حقا المسرح أبو الفنون وأهميته فى مقاومة الجهل والتخلف أسرع وأكثر تأثيرا من أى فن آخر، وكانت البداية دائما للفن من المسرح.. وعبر العصور كانت توجد بقايا آثار له، بل كانت توجد مسارح كاملة مازالت تؤكد كلامنا هذا فى الإسكندرية والأقصر ولبنان وسوريا وغيرها فى بلاد العالم القديمة، ولذلك مع بناء مصر الحديثة فى عصر أسرة محمد على حدث اهتمام بالمسرح خاصة المدرسى ثم الجامعى وكلما زادت الحرية زادت أعداد الفرق المسرحية فى الجامعة وغيرها من مراكز الفنون. وكانت البداية فى إثراء الحياة الثقافية، والمسرحية كما يقول دكتور حسام عطا، أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون المسرحية تبدأ من «دار الأوبرا الملكية».. كان معقل مهرجان مسارح المدارس فى عهد أسرة محمد على فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، حيث عرفت مصر المسرح المدرسى فى الإسكندرية ودمنهور وأسيوط والمنيا، لتتجه الأنظار بعده إلى مسرح جامعة القاهرة بعد إنشائها، لتسجل نشاطًا فنيًا ملحوظًا آنذاك، ويتواصل الازدهار مع تعدد الجامعات بعد ثورة يوليو 1952 ويحفز المسرح الجامعى فن التمثيل والإخراج والديكور فى مصر، حيث تحوى جامعة القاهرة خمسة مسارح، بكليات التجارة والحقوق، والمدينة الجامعية، وكلية الزراعة، وكلية الطب،. جيل الستينيات رسم علامات النشاط المسرحى البارزة فى الجامعات، وحددها جيل سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوى، خريجو جامعة القاهرة قبل التحاقهم بالمعهد الفنى للفنون المسرحية، تاريخ مسرح جامعة القاهرة وأعلامه، مؤكدًا أن ازدهار المسرح الجامعى ينبع من سياسة الدولة واهتمامها بالحياة الفنية، مشيرًا إلى محاربة النظام جيل صلاح السعدنى وعادل إمام وسمير غانم فى السبعينيات، خاصة بعد النجاح الكبير لمسرحية «البعض يأكلونها والعة» لفريق منتخب القاهرة عام 1972 تأليف نبيل بدران وإخراج د.هانى مطاوع وبطولة حياة الشيمى ومحمد متولى وسامى صلاح ومخلص البحيرى وطلعت فهمى، حيث تضمن العرض عدة لوحات كوميدية متوالية عن أوجه القصور فى المجتمع المصرى أظهرت من خلال أسلوب «الكباريه السياسى» بعض مظاهر السلبيات المتفشية فى المجتمع المصرى التى كانت من أسباب هزيمة ونكسة يونيو 1967، وتأكدت محاربة النظام فى عصر السادات بالقضاء على نشاط مسرح جامعة القاهرة، وكل الجامعات والمعاهد الكبرى التى كان يتركز نشاطها الفنى من خلال المسرح الجامعى، وكانت مقاومة الأنشطة داخل الجامعة عن طريق زرع الجماعات الإسلامية وفرض أفكارهم على طلاب الجامعات وفعلا حدث بالفعل وتراجعت الأنشطة الفنية والثقافية واستبدلت بها الأفكار الرجعية التى أثرت حتى على الزى والانقسام داخل المدرجات ليتراجع النشاط شيئًا فشيئًا وتراجعت معه أشياء كثيرة داخل الحرم الجامعى. ثم بدأ المسرح الجامعى يسترد عافيته فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين «رغم غياب فكرة المُعلم المسرحى» إلا أنها مازالت تقدم شبابًا متحمسًا وموهوبًا يحاول تقديم النصوص العالمية والعربية فى أزهى صورها، وعادت مهرجانات المسرح مرة أخرى لكن لقلة الإمكانيات لم تكن بمستوى مسرح الجامعة قبل ذلك فى الستينيات وبداية السبعينيات.. لكن فى شباب محب للمسرح يحاول تقديم أفضل ما لديهم رغم قلة الإمكانيات، وعدم وجود أفكار جديدة أو جرأة فى التناول رغم ارتفاع درجة الوعى السياسى والاجتماعى، لدى الشباب ولو أعطيت لهم الفرصة والإمكانيات سوف يضاهون مسرح الدولة فى طريقة استعمالهم وتناولهم للنصوص المسرحية العربية والعالمية، ولكن للأسف المسرح يسقط داخل الجامعة، الآن رغم أن الطلبة قادرون على تقديم فنونهم خارج أسوار الجامعة، أو يأتى الجمهور الخارجى إليهم حتى تستعيد جامعة القاهرة مجدها المسرحى مثلما كان، فقد قدمت لنا الجامعة، نجوما قديما وحديثا للفن المصرى، والذين استطاعوا بلورة الفن المصرى، مثل سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوى، فؤاد المهندس، عادل إمام، سمير غانم، صلاح السعدنى، محمود ياسين، فاروق الفيشاوى، فتوح أحمد، صلاح عبدالله، حسين محمود، عبلة كامل، خالد الصاوى، خالد صالح، ومحمد فراج. • عودة الروح وأخيرا.. وقد نجد الأمل مع وزارة الثقافة وفى إطار الدور الذى يقوم به صندوق التنمية الثقافية برئاسة الدكتورة نيفين الكيلانى عميدة معهد النقد الفنى سابقا، من دعم وتنمية الأنشطة الثقافية والفنية، التى قدمت مشروعًا جديدًا لإحياء المسرح الجامعى، فيقول المخرج المتميز خالد جلال عن هذا المشروع: فى الحقيقة عندما قدمت الفكرة للدكتور صابر عرب وزير الثقافة السابق قال لى: المشروع ينفذ فورا وقد كان، لأن المسرح الجامعى هو النواة الأولى للحركة الفنية فى مصر كما كان فى الماضى، فكان لابد من عمل مشروع لإعادة إحياء المسرح الجامعى تحت اسم «مواسم نجوم المسرح الجامعى» وشعاره «عودة الروح» ويهدف هذا المشروع لإتاحة الفرصة لمبدعى المسرح الجامعى الشباب الممارسين فى فرق الجامعة للتسابق من خلاله حيث أطلق الموسم الأول للمشروع فى شهر يوليو 2014 بمشاركة شباب المسرح الجامعى من جامعات «القاهرة - عين شمس - حلوان الممارسين للنشاط الفنى» لعرض عروضهم الفنية وإقامة ورش تدريب لهم على أن تتسع خلال المواسم التالية لاستيعاب شباب المسرح الجامعى من مختلف محافظات الجمهورية كما نتطلع فى السنوات المقبلة لتشمل المسرح المدرسى أيضا. ويقول المخرج خالد جلال: نحن الآن نستعد للدورة الثالثة ومع كل دورة فكرتنا تنال نجاحًا وحماسًا من شباب الجامعة الموهوبين فى مجال المسرح ويعطى أملا فى عودة مسرح الجامعة لمكانته السابقة وفى تقديم أجيال من المبدعين المتميزين. . ونحن من جانبنا كجمهور محب للمسرح نريد للمسرح المصرى - جامعى، قطاع خاص، قطاع عام - الازدهار والرقى بدون إسفاف وتكرار للأفكار ونستمتع به كما استمتع جمهور الستينيات وما قبلها بالمسرح. •