محافظ كفرالشيخ يتابع جهود إزالة التعديات على أملاك الدولة ببرج البرلس    حماس تنفي طرح أفكار جديدة لمقترح وقف إطلاق النار في غزة وتهاجم بلينكن    رئيس اتحاد اليد: الانتخابات بعد أولمبياد باريس.. ونرفض وجود الحكام الأجانب    الشيبي يستأنف ضد قرار اتحاد الكرة    سبب من أسباب التنازل.. دفاع ضحية عصام صاصا: سيقدم واجب العزاء بالفيوم    أنا انضربت بالقلم علشان بحبه.. أولى جلسات محاكمة المطرب عمرو دياب في واقعة الشاب المصفوع    استعدادا للحرب.. وزير الدفاع الألماني يعلن عن خطته للتجنيد الإلزامي في الجيش    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 37 ألفًا و202 أشخاص    اعتماد تنسيق القبول بالثانوي للحاصلين على الشهادة الإعدادية في الأقصر    محافظ دمياط تفتتح 5 مدارس جديدة احتفالًا بالعيد القومي (صور)    اتحاد الكرة يعلن مواعيد مباريات الأهلي والزمالك وبيراميدز في دور ال32 من كأس مصر    موعد مباراة منتخب مصر المقبلة في تصفيات كأس العالم 2026    مباشر دورة الترقي - منتخب السويس (1) - (0) حرس الحدود.. سبورتنج ضد الترسانة    عاجل.. أول رد من اتحاد الكرة على رئيس إنبي بشأن واقعة التزوير    أسعار النفط تعزز مكاسبها وسط تفاؤل بزيادة الطلب    حبس عاطلين بتهمة حيازة عملات أجنبية مزورة ومخدرات بالمطرية    كشف لغز العثور على جثة مسنة بشبرا الخيمة وضبط المتهم    التفاصيل الكاملة لمزايا نظام التشغيل iOS 18 لأجهزة أيفون    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى العالم    إجازة المشاهير| «وفاء» هتحضر أكلة شهية و«نبيلة» هتفرق العيدية    السبت أم الأحد..الإفتاء تحدد موعد وقفة عرفة رسميًا    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    الصحة: إنشاء مبنى طوارئ مستقل ضمن مشروع تطوير مستشفى معهد ناصر    الوفد: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج ملهم للممارسة السياسية المتوازنة    مسئول أمريكي يشيد بجهود مصر لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيلهم    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    عاجل.. حقيقة وفاة طفل صغير أثناء فريضة الحج    بلينكن: نؤكد استمرار العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة    الاتحاد السعودي يرصد رقمًا فلكيًا للتعاقد مع محمد صلاح    أُعيد البناء 12 مرة.. كيف تغير شكل الكعبة عبر التاريخ؟    عامل يتسبب فى حرق زوجته خلال مشاجرة بكرداسة    برنامج تدريبي توعوي لقيادات وزارة قطاع الأعمال العام والشركات التابعة لها    ل برج الأسد والحمل والقوس.. ماذا يخبئ شهر يونيو 2024 لمواليد الأبراج الترابية؟    مصرع طالب تمريض صدمه قطار عند مزلقان كفر المنصورة القديم بالمنيا    الأرصاد تحذر من طقس الغد، موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد    البورصة تستقبل أوراق قيد شركة بالسوق الرئيسى تعمل بقطاع الاستثمار الزراعى    قبل رفعها من دور العرض.. الإيرادات الإجمالية لأفلام موسم عيد الفطر السينمائي    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية بالمراكز لضبط منظومة العمل وتحسين الأداء    ما هي أسعار أضاحي الجمال في عيد الأضحى ومواصفات اختيارها؟ (فيديو)    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    «الصحة» تنظم ورشة عمل لتعزيز قدرات الإتصال المعنية باللوائح الصحية الدولية    بتوجيهات رئاسية.. القوات المسلحة توزع عددا كبيرا من الحصص الغذائية بنصف الثمن    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    «متحدث الصحة» يكشف تفاصيل نجاح العمليات الجراحية الأخيرة ضمن «قوائم الانتظار»    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    الجنائية الدولية تطلق حملة لتقديم معلومات حول جرائم الحرب فى دارفور    السكة الحديد: إجراء بعض التعديلات على القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    أول تعليق من حسام حبيب على خطوبة شيرين عبد الوهاب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعب بالورقة الدينية الطائفية فى مصر
نشر في صباح الخير يوم 28 - 06 - 2016

التجديد فى الخطاب الدينى هو أمل هذه الأمة، ولن ينصلح حالنا إلا إذا أمعنا النظر فى تراثنا ونحاول أن نستنبط منه ما نستطيع أن ننطلق إلى عالم المستقبل الرحب.
وفى هذه الصفحات، تفرد «صباح الخير» خطب واحد من هؤلاء المحاولين لتجديد الخطاب الدينى.. إنه الدكتور عدنان إبراهيم المفكر الإسلامى الفلسطينى.
وخلال أعداد شهر رمضان سنعرض خطبه ونختار منها.. فهى تستحق القراءة إذا لم تكن قد استمعت لها.
بعد الحمد والثناء على المولى عزوجل.. ثم الصلاة على النبى الكريم - «صلى الله عليه وسلم»، يشرع د. عدنان إبراهيم فى خطبته فيقول:
يقول تعالي: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * ِإنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ*) 5 9 الممتحنة.
إخوانى وأخواتى..
لا حديث تقريبا للناس عامة وخاصة فى هذه الأيام، إلا التعقيب على الحادث الأثيم الجبان المجرم، الذى وقع عشية رأس السنة الميلادية الجديدة فى الإسكندرية كما تعلمون وكما شاهدتم على شاشات التليفزيون، وراح ضحيته إلى الآن ما يناهز ال23 من الأبرياء الذين لا ذنب لهم أيها الإخوة، مثل هذا الحادث الأثيم.. أول ما ينبغى أن يوصم به أنه حادث جبان، لا يدل بأى وجه من أوجه الدلالة أيها الإخوة على نضالية ولا على استشهادية ولا على وطنية وفى حكم الوطن خيانة، وفى حكم القانون جريمة، وفى حكم الدين إثم عظيم، وفى حكم العقل انتحار، ونحر للوحدة الوطنية وللوطن الواحد، وخيانة تقدم عفوا وسماحا ومجانا لأعداء الأمة، الذين يعملون منذ عقود وعقود لتمزيق وحدتها، وتشطير بلدانها، تفكيكا لها وإضعافا حتى يتمكنوا بعد ذلك من رقاب هذه الأمة مسيحييها ومسلميها، لا أعتقد أن أعداء هذه الأمة أيها الإخوة من خارجها لهم مصلحة فى خدمة مسيحيى هذه الأمة.. مستحيل، متى كانوا كذلك، لقد عانى هؤلاء المسيحيون تقريبا كما عانى المسلمون من هجمات الصليبيين، ودُنست كنائسهم ونهبت أيها الإخوة وسرقت وقُتّلوا وذبحوا معنا.
شهادة المسيحيين للإسلام
فيكتور سحاب.. الكاتب المسيحى اللُبناني، والمفكر الكبير فى كتابه المهم «من يحمى المسيحيين العرب؟»، فيكتور سحاب يقول: إن برميل نفط واحد يعدل فى حساب الغربيين الذين يدعون حماية مسيحيى الشرق الإسلامى 10 من أرواح المسيحيين أو أزيد، ليذهب 10 إلى الجحيم، هؤلاء لا يعدلون برميل نفط واحد، لا يعدلون 20 دولارا، هذا أيها الإخوة فيكتور سحاب.
أما الكاتب والمفكر والمؤرخ الخطير «إدمون رباط»، وهو أيضا من مسيحيى لُبنان، وله كتابات مسهبة ومطولة ودقيقة وعميقة وصريحة فى تاريخ الكنائس الشرقية والمسيحية فى مهدها فى مهد بلادها، وأيضا عن موقف الإسلام والمسلمين حضارة ودولا وحكومات، من مسيحيى الشرق، يقول «أدمون رباط»، «لأول مرة فى تاريخ الدنيا تنطلق دولة مبدؤها ديني، منشؤها دين، حكمها دينى - هكذا يقول - غايتها دينية - أى نشر الإسلام فى ربوع الأرض - إلا أن هذه الدولة وفى الوقت ذاته كفلت لكل أحد سوى المسلمين.. لغير المسلمين جميعا أن يبقوا على أديانهم ومللهم وعقائدهم وافرين موفورين مكرمين، دونما أدنى إزعاج.
يقول رباط فى مخالفة واضحة أو صارخة للقاعدة المبدأ، التى سارت عليها الدول والإمبراطوريات، ولم تُخترق ولم تُلغَ تقريبا إلا فى القرن ال18، مع الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، قبل ذلك كانت هذه القاعدة هى المبدأ السارى المعمول به، وهي: لكل دولة ملك، ولكل ملك دين، والناس على دين ملكهم، ما فى حرية دينية، لا يوجد دين آخر، ممنوع.
فجاء الإسلام الحنيف ليشكل استثناء مدهشا، لماذا؟ ليس لأن المسلمين كانوا عباقرة، درسوا الفلسفات السياسية وأنظمة الحكم، وخبروا التاريخ واستقطروا حكمته، ثم انتهوا إلى أن هذا هو الأوفق والأحسن وأنه سيشكل المستقبل، كلا، ليس شيئا من ذلك هو الذى حدث، بل لأن هذا الدين هو دين إلهي، دين الله الواحد رب العالمين، الذى يشعرهم عبر تشريعه السمح المنير المضيء بربوبيته، وبسلطانه على الجميع وبعدم انحيازه لأحد دون أحد لتوفيره كرامة الإنسان، «ولقد كرمنا بنى آدم» من حيث أتوا، الآدمى مكرم من حيث هو، من حيث أتي، بغض النظر عن نحلته أو ملته أو معتقده أو دينه، لأنه مكرم أيها الإخوة، بتكريم الله تبارك وتعالي، هذه هى تجربة المسلمين.
الإسلام دين تعايش وسلام
العلّامة أمير البيان «شكيب أرسلان»، طيب الله ثراه وذكره، فى تعليقاته الضافية والمعجبة على حاضر العالم الإسلامي، ينقل لنا حوارا دار بين «وزير تركى عثماني» وبين «رجل دولة غربي»، يقول الوزير العثماني، لرجل الدولة الغربي:
«لم يهجس بخاطر المسلمين يوما أن يُصفّوا بلادهم لأهل ملتهم»، بحيث أيها الإخوة تغدو ممحضة للإسلام والتوحيد ولحملته، كلا، بل تعايش فيها اليهودى والمسيحى والمجوسى والمانوى وغير هؤلاء كثيرون، ففى الديار الهندية: الهندوسى والبوذى والجانى إلخ، إلى جانب المسلمين يعيشون يدا بيد، وجنبا إلى جنب، من غير استحقار ولا إذلال ولا استغلال ولا امتهان.
قال:
«ويوم هجس - أى خطر - مثل هذا الخاطر، فى ضمير سلطاننا العظيم سليم الأول - أى أراد أن يصفى هذه الجيوب، أن يمحو هذه الأقليات، لتصفو أرض الإسلام للمسلمين وحدهم - تصدى له المفتي».
مفتى السلطنة العثمانية جمعاء «زمبيلى على أفندى زاده» - قدس الله سره، الشيخ الزاهد الورع، فكان مفتى السلطنة ويعيش فى غرفة صغيرة فى عليّة يرضى من الدنيا بكِسر الخبز، بنفس عزيزة على السلطان، يصدع بالحق فى وجه كل أحد حتى وإن كان سليم الأول «الصاعقة»، كانت الأرض ترتجف من تحت أقدامه لجبروته وهيبته وجرأته على القتل قال له:
«ليس ذلك لك ولا لغيرك.. هذا أمر الشريعة».
ففاوضه وحاوره، يقول الوزير التركي:
«فانتهى السلطان سليم الأول فى المجلس نفسه، إلى أمر الشريعة الغراء».
هذا شرع الله.. هذا ديننا، وانبرى الوزير الموفق إلى وزير الدولة الغربي، ثم قال له:
«أما أنتم.. فقد طوّفتُ بإسبانيا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، على أمل أن أعثر على قبر رجل أو امرأة مسلم، مسلم واحد، فلم أعثر على قبر يُقال هذا قبر مسلم، حتى القبور، عفّيتم عليها، لم تسمحوا لأحد بعد أن كان لنا فى إسبانيا ملايين المسلمين يعيشون وادعين مسالمين، كرماء منتجين معطائين إلى جانب إخوانهم اليهود والنصارى على مدى 832 سنة، صفّيتم إسبانيا بالكامل، لم تدعوا فيها يهوديا واحدا ولا مسلما واحدا ولا حتى مسيحيا على غير مذهب اليسوعيين الكاثوليك».
وقال:
«وفى جنوبى إيطاليا، وفى شمالى إيطاليا أيضا وفى جنوب فرنسا، كان هناك مئات الألوف من المسلمين والمسلمات، ظللتم تتنقصونهم وتبيدونهم وتُعملون فيهم الذبح والتشريد والتخويف.. حتى لم يبق واحد منهم اليوم، أين هم، هل يوجد مسلم واحد من أحفاد المسلمين جنوب إيطاليا أو فى شمالها، كلا، فى جنوب فرنسا، كلا».
ثم قال:
«هذه خطتكم وهذه خطتنا، هذا تاريخكم وهذا تاريخنا».
ثم يُقال الإسلام - أيها الإخوة - يجور ويحيف على الأقليات، الإسلام دين عنيف، الإسلام دين إرهابي!!
«معلوف» فى كتابه «صراع الهُويات»، الكاتب والأديب العالمى الذى لا يزال بفرنسا يعيش هناك، كتب فى الهويات القاتلة، يقول:
«لى نسب من مئات السنين إلى أسرة مسيحية عريقة تعيش فى لبنان بين المسلمين».
«وأنا أقطع.. لولا الإسلام لما بقينا هناك - أى لفنينا منذ قرون - لكن الإسلام هو الذى وفر لنا هذه الفرصة المستدامة أن نبقى على طول التاريخ فى هذا المكان».
وعلى فكرة، حين تمرون مرورا سريعا على أدبيات فقهية وتقرءون ماذا كتب الفقهاء الكبار والأئمة العظام، دائما يقيدون عقد الذمة، بأنه إلى اليوم الآخر، إلى يوم القيامة، يعيشون معنا إلى يوم القيامة، ليس فى حسباننا، ليس فى تخطيطنا، ليس فى استراتيجياتنا الدينية أن نذيبهم ولو بعد حين، أن نتعتعهم ونزلزلهم بعد مدة ليصيروا إلى الإسلام، هذا غير موجود فى الإسلام، إلى اليوم الآخر كما يقول الفقهاء، إلى يوم القيامة، يعيش فى بلده أيها الإخوة مع إخوانه وبين جيرانه إلى يوم القيامة، هذا لا نعطيه أيها الإخوة كمِنّة، هذا حقهم، وهذا واجبنا حين نكون أقوياء وسادة.
إذًا.. ما الذى حدث، وما الذى يحدث؟ لماذا تُثار هذه المسألة على هذا النحو سواء من جهة المسلمين أو من جهة الأقباط فى مصر؟ المسألة القبطية بدأت تثور تقريبا من سنة 1972، لا أحب أن أفصل الآن الخلفية التاريخية الدقيقة لهذه المسألة حتى لا يعد كلامى نوعا من إلهاب الحمية أو إثارة المشاعر، وصب الزيت على النار، لا أحب هذا.
لكن على المسيحيين قبل المسلمين، أن يقرءوا التاريخ - أيها الإخوة - المعاصر بدقة، حتى يعرفوا حقيقة ما جرى وحقيقة ما يجري.
إسرائيل تزرع الفتنة
الآن أيها الإخوة مصير مصر - وقد نبه على هذا وأشار إليه العقلاء ألوف المرات فى العقود الأخيرة، وفتح أعداؤنا أعيننا إن كانت تبصر وترى - «من كان له عين تبصر وترى كما قال السيد المسيح» - عشرات المرات، على أن مصر فى مهب الريح، مصر لا يُراد لها أن تبقى مصر الموحدة، مصر يراد لها أن تجزّأ وأن تُبعّض، هم الذين فعلوا هذا أكثر من مرة.
«موشيه شاريت» رئيس وزراء إسرائيل، يكتب فى مذكراته سنة 1954 عن الأقليات الدينية فى العالم العربي، وأنه لا بد من استغلالها، وإثارة حميتها واللعب بها كورقة لتمزيق هذا العالم، ولجعلها حليفا لإسرائيل بشكل واضح، ومذكراته مطبوعة عودوا إليها واقرءوها.
«عاموس ياديلين»، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية، تنشر الصحف العربية خصوصا المصرية فى أواخر 2010 تصريحات مزلزلة له ومخيفة، كلها تنصب وتركز على اللعب بالورقة الطائفية، الورقة الدينية، وأنه لا بد أن نواصل اللعب بهذا الورقة، لماذا، لتمزيق مصر، لتفتيت مصر، قال «بحيث نترك مصر بعد ذلك فى بلبال - أى بلبلة - فى قلق وفى تمزق وتشعب لا تستطيع أى حكومة بعد حكومة مبارك أن تصلح الوضع أو أن تلملمه، ستعجز»، هكذا يقول عاموس هذا.
قال: «سنورطهم»، وقال:
«لقد حققنا اختراقات ممتازة فى المجالات الاجتماعية والأمنية والسياسية وغيرها فى مصر منذ معاهدة السلام سنة 1979، أعظم الاختراقات كانت فى الميدان الطائفي»، أى اللعب بالورقة الدينية الطائفية، هذا رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
طبعا أنا أيها الإخوة أرى أن هؤلاء القوم سواء فى الشرق أو الغرب، إسرائيل أو غير إسرائيل لا يبالوننا، صدقوني، واضح أنهم لا يبالوننا، قلت لكم مرة ادخلوا على موقع الجيش الأمريكي، على الإنترنت، الموقع الرسمي، ستصدمكم خارطة، للشرق الأوسط، بالألوان، طبعتها لكم أيامها ورآها كثير منكم، الخريطة بها الشرق الأوسط قبل والشرق الأوسط بعد، سيصبح الشرق الأوسط أكثر من 55 دويلة، طبعا، ومصر فى القائمة، والعراق خلاص انتهوا منها والسودان، ليبيا، المغرب، سوريا، لبنان أمرها واضح محسوم، الباقى هكذا كله، بشكل واضح.
لكن تفتيت مصر، مهم جدا، لماذا، المنظمة الصهيونية العالمية لها مجلة تنشر فيها أفكارها وأيديولوجيتها واستراتيجياتها اسمها «كيفونيم» تعنى بالعربية «اتجاهات»، نشرت هذه المنظمة الصهيونية العالمية سنة 1984 دراسة خطرة جدا، عن استراتيجية إسرائيل فى المنطقة، فى الثمانينيات، وذكرت فيها أن تفتيت مصر أمر حتمي، وضرورى جدا، لأنه حين تتفتت مصر، لن تكون سوريا والعراق - طبعا العراق تفتت من قبل فتتغير الاستراتيجيات لا بأس - المهم أن يؤكل هذا البدن، أن ينتقص من أى طرف، ثم بعد ذلك، يترك العفاة - أى الأقوياء - يتقاسمون بقية الغنائم، هذا الذى حدث، شيء عجيب، ويبدو أن من المسلمين ومن العرب على اختلاف أديانهم من يسهم فى إنجاح هذه المخططات، أكثرهم عن حسن نية، وعن غفلة، وعن غباوة وبلادة.
ما معنى أن يعلو الخطاب الإسلامى - وهو خطاب بلا شك غير عاقل وغير صاحٍ، غافل نائم لا يفقه شيئا عن مجريات الأمور والأحداث - ويتكلم بملء الفم عن حقوق أهل الذمة، وعن الأقباط على أنهم أهل ذمة، أهل ذمة ماذا يا مسكين، أنت مسكين، أنت تعيش فى القرن الأول والثانى والثالث والرابع الهجري، ذمة ماذا، هؤلاء مواطنون سعرهم بسعرك ثمنهم بثمنك، قامتهم بقامتك، انتهت الخلفية التاريخية التى أفرزت موضوع أهل الذمة، ومن يعطى الذمة ومن يأخذ الذمة ولن يعود إلى الأبد، هذا تفكير حالم.. تفكير منفصم مفصول عن الواقع أيها الإخوة، يريد إعادة الجزية ومنهم علماء كبار ويتحدثون عن الجزية، جزية ماذا يا أخي، متى يدفعون الجزية هم، تأخذ الجزية من ماذا، هل يدفعون الآن، هل يدفعون قبل مئة سنة، وأين عقد الذمة ومن يعطيه، نحن الآن فى ظل الدولة الحديثة، فى ظل الدولة الوطنية الحديثة.
من يعطى الذمة الآن؟
أتعرفون ما هى ذمة المسيحي؟ وذمة المسلم؟ الدولة، دولة المواطنة، الدولة هى التى تعطى الذمة للجميع، هذه ذمتنا، حتى النبى استخدم الذمة، بمعان مختلفة، ومتفاوتة، يقول المسلمون يسعى بذمتهم، من الذى أعطاهم الذمة؟ إسلامهم، عقيدتهم، أعطى للمسلمين ذمة، أنا أعيش فى ذمة المسلمين، فهمتم كيف، والمسيحى واليهودى والماجوسى يعيش فى ذمة المسلمين، خلفية تاريخية، أما اليوم فهناك دولة المواطنة، الدولة الحديثة، تعطى الذمة للجميع، بحسب مبادئ القانون، والسياسة المعمول بها، وترعى مصالح الجميع، وتوفر كرامة وأمن الجميع، هذه وظيفة الدولة، وحين تعجز أيها الإخوة عن أدائها، هذه الدولة تؤذن إذن بعجزها، بأن هذا المجتمع فعلا على كف عفريت، وأنه يمكن أن يتفتت وأن ينقسم على نفسه، وهذا الذى يحدث الآن، جزء كبير من أسباب ما يحدث الآن فى مصر.. ضعف الدولة، وضعف الحكومات، طبعا فيه فرق بين مفهوم الدولة وبين مفهوم الحكومة، الحكومة شيء يذهب ويروح، والمفروض ألا تُرتهن الدولة أبدا للحكومات، لا يمكن أن تأتى حكومة عاجزة وفاشلة وتسرق الدولة، بما فيها أجهزة الأمن، جهاز الأمن ليس للحكومة، بل جهاز دولة، يتبع الدولة، لا ينبغى أن يكون مرتهنا، بحكومة تذهب وتجيء، بأى عقلية نتحرك، لا أدرى شيء عجيب.
أيضا المفروض - وهذا درس كان ينبغى أن نتعلمه مبكرا - من القرن العشرين المنصرم، كان ينبغى أن ترفع الدولة يدها عن الكنائس وعن المساجد وعن الأزهر، تتيح حرية حقيقية أيها الإخوة للنشاط الديني، بحيث لا يكون النشاط الدينى مرتهنا للخطاب السياسي، للأسف هناك سوءة كبيرة صدقونى فى تاريخنا الإسلامي.
فى البداية، متى حكم الإسلام حقا وصدقا؟ فترات يسيرة من تاريخنا، حين حكم حقا وصدقا وأرضى الجميع، وأسعد الجميع، وارتفع بالجميع، لكن بعد ذلك ما حدث فى عصر آل فلان وآل علان، ولا يزال يحدث نسبيا فى ظل الدولة القُطرية الحديثة، أن هذه الدولة تضع يدها على الدين، ومؤسسات الدين، وتعيد إنتاج خطاب ديني، يخدم غايات سياسية، هذه كارثة، وبالتالى يفشل المواطن والمسلم والمسلمة العاديان أن ينمى حتى تجربة دينية حرة روحية مستقلة، ويصبح الدين نوعا من الطقوس والقشور أو نوعا من الثورة المكبوتة، وأحيانا المتفجرة التى تمزق المجتمع وتمزق الوحدة وتترك الناس أيضا فى حيرة وفى بلبلة من شأن دينهم وخطابهم، ومشكلات كبيرة كالذى يحدث الآن.
على الدولة أن ترفع يدها إذن، عن هذه المؤسسات الدينية وأن تتركها تعمل بحرية، من دون أن يكون لهذه المؤسسات غايات وأهداف سياسية، تريد أن تناطح بها الدولة، ممنوع، لا أدعو إلى علمانية، العلمانية شيء مختلف، لكن أدعو إلى خطة وسيطة عاقلة، يمكن أن ننقذ بها مجتمعاتنا ودولنا التى أصبحت تحت مبضع المقسم المُشَرّط، البلاد نراها تتساقط بسهولة وبسرعة أيها الإخوة، وليس لها عصمة، لا مصر ولا سوريا ولا المغرب ولا لليبيا ولا السعودية، ما فى عصمة الآن، انتبهوا!
واضح أن الأمر يعمل كأنه سكين فى زبد، بكل سهولة يقسمون هذه الأمة، الغائبة عن وعيها، الفاقدة لرشدها، أين الرد أيها الإخوة، وتجد مفكرًا هنا ومفكرًا هناك، ورجال دين هنا، ورجال دين هناك، والكل يؤجج فى النار بطريقة أو بأخري، بزعم أنه يقرر الحقائق، ويدمغ الباطل، ويساهم فى رفع مستوى الوعي، لكن أنت أيضا تصب الزيت على النار، أما من خطة بديلة، أما من ترتيب مختلف يا أخي، حتى يمكن أن نفلت من هذا المصير الأسود القاتم، الذى ينتظرنا، نحن هكذا أيها الإخوة ونعيش أسوأ الأوضاع، وأسوأ الأحوال، كيف إذا مزقنا إلى 60 دُويلة، متى سيلتئم شملنا؟!
ونعود إلى «كيفونيم» الصهيونية، تقول «حين تتفتت مصر، يسهل تفتيت ليبيا والعراق وسوريا ودول المغرب وغيرها»، إذن لا بد من تفتيت مصر، وذكروا أن رؤية لدولة قبطية فى صعيد مصر أمر ضروري، الصهاينة يخططون لهذا، والمستعمرون يخططون لهذا.
مصر فى القرن ال 19
انظروا إلى وضع الأقباط أيها الإخوة فى مصر فى أوائل القرن التاسع عشر، حين كتب المبعوث الإنجليزى تقريرا إلى وزير خارجيته، كان أيامها، «بال ميرستون»، كتب تقريرا محفوظا وموجودا، كتب إليه:
«إن مما يثير النظر ويلفته، أن الأقباط قريبون جدا من المسلمين، والمسلمون قريبون جدا منهم، وأكثر ما يظهر التقارب فى الأعياد الدينية، وقد وجدت أن الأقباط يبنون مساجد المسلمين، وأن المسلمين يبنون كنائس الأقباط»، قال: «ويبدو أن الفوارق الدينية آيلة إلى الزوال».
انسجام غريب جدا جدا، واندماج قوي، طبعا هذا أزعج «بال ميرستون»، هذا قبل الاحتلال طبعا، طبعا لا يريد هذا.. يريد العكس.
أما «جورج تانج» فى كتابه «مصر»، وأدعو إلى قراءته، فيتحدث حديثا مثيرا أيها الإخوة، حديثا عجبا، تحدث عن العلاقات الحميمة والتقاربات بين الأقباط وبين المسلمين فى مصر قال:
«حتى الأزهر يفتح أبوابه على مصاريعها للأقباط، ويدرسون فيه، قال الذى لم نكن نعرفه أن هناك رواقا للأقباط المسيحيين»، مثلما كان هناك رواق للشوام والمغاربة، يدرسون العلوم الشرعية فى الأزهر، والعلوم العقلية، مثل المنطق والحكمة، ومما يقوله جورج تانج:
«ممن تخرج من الأزهر أولاد العسال، عائلة قبطية كبيرة، وهم من أكثر الأقباط ثقافة وإطلاعا».
ثم ذكر «وهبى تادرس»، قال:
«وهبى تادرس الشاعر القبطى الشهير الذى يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب، ويكثر الاقتباس منه».
أما «العتر» أيها الإخوة وهو أحد الأقباط المفكرين المثقفين والعلماء، يقول «جورج تانج»:
«كان يحافظ على دروس المفتى الإمام الشيخ محمد عبده، سنة 1902، كان يجلس فى الصفوف الأولى يتعلم من الإمام محمد عبده».
هكذا كانت سماحة الإسلام وسماحة النصرانية فى مصر أيها الإخوة، فما الذى حدث، ما الذى تغير؟
لذلك حُق لنا أن نقلق من توتير الجو عبر علو نبرة بعض الإسلاميين، وعلو نبرة بعض الأقباط المسيحيين، علت النبرة هنا وعلت النبرة هنا، حين أسمع مسلما يتحدث عن حقوق أهل الذمة، أشعر بالرثاء له ولعقله ولفهمه للأمور وللدين أيضًا، فهو لا يفهم دينه ولا يفهم شيئًا، هذا عقله معتقل فى القرون الخوالي، يا رجل.. افتح عينيك، العالم تغير والدنيا تغيرت، ما بقى شيء اسمه جزية وأهل ذمة.
ستقول لى كيف! لكن هذه مصطلحات شرعية!! لا أحب أن أدخل فى نقاش فيها، لأن هذه الأمور تحتاج إلى ساعات، ولا أناقش فيها إلا العلماء، انتبهوا، لا أصطدم فيها بالعامة والمغافيل، لكن بالعلماء، نتناقش شرعيًا وتأصيليا حول هذه المصطلحات وحول مدى مصداقيتها.
هل تجوز عودة العبودية؟
لكى أقرب لكم المسألة إخوانى وأخواتي، أتعرفون كيف هذا كلام غير معقول وغير مقبول وغير صحيح وغير سديد؟ بقدر ما هو غير معقول وغير مقبول وغير صحيح وغير سديد، أن يأتى أحد الناس الآن فى مصر أو ليبيا أو تونس أو فلسطين أو أى مكان، يطالب بإعادة استعباد جماعة من الناس أو قبيلة من الناس، كأن يقول «هذه العائلة لا بد أن نعيد استعبادهم»، لماذا يا مولانا؟ يقول «لأن أجدادهم قبل قرنين أو ثلاثة قرون من الزمان كانوا عبيدا لأجدادنا»، نريد أن نعيد تشكيل الواقع، نريد أن نعيد إنتاج الواقع، استنادا إلى الخلفية التاريخية، أتقبلون هذا؟ ستقولون هذا جنون، ربما أنا أخرج من سلالة عبيد، ربما أنت تخرج من سلالة عبيد، فيعاد استعبادنا، والله شيء حلو، هكذا بعض الإسلاميين إزاء الأقباط فى مصر، يقولون أهل ذمة وجزية!
أأنت مجنون؟ ذمة ماذا وجزية ماذا؟ هذا أخوك فى الوطن، شريكك فى الوطن على قدم سواء، لا حكم لك عليه، يساهم فى هذا الوطن فى سلامه فى استقراره فى إنمائه فى المشاركة فيه وفى خيراته أيضا بنفس القدر كالمسلم، وليس أقل من ذلك، أما أن تتحدث عن ذمة وعن أهل جزية، إذن يمكن أن تسوغ إعادة استعباد الناس أيضًا، لأن الخلفية التى استعبد عليها الناس أيها الإخوة لم تعد موجودة الآن، والخلفية التى عقد على أساسها عقد الذمة لأقباط مصر، اختفت! منذ حين بعيد، إذًا لا جزية ولا ذمة. هذه مصطلحات فى ذمة التاريخ، مثل مصطلح الرقيق والعبيد والأَمَة ومِلك اليمين، انتهى كل هذا ونسأل الله أن يكون انتهى إلى غير عودة.
من سعادة البشرية وتقدمها أن ينتهى هذا إلى غير عودة، كما قال مفكر إسلامى كبير، هذا هو الفكر والعلم، قال هذا العالم:
«الإسلام ابتلى بمؤسسة الترقيق والعبودية»، ولذلك حاول أن يعالجها بذكاء وبربانية وبإنسانية، بحيث ينتهى بها بعد أمد قصير، طولّه المسلمون بغباوتهم، غباوة التوسع فى ملك اليمين والاسترقاق والاستعباد والشهوات وترك المهمة الرئيسية، وهى تطويق العالم بالتوحيد، للأسف.
فالإسلام عالج الاسترقاق أيها الإخوة بحيث ينتهى إلى ذوبان هذه المؤسسة وإلى إعدامها بإذن الله تبارك وتعالي، على كل حال هذا حدث ولو بعد قرون متمادية متطاولة، لكن إن شاء الله لن يعود، حدث وانتهى مرة واحدة، وبضربات وليس بضربة واحدة. هذا من جهة.. وبعض الإسلاميين يتحدث عن أهل الذمة والجزية.
للأسف الشديد؛ قرأت بيانا، لعلماء ودعاة مسلمين، لن أقول أين هم؟ هذا البيان تلقيته بالإيميل، طبعا قرأته وبعضكم قرأه، وهو أسعدنى أولا ثم أحزنني، بسبب هذا المستوى الذى ارتقينا إليه، طبعا البيان كان قصيرا بشكل لافت، يندد ويشجب ويستنكر بلهجة شديدة هذه الأعمال الإجرامية، ويصفها بالإرهابية أيضا، تلك التى وقعت فى الإسكندرية عشية ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، لكنه للأسف الشديد يقتبس آية فى موضعها تماما، «أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا فى الأرض..» هذا القبطى الذى تسببت فى قتله لماذا قتلته؟ هل قتل مسلما آخر؟ حتى ولو كان قتله، لست انت الذى تقتص منه، إنما الدولة، الدولة وإلا تكون مفتئتا على دولتك، الحكومة، ما دخلك انت؟
انتبهوا، لا يقل عن هذا الجمود وعن هذه اللامعقولية وعن هذه الغيبوبة فى الوعي، موقف إخواننا الأقباط أيضا، للأسف الشديد، الذين مذ صعود نجم «جماعة الأمة القبطية»، سنة 1952 فى ال11 من سبتمبر، على ما اعتقد، عندما أعلنت لحظة ولادتها، طبعا بعد ثورة يوليو بأشهر يسيرة، وإلى اليوم، لا يزال نفر غير قليلين من إخواننا الأقباط يرددون هذه الشعارات، وهذه المطالب غير الواعية، وغير المعقولة والانتحارية، التى تنحر مصر ووحدة مصر، وتاريخ مصر العريق، يقولون:
«نحن الأقباط لا يقولون حتى كلمة مصر لغتنا القبطية»، اللغة القبطية يا أخى لا علاقة لها بالإنجيل.. انتبهوا، ليست لغة دينية فى الأصل، هذه لغة المصريين والفراعنة القدماء، وقد تركها الإسلام ولم يحاول احتواءها ولا إحراجها، وظل أقباط مصر يتكلمون بها إلى منتصف القرن الرابع الهجري، 350 هجرية، هذه سماحة الإسلام، لكن الآن يراد أن يفهم الشعب القبطى أنها لغة دينية، لماذا؟ لا نريد العربية، إذن هى حرب على القومية وليس على الإسلام فقط، طبعا، وهم يأخذون موقفا متصلبا جدا ومحيرًا للأسف الشديد وانتحاريًا ينحر مصر من القومية العربية.
طبعا انتبهوا، هذا ما تطالب به إسرائيل، إسرائيل تطالب بأن تعادل الأقليات الدينية والإثنية والعرقية فى العالم العربي.. القومية العربية كما الإسلام، طبعا، فى الندوة التى عقدها «مركز بار إيلان للدراسات الاستراتيجية»، وشاركت فيها وزارة الخارجية الإسرائيلية وجامعات أخرى مثل «تل أبيب» وغيرها فى 92، تكلموا بهذه اللهجة بشكل واضح، قالوا:
«حلفاؤنا فى المنطقة ومصيرنا رهن بمصيرهم ومصيرهم رهن بمصيرنا هم الأقليات الدينية والإثنية والعرقية، علينا أن نشجعهم وندعمهم لمعاداة القومية العربية والإسلام معا»، طبعا تتمزق الأمة، طبعا ما فى أساس بعد ترك التوحيد، تمزيق هذه الأمة.. هكذا يخطط أعداؤنا، وهكذا نستجيب نحن، عن أو بلا سوء نية، رغم أنه متفاوت من واحد إلى واحد ومن جهة إلى جهة.
قالوا «نحن الأمة القبطية.. مصر بلدنا»، يعنى وحدنا، لا بد من طرد الغزاة المحتلين من العرب والمسلمين، انتبهوا، لغة مخيفة جدا، لا بد أن يطرد من مصر كل مسلم، وكل عربي، صحيح أن بعض المسلمين المصريين من أصول عربية، من أرومات عربية، لكن هم القلة الأقل والندرة الأندر، الكثرة الساحقة أيها الإخوة من مسلمى مصر هم من الأقباط، من الشعب المصرى الذين دخلوا عن طواعية بعد أن شرح الله صدورهم للإسلام، فهل تقول لى هؤلاء ضيوف؟
الآن بعضهم يقول هؤلاء ضيوف، خطاب جماعة الأمة القبطية، وخطاب بعض من ينتمى إليها إلى الآن طبعا ولها مؤسسات ووضعت يدها على الكنيسة، من سنة 71، فكما أقول لكم اقرءوا الخلفيات التاريخية بدقة، شيء مثير ومخيف ولافت، يقولون غزاة ومحتلون لا بد من كنسهم وطردهم، لغة مخيفة جدا، تثير المسلمين، كم نسبة الأقباط بحسب الإحصاءات الرسمية، وبحسب ما أعطته سلطات الاحتلال الإنجليزى فى وقتها أيها الإخوة، 5.8 إلى 6.8%، والآن من يزعم أنهم 10%، ومنهم من يبالغ ويقول نحن 20%.
طبعا بعض الناس يقول: ما العلاقة بين 6% أو 20%؟ فى الحقيقة من ناحية قانونية وحتى إسلامية، لو كانوا حتى واحدًا من عشرة فى المئة، حقوقهم كلها يجب أن تكون مصونة ومكفولة، انتبهوا، لا تنتقص حقوقهم لأنهم واحد فى المئة، هذا مبدئيا ما فيه كلام، لكن يوجد شيء خطير، إذا كانوا فى الحقيقة والواقع 6%، وهم الآن يزعمون أنهم 10 أو 20%، هذا سيحدث انكسارا حين نأتى أيها الإخوة لنسبر نسبة تمثيلهم فى البرلمان والوزارات والمؤسسات العامة، سيقال لك: انظر.. نسبة تمثيلنا كم.. مستحيل هذا لا يتناسب مع نسبتنا العددية، نحن 10% ونمثل بأقل من 2%، هذا ظلم يا جماعة، صحيح، ولذلك مسألة الإحصاءات يجب أن تكون دقيقة، وأن يُحتكم فيها إلى جهات متخصصة نزيهة لا يُسمح فيها بالزيادة والنقصان، فأن تقفز ال 6 إلى 10 وال 10 إلى 20، هذا غير صحيح، لأنه ستترتب عليه مشاكل.
من الذى أعطى الأمان والنجاة للبطريرك الأكبر للمسيحيين فى مصر بعد فترة حروب دامت 13 سنة، فى الصحراء والمغاوير؟ وهو البطريرك بنيامين، وأُخِذَ أخوه مينا، وعُذب وحُطمت أسنانه باللكم كما يقول التاريخ القبطي، وخرج دُهن جانبيه لماذا؟ لأنهما كانا يُحرقان بالمشاعل، من الذى يفعل هذا.. المسلمون؟ لا.. أبدا، مسيحيون آخرون مَلكانيون ينتمون إلى الأمبراطورية الغازية لمصر، الإمبراطورية الرومانية، يعذبونه لأنه يتبع أخاه الأب البطريرك بنيامين، يقول بالطبيعة الواحدة المسيح، أما المذهب الملكانى فيقول بالطبيعتين.
بنيامين أيها الإخوة وأقباط مصر معظمهم لا يقرون بمجمع خرخدونيا.. لا يعترفون به، والملكانيون يعتبرون أن الحق كل الحق فى مقررات هذا المجمع ومن يخالفها يذبح أو يغرّق فى الماء.
خرج الدهن من جنبى مينا، ثم عرض عليه عرض أخير أن يعود اعتقاده بالطبيعة الواحدة، وشجب قررات المجمع المذكور.. فلم يفعل، فكتفوه وربطوه بكيس فى رمل أيها الإخوة وغرّقوه فى النيل.
استقبال الأقباط لعمرو بن العاص
جاء عمرو بن العاص، فتح مصر، واشتبك مع من؟ مع الأقباط.. أبدا، حيّوه أيها الإخوة، وفرحوا به جدا، ورأوه وجنده كما يقول «يوحنا النيقيوسي»، مددا من عند الله.. يخلّصهم من هؤلاء الغزاة المستعمرين القتلة الذين منعوهم كنائسهم، وديارهم، وخرّبوا بيوتهم، أربعة آلاف جندي، ومصر كانت تعد من 9 إلى 10 ملايين، فكيف فتحها بأربعة آلاف؟ لأن الشعب كان معه، الشعب القبطى كله، وجاء الأب بنيامين، واستقبل استقبالا حافلا، وجاء أكثر من 13 ألف أسقف ورجل دين وراهب، وكانوا هاربين فى المغاوير والصحاري، جاءوا يحملون المشاعل يحتفلون بيوم التحرير. يقولون «ولم يأخذ عمرو بن العاص أو رجاله شيئا واحدا من كنائسنا، أعطونا كل ما بأيدينا»، هذا هو الإسلام، لماذا يُنسى هذا الآن، ويُراد تشويه الإسلام على نحو مختلف أيها الإخوة!
عمرو بن العاص فى يوم من الأيام، ترفع إليه عجوز قبطية شكاية فيه إلى عمر بن الخطاب فى المدينة المنورة، على منوّرها ألف تحية ومليون سلام، فيكتب إليه يستفصله ويتحقق، فإذا بكلام العجوز القبطية صحيح، يقول عمرو بن العاص:
«يا أمير المؤمنين، لقد زاد عدد المسلمين، وضاق عنهم المسجد، فعرضنا عليها مالا وفيرا، أبلغنا فيه - أى أكثر من ثمن بيتها الصغير فأبت فهدمنا البيت وأدخلناه فى المسجد وبنينا بناء جديدا، ووضعنا ثمن بيتها على ما عرضناه فى بيت المال لتأخذه متى شاءت».
فكتب إليه عمر:
«إذا جاءك كتابى هذا.. فاهدم البناء الجديد، وأعد إليها بيتها كما كان، والسلام»، وهكذا كان.
مع أن الدول لها الحق فى هذا، صحيح، الحكومات تفعل هذا عادى فى كل العصور، لكن دولة الإسلام لا تفعل هذا، إنها عدالة الإسلام، إنها رحمة الإسلام.
يوم جاء الصليبيون إلى شمال مصر، دمياط، جاءوا سنة 615 فى حملة صليبية، أبادوا كل من بالبلدة، لم يبق شيء بكبد رطب أيها الإخوة ينبض فيه عرق حي، محوا كل ييء، وقيض الله بعد 3 سنوات فقط، الملك الكامل الأيوبى ليسترد دمياط منهم ونصره الله عليهم وحكمه فيهم، فماذا فعل؟ هل ذبحهم كما ذبحونا؟ كلا، أحسن إلى أسراهم، وأطعمهم طعام جنده، وكان يبعث كل يوم 30 ألف رغيف إلى جيشهم الذى يتضور جوعا، من عنده لوجه الله. قال
«كلوا حتى لا تموتوا وتهلكوا».. رحمة الإسلام.
تقول «ريجريد هونكه» المؤرخة الباحثة الألمانية الشهيرة، تقول:
«ووقف الأب والفيلسوف واللاهوت الألمانى ليفريوس يصيح كما كتب.. بحق السماء.. من ذا الذى يشك أن هذا الكرم وهذه السماحة كلها ليست من عند الله تبارك وتعالي».
يقول: «هذه أمة ربانية، هذه تصرفات إلهية».
وصدق الله العظيم: «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، نحن خير الناس للناس، نحن أرحم الناس بالناس، أعدل الناس فى الناس، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لذلك أيها الإخوة، ألخص فى جملة واحدة مصير مصر كما قلت للأسف الشديد.. صار رهنا بين تطرفين، التطرف الإسلامى الذى نشجبه، والتطرف القبطى الذى نطلب من إخواننا الأقباط أن يشجبوه، حتى تنجو مصر وتستمر أيها الإخوة.. فى مسيرتها إن شاء الله بأمان وإلى بر الأمان. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.