين، اكتشفنا هنا أن أغلب ما نعتقده عنه أقرب إلى الأوهام منه إلى الحقيقة. • غرام وانتقام الرجال فى تلك الحالة نوعان، أحدهما من سعى إلى حدوث الطلاق، ورحب به نتيجة استحالة العشرة، أو دخول طرف ثالث أفسد عليهما الحياة. أما النوع الثانى فهو المغلوب على أمره، والذى فاجأته زوجته برغبتها فى الانفصال، ومن الطبيعى أن يكون النوع الأول هو الأقل ألما وتأثرا بعد الفراق، إلا أن ما رواه أحمد السيد، المحاسب فى أحد المحلات التجارية يوضح عكس ذلك. يقول أحمد: كنت دائما ما أهدد زوجتى بالطلاق طوال فترة زواجنا التى امتدت ثلاث سنوات، فكانت تشتكى من ضيق الحال، وعدم قدرتى على الإنفاق على المنزل بشكل جيد، وكنت أرد لها الصاع صاعين وأعايرها بعدم الإنجاب، حتى جاء اليوم المشئوم الذى طلقتها فيه. القرار كان بتشجيع من أهلى، الذين دفعونى للخطوة تحت زعم أنهم قادرون على تزويجى بأخرى، ترضى بالعيشة، وتنجب لى الأبناء، لم يمر شهران على الطلاق إلا وتزوجت من أخرى اختارتها لى أختى فى نفس الشقة، وعلى نفس الأثاث، وكان هدفى وقتها أن أتزوج (ست ستها) كما أقسمت لها. كانت تحركنى مشاعر الانتقام فقط، لكن بعد عدة أسابيع، شعرت أنى تسرعت، وجدت عيوبا أخرى فى الزوجة الثانية تفوق عيوب الأولى، اكتشفت أن قلبى لايزال مع زوجتى الأولى، وأننى انتقمت من نفسى لا من زوجتى. والآن يلومنى الناس إذا شكوت من سوء خلق الزوجة الثانية، توقفت عن الشكوى لكى لا تتردد على مسامعى عبارات اللوم على التسرع وعدم تحكيم العقل، تحدثت مع زوجتى الأولى تليفونيا لأخبرها بندمى، ورغبتى فى ردها، رفضت بحجة عدم قدرتى على فتح بيت واحد فكيف الحال إذا أصبح بيتين، كما أن فكرة تطليقى للثانية أمر ظالم، لا أستطيع فعله، هى فتاة صغيرة السن، ولم يمر على زواجنا سوى أشهر، كما أن تلك الخطوة ستثير أهل المنطقة ضدى. • أقنعة زائفة شعور بالرفض والفشل والإحباط يصاحب الطرف الرافض لحدوث الطلاق، أو الذى لديه تصور بأن استمرار الحياة لايزال متاحا، قد تتغلب النساء على هذا الشعور بفضل الفضفضة، أو بالانشغال بالأبناء وما أضيف إليها من مسئوليات، لكن الرجل يخفى فى الغالب مشاعره الحقيقية، ويكبت ما بداخله من حزن وكآبة ليدعى أنه قوى وغير متأثر. هذا ما فعله محمد صلاح الموظف فى أحد البنوك، يقول: كانت رسالتى لمن حولى أنى لا أبالى بما مضى، ورفضت كل محاولات أمى للانتقال للعيش معها، لكن سرعان ما شعرت أنى لا أطيق البقاء فى المنزل الذى جمعنى بزوجتى، وشهد أجمل أيام حياتى، مما دفعنى إلى استئجار شقة قانون جديد. وبمجرد الانتهاء من إجراءات النقل، داهمتنى موجة اكتئاب جديدة، أصابتنى بالعزلة النفسية، أصبحت أتجنب اللقاءات الأسرية، أو مقابلات الأصدقاء، خاصة التى كانت ترافقنى فيها زوجتى، ثم قررت الدخول فى علاقات متعددة، بعضها كان مع فتيات دون المستوى، لم يكن هدفى الزواج، بل أثبت لنفسى وللآخرين أنى مازلت مرغوبا. الآن، وبعد مرور عامين على الطلاق، فقدت الثقة فى أى سيدة، ويتملكنى خوف حقيقى من تكرار التجربة، رغم الإلحاح الشديد من أهلى. • أبوة مفقودة قدرة الرجل على التكيف بعد الطلاق ليس لحاجته النفسية والجنسية لوجود امرأة فى حياته فقط، لكن لفقدان دوره كأب، خاصة أن الأطفال لايزالون صغارا، فتقوم الأم بدور الأب والأم معا، بينما يقف هو على الهامش ليراقب أطفاله يكبرون يوما بعد يوم، دون أن يشهد هو تلك اللحظات عن قرب. لم يحسبها حسام إسماعيل جيدا قبل الطلاق، يقول: عندما اتفقت مع زوجتى على الطلاق اشترطت أن أرى أبنائى أسبوعيا، وأن يبيتوا فى أحضانى فى نهاية الأسبوع، رفضت وطلبت أن نحتكم للقانون، إذا ما قررت رفع قضية رؤية سوف أراهم ساعات محدودة فى أحد الأماكن العامة، عرضها كان أن آخذهم الجمعة من الثانية ظهرا وأعيدهم فى العاشرة مساء، ووافقت ظنا أن الوقت كافٍ، لأنى طوال سنوات زواجى، لم أكن أجد الوقت للجلوس معهم، لكن بعد الطلاق اكتشفت أنى أفتقد سماع صوت أقدامهم وهم يركضون لاستقبالى عند عودتى من العمل، أفتقد إحساسى بأنى من يمتلك توجيههم وتربيتهم. • ومن الحب ما قتل الطلاق بعد الخمسين للرجل أصعب منه فى مقتبل العمر، ليس بسبب شبح الذكريات الذى يطارده، لكن افتقاده لزوجة وسند فى هذه السن، يجعل منه شخصا متخبطا لا يدرك الطريق الصحيح، تماما كسيد الذى شاهدت تعليقاته فى إحدى مجموعات الفيس بوك، بعنوان الطلاق نهاية ألم وبداية أمل. المجموعة تضم أكثر من ربع مليون مشترك، قرروا تبادل خبراتهم وتجاربهم، سيد بحكم خبرته المتواضعة فى مواقع التواصل الاجتماعى ظل يعاكس السيدات عند تعليقهن على أى منشور أن لا أحد يراه. تواصلت معه لمعرفة قصته، خاصة أن صورته على صفحته الشخصية تنم عن أنه اقترب من سن المعاش، أكثر ما شغلنى فى حديثه المتخبط هو ما فعله بطليقته، تعمد التشهير بها للانتقام منها، لأنها قررت الرحيل الذى لم يشأ أن يفصح عن سببه والآن اكتشف أنه لم يؤذها بقدر ما آذى نفسه. كبر الأبناء وأصبحوا شبابا، يرفضون زيارته، لم ينسوا ما قاله عن أمهم، حتى بعد أن أقسم لهم أن ما قاله كان تخبطًا، ورغبة فى العودة إليهم، لايزال يشعر بحب لزوجته التى تحملت جنونه سنوات، يشعر بالأسى لمعاملة أصدقائه له كالشاب المراهق لا يدخلونه منازلهم، رغم أن لديه شبابًا فى سن الزواج، هو الآن وحيد يأمل أن تسامحه زوجته ويصفح عنه أبناؤه، ليجتمع شملهم من جديد. •