لا يخلو خطاب من خطابات الرئيس السيسى من رسائل يوجهها إلى الشباب لإيمانه القوى بأن عجلة البناء والتنمية لا تدور إلا بأفكارهم وسواعدهم فضلاً عن كونهم خط الهجوم الأول وخط الدفاع الأخير فى معركة مصر من أجل البقاء، إلا أن هذه الرسائل يبدو أنها لم تصل إلى الشباب بالصورة المطلوبة، رغم الإعلان الرئاسى المهم والفاصل والدقيق باختيار التاسع من يناير من كل عام ليكون يوم الشباب المصرى، واختيار عام 2016 كعام للشباب فى مصر. والأسئلة البديهية التى تطرح نفسها الآن: «ما سر الفجوة بين توجيهات الرئيس بأهمية الاستعانة بالشباب فى مختلف الوزارات والمحافظات وبين ما تنفذه الحكومة على أرض الواقع بشأن الاستعانة أو حتى الارتقاء بهؤلاء الشباب؟»، و«هل ترى أن الدعوة الرئاسية للاهتمام بالشباب آتت ثمارها؟»، و«ولماذا لا يكون لدينا وزير شاب؟»، و«ما المردود المتوقع للبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة على الشباب؟»، «وما الفرق بين المعهد الاشتراكى أيام الرئيس جمال عبدالناصر أو جمعية جيل المستقبل لجمال مبارك؟»، و«إلى متى يذكر الرئيس السيسى الشباب المعتقلين دون التحرك للإفراج عنهم؟». • التمكين قبل الإدماج فى البداية، رأى الخبير الإعلامى والمستشار فى مجالات الاتصال والإعلام ياسر عبد العزيز، أن هناك حاجزًا نفسيًا بين الشباب والدولة ممثلة فى مؤسسة الرئاسة والحكومة لا يجب إغفاله، موضحًا أن هذا الحاجز يستطيع الرئيس أن يزيله ببعض الإجراءات والقرارات الشجاعة التى تقع فى نطاق صلاحيات الرئيس الدستورية، ومنها إصدار عفو عن الشباب الذين أدينوا فى قضايا مثل التظاهر الذين لم يثبت ارتكابهم جرائم عنف بالإضافة إلى توسيع مجال الحريات. وأعرب عن اعتقاده أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تسهم فى إزالة هذا الحاجز النفسى، وبالتالى يظهر أثر الإنجازات الفعلية المتعلقة بشريحة الشباب فى المجتمع. وبسؤاله: «هل من واجبات الرئيس متابعة توجيهاته الخاصة بالشباب أم هو دور الحكومة؟»، أجاب عبد العزيز: «لست من أنصار أن الرئيس لديه تصور سليم وسياسة فعالة، وأن الحكومة لا تلتقط ما يريده أو لا تنفذ الاستراتيجية المطلوبة منها، فالرئيس هو رئيس السلطة التنفيذية ولديه كامل الصلاحيات والسلطات اللازمة لكى يرسم إيقاع هذه السلطة»، مبينًا أن أى تراخ أو ترد فى أداء السلطة التنفيذية هو مسئولية الرئيس الذى يتوجب عليه التدقيق فى اختيار المعاونين والكوادر اللازمة لتحقيق رؤيته. وبشأن الاستعانة بالشباب فى الوزارات أو المحليات، قال: «لست من أنصار فكرة توزيع عدد من الشباب على بعض الوزارات فى مراكز قيادية أو شبه قيادية، عندما تقرر الدولة التعبير عن توجه إيجابى تجاه الشباب»، موضحًا أن الطريقة التى تكسر الحاجز النفسى لدى الشباب تتمثل فى خلق مناخ قائم على أسس موضوعية ومعايير شفافة، فضلاً عن استحداث آليات عادلة ومعيارية وقياسية وتنافسية فى المجال العام والخاص، ومن ضمن هذه الآليات أن تصل الأطراف ذات القدرة والكفاءة إلى المواقع التى تستحقها بصرف النظر عن سن هؤلاء الأطراف سواء كان شابًا أو أكبر قليلاً. ولفت الانتباه إلى أن تعيين رئيس للوزراء فى سن الثامنة والثلاثين عامًا فى بعض البلدان الأوروبية، لا يعنى أن الملك أو رئيس الدولة قرر أن يعطى فرصًا للشباب، ولكن لأن المناخ سمح بإطلاق الطاقات الإيجابية فى المجتمع بصرف النظر عن السن. وعن جدوى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، أفاد الخبير الإعلامى بأن البرنامج فى حد ذاته إيجابى، لكن المحك يكمن فى مراقبة كيفية اختيار المشاركين فى هذا البرنامج، وقياس مدى فاعلية محاوره وعصرية موضوعاته، فضلاً عن متابعة ما إذا كان الإعداد فى هذا البرامج يركز على قدرات الشباب ومهارتهم بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية أم أن هناك شكلاً من أشكال الإعداد الدعائى أو التعبوى فقط بالبرنامج ثم تحليل النتائج المترتبة على انخراط الشباب فيه. وتابع قائلا: « إذا خرجنا بنتائج مرضية بعد المراقبة والقياس، فإن هذا البرنامج سيكون سليمًا وفعالاً ويؤدى دوره فى تخفيف الاحتقان، وإزالة الحاجز النفسى بين الشباب والدولة، بالإضافة إلى تهيئة طاقات هؤلاء الشباب وتمكينهم». وفيما يخص مسألة تمكين الشباب، ومَن هؤلاء الشباب الذين يجب تمكينهم، وما هى آليات التمكين، عدّ عبد العزيز البدء فى مشروع لتمكين الشباب الآن دون تمكين المواطن، اختيار أولوية خاطئة، فالحل الآن ليس فى مسألة التمكين بل فى إدماج الشباب. وأعرب الخبير الاعلامى عن قناعته أن الذهاب إلى التمكين قبل الإدماج هو حرق مراحل وبناء بدون أساس، ولا جدوى من تمكين شباب يشعرون بالغربة فى وطنهم، منوهًا بأن الشباب الآن لا يشكون من عدم التمكين بل يشكون من الاغتراب وفقدان الأمل، وبالتالى لابد من إدماج هؤلاء الشباب، وإشعارهم أن هناك أملاً فى البقاء فى وطنهم، ووضعهم على بداية الطريق الصحيح، وجعلهم يقفون على أرض صلبة ثم تأتى بعد ذلك مسألة تمكينهم. • مقارنة ظالمة وقالت أستاذة الاجتماع بكلية التربية جامعة بورسعيد الدكتورة نادية رضوان: «لا أنكر أن الدولة تبذل جهودًا حثيثة ومضنية ومستميتة لدفع عجلة التنمية للأمام والنهوض بالكثير من القطاعات بما فيها الصناعة والزراعة والاستثمار وغيره من القطاعات التى تصب تنميتها ونهضتها فى صالح المجتمع الذى يشغل الشباب فيه شريحة عريضة ولا يستهان بها، إلا أننى لست متعاطفة مع تعمد الطنطنة باسم الشباب فى الخطب مما يعكس نوعًا من الاستقطاب أو الاستمالة التى لا طائل منها». وأشارت إلى أن الدولة لها حقوق وعليها واجبات وكذلك الشباب لهم حقوق وعليهم واجبات، فإذا كانت الدولة تقوم بدورها فإن دور بعض الشباب يتوقف عند الشكوى التى تستغلها بعض المنابر الإعلامية لإشعال الحرائق من أجل الاختلاف أو الشهرة أو تنفيذ أجندات غير معروفة، مما يدفع بهؤلاء الشباب إلى السلبية واللامبالاة وقد يصل الأمر إلى حد اليأس. واعتبرت رضوان وجود وزراء شباب فى تشكيل الحكومة فكرة جيدة لكن يشوبها الاستعجال وخاصة أن الشباب تنقصهم الخبرة الكافية وإمكانيات اتخاذ القرار المناسب مقارنة بالوزراء الأكبر سنًا الذين لديهم خبرات تراكمية وتجارب متعددة. وأعربت عن اعتقادها أن تشكيل الحكومة بكامل وزرائها من الشباب، لن يكون الحافز أو الدافع القوى الذى يبعث روح الأمل فى الشباب الذين يعانون بالأساس فى مدنهم وقراهم ونجوعهم من الفقر والمرض والبطالة والعشوائيات والفكر المتطرف»، مشيرة إلى أهمية الارتقاء أولاً بالمستوى المعيشى والتعليمى والصحى والمهنى لكى يعيش حياة إنسانية كريمة، وبعدها تأتى مرحلة إعطائه الفرصة لكى يتولى المناصب القيادية والوزارية بشرط التدريب والخبرة. • الفصل بين الأجيال إثارة الإحباط وقال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة الدكتور عبدالمنعم المشاط: «إن الشباب فى مصر يمثل 65% من السكان، ومن الطبيعى أولاً أن يتم تركيز السياسات العامة على هؤلاء الشباب، وثانيًا أن يتم تحقيق تنمية مستدامة فى المجالات كافة من خلال توظيف واستثمار طاقات الشباب الإنتاجية والإبداعية. ورأى المشاط أن هناك انفصالاً تامًا بين ما يعلنه الرئيس السيسى بشأن الاهتمام بالشباب وما تنفذه مؤسسات الدولة، فالرئيس اختار عام 2016 ليكون عام الشباب، مخاطبًا الشباب بالفعل إلا أن أجهزة الدولة المختلفة بما فيها الأجهزة السيادية لا تهتم كثيرًا بالشباب، مما يؤدى بهم فى نهاية الأمر إلى درجة مرتفعة من الاغتراب، والإحباط واللامبالاة وعدم الاهتمام. وأضاف أن عدم الاهتمام بالشباب يؤدى أيضًا إلى درجة كبيرة للغاية من عدم الولاء، لافتًا الانتباه إلى أن الدول النامية المتميزة الآن مثل سنغافورةوماليزيا تم بناؤها بطاقات الشباب وبالولاء، الذى لا يمكن أن يُبنى ويزرع فى نفوس الشباب إلا إذا شعروا ليس فقط بالاهتمام بل بأن السياسات العامة للدولة تحقق مصالحهم وطموحاتهم. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن الفجوة بين توجيهات الرئيس بأهمية الاستعانة بالشباب وبين ما تنفذه الحكومة، تكمن فى سببين، أولهما ضعف درجة الالتزام بمستقبل الشباب من قبل مؤسسات الدولة، وثانيهما أن هناك صراعًا داخل هذه المؤسسات حول ما إذا كان هؤلاء الشباب ينتمون إلى ثورة 25 يناير أم لا، فإذا كانوا كذلك فلا يتم الاهتمام بهم. وشدد على أن هذه القضية خاسرة سياسيًا تمامًا لأن الشباب الذى شارك فى ثورة 25 يناير وفى ثورة 30 يونيو هو شباب مصر، ولم يشارك إلا لأنه مصرى وينتمى ويحب ويتفانى فى خدمة هذا الوطن، وبالتالى يتوجب على مؤسسات الدولة المختلفة ليس فقط أن تستجيب لتوجيهات الرئيس وهذا واجبها، وإنما أن تعدّل أيضًا من توجهاتها السياسية تجاه الشباب. وبشأن عدم ثقة الكبار فى الشباب لقلة خبرتهم وفى المقابل استنكار الشباب على الكبار الاستحواذ على المراكز القيادية، أكد المشاط أنه لا يمكن بناء الأمم بعزل طائفة عن أخرى، الشباب يقومون بدورهم، وكذلك كبار السن يقومون بدورهم أيضًا، وليس لأحد فضل على الآخر إلا بالعمل والإخلاص والإنجاز. ونوّه أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بأن الفصل بين الأجيال مسألة عبثية ومتعمدة لإثارة الإحباط لدى الأجيال الجديدة باعتبارهم المستقبل سواء أردنا أم لم نرد، وبالتالى يفضل تشجيعهم وإعطائهم الفرصة بصورة اختيارية. • تأهيل الشباب لسوق العمل غائب فيما بدأ أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور سامى عبد العزيز، حديثه بالتساؤل: «هل الشباب فى مصر الآن لديه الاستعداد للعمل فى مهن يدوية فنية؟، وهل هؤلاء الشباب لديهم الاستعداد على تقبل التدريب التحويلى حتى لو كان خريج كلية تجارة أو حقوق؟»، معربًا عن اعتقاده أن الإجابة عن هذين السؤالين لن تكون مرضية فى وقت لا يزال فيه الشباب يعتبرون الشهادة غاية فى حد ذاتها. وأوضح أن اتحاد شركات المقاولين وصناعة التشييد فى ماليزيا، يُحَصِل رسومًا من الشركات العضوة فى الاتحاد، واللافت للنظر أن40% من هذه الرسوم توجه لتدريب وتأهيل الشباب المتعلم على أعمال البلاط والتبليط والنقاشة، كما يحصل على شهادة مهنية، ولا يستطيع أحد غيره أن يعمل فى هذا المجال إلا إذا كان لديه هذه الشهادة المهنية. وأشار عبد العزيز إلى أن جهود الاتحاد الماليزى تعكس ثقافة مجتمع، وبالتالى المسألة ليست فى توجيهات الرئيس للاهتمام بالشباب أو تقاعس الحكومة عن تنفيذ هذه التوجيهات، ولكن المسألة فى استعداد الشباب للعمل، وفى قدرة هؤلاء الشباب على بداية حياتهم العملية بأنفسهم حتى يصلوا إلى مناصب الإدارة والقيادة بالتدرج واكتساب الخبرة دون انتظار أن تكون البداية من جانب الدولة. وبشأن دور الدولة فى تأهيل الشباب لسوق العمل، بيّن أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هذا الدور يكاد يكون غائبًا تمامَا لدرجة أنها استحدثت وزارة للتعليم الفنى ضمتها إلى وزارة التعليم ثم تراجعت عن هذه الخطوة دون أن تنشر التعليم الفنى فى مصر، ناهيك عن النقابات مثل نقابة التجاريين التى لا تقوم بأى دورات تدريبية لتأهيل شباب التجاريين، داعيًا إلى تضافر جهود مؤسسات الدولة مع القطاع الخاص والجامعات لتدريب الشباب وتأهيلهم بشكل عصرى. وأعرب عن أسفه تجاه تعمد إظهار الشباب فى الدراما المصرية إما شباب نوادٍ أو شباب منحرفين أخلاقيًا، مستغربًا: «أين الشباب المكافح فى الدراما المصرية؟». وطالب أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة بضرورة أن تستثمر الدولة مع شركات وكيانات متخصصة فى تأهيل وتدريب الشباب بشكل محترف، وضرورة المساعدة فى إعادة نظرة الشباب لمفهوم الحياة، وضرورة أن يدخل الفن مؤيدًا لهذا التوجه. •