ستون عاماً من العطاء، خلية نحل تعمل على قدم وساق فى مجالات البحوث الاجتماعية المختلفة، وأجيال تتعاقب لتسلم بعضها منارة البحث ليكون هذا المبنى الشامخ طاقة نور لصانعى السياسات فى مصر. هو المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذى احتفل بمرور ستين عاماً على إنشائه فى المؤتمر السنوى السابع عشر له تحت عنوان «المسح الاجتماعى الشامل للمجتمع المصرى.. قراءة مستقبلية» برعاية د.غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى ورئيس مجلس الإدارة.. وبرئاسة الدكتورة نسرين البغدادى مديرة المركز. وشارك فيه أساتذة المركز من جميع الأجيال، وكذلك مفتى الجمهورية شوقى علام والدكتور على جمعة المفتى السابق.. وقد بدأ المؤتمر بتكريمهم وتكريم عدد كبير من الشخصيات العظيمة التى أثرت مجال البحث العلمى الاجتماعى والجنائى بالمركز من الهيئة البحثية والجهاز الإدارى.. وتم على مدار ثلاثة أيام مناقشة سبعة محاور أساسية تمثل قضايا المجتمع من الأسرة المصرية وتحولاتها عن طريق رصد الراهن واستشراف المستقبل، والتعليم والوضع الراهن للأمية وسياسات مواجهة التسرب من التعليم، والنظام الصحى، والفنون والآداب والإعلام، والأمن والعدالة، والاقتصاد والسياسة، والسكان والإسكان فى المدن الجديدة.. مجهود واضح فى أوراق بحثية قيمة، ركزت على دور الدراسات الاجتماعية وأهميتها فى وضع السياسات الاقتصادية والسياسية جنباً إلى جنب لتحقيق الأهداف.. وتقدم بها المحاضرون من أساتذة المركز، وكان للشباب منهم مساحة كبيرة على المنصة بجانب أساتذتهم الأكبر سناً. وكان لنا حوار مع مايسترو هذه المنظومة المتناسقة الدكتورة نسرين البغدادى مديرة المركز... • أين ترين هذا المركز اليوم بمجهوداته البحثية من اهتمام صانع القرار؟ وهل تم إغفال دوره فى الفترة السابقة؟ لم يكن طوال السنوات الماضية دور المركز مفعلاً، بل إن فكرة إنشائه عام 1955 كانت لإدراك كل صانعى القرار فى هذه الفترة - التى واكبت ثورة يوليو - أهمية البحث العلمى الاجتماعى، فى صنع السياسات التى كان يجب تدعيمها وإرساؤها فى تلك المرحلة الانتقالية، وأيضاً دراسة كل الظواهر السلبية الناتجة عن الثورة، وكان يتم الاستعانة بالدراسات طوال الستين عاماً الماضية فى العديد من المجالات. وقد تمت صياغة البرنامج العلمى للمركز وفقاً للرؤية التى طرحها الرئيس فى خطابه الشهير بعد تنصيبه رئيساً للجمهورية وتم أخذ كل القضايا الموجودة على أرض الواقع، وبدأنا بتنفيذ هذا، حيث بدأنا بظاهرة أطفال الشوارع، والزيادة السكانية والمحددات الثقافية لذلك، وأجرينا المسح الشامل فى كل المجالات لرسم السياسات، ومعنا اليوم كما ترين ممثلون من الوزارات وتنفيذيون. • ما أهم إسهامات المركز فى الفترة الماضية التى أثرت فى قرارات صانعى القرار؟ فى الفترة الأخيرة تمت الاستعانة بالمركز من خلال استطلاعات الرأى التى أجراها حول المواد الخلافية فى الدستور والنظام البرلمانى الأمثل، وإلغاء نسبة العمال والفلاحين، وإلغاء مجلس الشورى، وحول بعض قضايا الأحوال الشخصية مثل قانون الخلع، ومنح الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية، وفيما يخص العديد من التشريعات فى مجال بحوث المخدرات والبرنامج الدائم لبحوث المخدرات بالمركز، وهو مقدر على المستوى العالمى وله فى الأممالمتحدة تقدير خاص، ويتم تقديم الرؤى وفقاً للبحوث وللمسوح التى يجريها المركز والدراسات التى يجريها، وفى الفترة الأخيرة أجرى المركز المسح الشامل لأطفال الشوارع التى أظهر فيها الرقم الذى صحح كل الأرقام التى ترددت دون أساس علمى، ولكن المسح وضع الحقيقة كاملة أمام صانع القرار، وعددهم 16019 طفلاً وليس «ملايين»، ومن ثم تم اتخاذ قرارات فورية من رئيس الوزراء، فيما يخص استجابات لهؤلاء الأطفال، فنصف الذكور من هؤلاء الأطفال يحبون ممارسة كرة القدم، وبالتالى فتح مراكز الشباب لهؤلاء الأطفال، فى حركة وصل ما بين الجمعيات الأهلية التى أرشدت عن هذه الأطفال وبين صانع القرار، وهناك نسبة من الأطفال تهتم بالموسيقى والتلوين فتم فتح كل قصور الثقافة لهم، وهناك أيضاً نسبة لا تملك أوراقاً ثبوتية فتم التواصل بيننا وبين وزارة التنمية الإدارية لأخذ بيانات هؤلاء الأطفال بالتعاون مع وزارة الداخلية والجمعيات الأهلية لاستخراج أوراقهم الرسمية وهو ما يعكس أن هناك رؤية من قبل صانع القرار للدراسات العلمية وآذاناً صاغية. • ما الجديد فى هذا المؤتمر؟ كان المركز دائماً ولا يزال سباقاً فى إجراء الحوار المجتمعى، ليكون جسرا ما بين المواطن وصانع القرار فى إطار علمى متخصص، واليوم أشعر بحالة من الزهو بهذا الصرح العلمى الزاخر بطلابه وباحثيه وأساتذته فنضع ونناقش أسساً جديدة لسياسات تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع، حيث تمت ملاحقة القضايا المجتمعية وتقديم دراسات جادة لصانع القرار وذلك عن طريق طرح سياسات لمواجهة القضايا الاجتماعية مع الاهتمام بإبراز دور البحث الاجتماعى فى صياغة تلك السياسات وترشيد صناعة القرار وكذلك توقيع العديد من بروتوكولات التعاون المشتركة مع جهات متعد دة. • فى ظل الأصوات المتطرفة المتواجدة اليوم على الساحة، ما رؤيتك للدور التوعوى المنوط بمؤسسات الدولة؟ لابد من الاهتمام بتصحيح الخطاب الدينى، ونشر الوعى والثقافة، لمواجهة مشكلات المجتمع، فتقدم المجتمع المصرى لن يحدث إلا من خلال رفع الوعى المجتمعى وتثقيف الرأى العام، وفى المركز سيتم توقيع بروتوكول تعاون مع دار الإفتاء المصرية لإمدادها بالظواهر الاجتماعية التى يتم الترويج لها باسم الدين. • ما هو حلمك للمركز؟ الأمل يحدونى - ونحن مؤسسة وطنية لم تتلق على مدار تاريخها الطويل تمويلا أجنبيا لتوفير أرض - لنقل المركز لبنايات واسعة ليكون المكان أكبر للعمل ولتوسيع أنشطة المركز وإعداد الباحثين الذين يتعاملون مع المركز، وأتمنى أن تكون هناك فروع فى العديد من البلاد العربية للمركز فى إطار من «الدبلوماسية العلمية»، لما له من ترسيخ لدور مصر العلمى. • رد علمى ضد الإرهاب أكد الدكتور على جمعة المفتى السابق للديار المصرية أن هذا المؤتمر هو أحد الردود العلمية على الهجمات التى تعرض لها المصريون للقضاء على آمالهم والجيش قادر على ردع الإرهاب، وأشاد بدور المركز فى الوصف الدقيق للواقع وإنارة الطريق أمام صناع القرار، وأكد مفتى الديار المصرية شوقى علام أن التاريخ المصرى خير دليل على أن مصر ستظل حامية العروبة والإسلام ولن يتأثر الدين بهؤلاء الخوارج، كما ألقى اللواء محسن اليمانى مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للأموال العامة أن مصر ستظل قوية فى مواجهة التحديات والأزمات التى تواجهها، وأكد المستشار العنانى عبدالعزيز رئيس هيئة النيابة الإدارية أن مصر ستنتصر على كل من يريد النيل منها. •