84 ساعة داخل حلف «الناتو» تجربة مثيرة، صحبنى فيها 17 من زملاء المهنة من الصحفيين والإعلاميين يمثلون الوفد الصحفى المصرى الذى دُعى لزيارة الحلف، والتعرف على أنشطته، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور 02 عامًا على الحوار المتوسطى، أحد أهم أنشطة الحلف، و«الناتو» لمن لا يعرفه فهو التحالف العسكرى الدولى الأكبر والوحيد المعترف به تأسس 1949 من 28 دولة، لصد أى عدوان يقع على أى منها.وللحلف عدد آخر من الدول الشركاء، ومصر شريك مهم للتحالف هذا ما قاله لنا مسئولو الحلف، وفى السنوات الأخيرة اتجه «الناتو» ليلعب دورًا سياسيًا مهمًا لدعم قضايا المجتمع الدولى. وأهمية الناتو أنه المعنى بالتدخل العسكرى لإنقاذ أى دولة يحدث بها صراع داخلى أو خارجى بموافقة المجتمع الدولى وبناء على طلبها.
عند اللقاء بمسئولى الناتو وبداية المحاضرات احتدمت المناقشات بين الوفد الصحفى المصرى وخبراء ومستشارى الناتو مابين أسئلة هجومية من جانب الوفد الصحفى المصرى للاستفسار عن سياسة الناتو.. حيال القضايا العربية، خاصة ليبيا وسوريا وفلسطين، وكانت مصر هى محور الاهتمام بالطبع، وإجابات دبلوماسية وأحيانًا ساخنة للدفاع عن سياسة الناتو فى المنطقة من قبل المسئولين، وبين جولات الهجوم والدفاع بين الجانبين، كانت هناك اعترافات جريئة لمسئولى الناتو يصرحون بها للمرة الأولى.
بدأت تلك الاعترافات، بأن لمصر دورًا بارزًا فى العالم عامة، والعربى خاصة، وأنه لابد من عودتها لمكانتها، وذلك على إثر هجوم الوفد الصحفى من موقف الحلف تجاه 30 يونيو كثورة شعبية، ونفى نائب السكرتير العام للحلف أى تصريح ينسب للحلف بأن ما حدث فى 30 يونية انقلاب، مؤكدًا أن مصر شريك أساسى للحلف فى الحوار المتوسطى، وأنه يتم توسيع نطاق التعاون والشراكة فى الفترة القادمة، خاصة فى برنامج «العلم من أجل السلام» أحدث البرامج داخل الحلف والمعنى بمكافحة الإرهاب، والتبادل المعرفى والخبرات بين الدول من خلال التعليم، الطب، حظر أسلحة الدمار الشامل، وبرنامج الكشف عن الألغام.
أما الاعتراف الأكثر إثارة للجدل فكان ما أثير حول القضية الفلسطينية، وقد تساءل الوفد المصرى عن أسباب انحياز «الناتو» لإسرائيل دون الفلسطينيين، وقد أكد مسئول رفيع المستوى معنى بقضايا الشرق الأوسط، بأن موقف الحلف متزن فيما يتعلق بالتسوية بين إسرائيل وفلسطين، وأن هذا الاعتقاد الخاطئ من قبل الرأى العام العربى مصدره ارتباط صورة الناتو فى الأذهان بالولايات المتحدةالأمريكية، موضحًا أن أمريكا عضو مهم بالحلف إلا أنها تُعد أحد الأعضاء فقط من 28 عضوًا، وأن القرار داخل الحلف يتخذ بالإجماع، وأن الحلف يؤيد ما جاء فى اتفاقية «أوسلو» لإقامة دولتين، وردًا على سؤال حول عدم تدخل الناتو فى عملية السلام، أكد المسئول أنه لم يطلب من الحلف التدخل من قبل جميع الأطراف، وأنه ليس بإمكانهم التدخل دون الطلب منهم، وأن الحلف صرح سابقًا بأنه مع حل الدولتين وآخرها فى وثيقة أسطنبول.
وحول الأحداث الحالية فى ليبيا ومكافحة الإرهاب هناك احتدام النقاش بين الوفد المصرى ومسئولى الحلف، حيث اتهم الوفد «الناتو» بمسئوليته عن انتشار الأسلحة فى أيدى الجماعات المتطرفة، وقُصر مهمته على إسقاط نظام القذافى، دون الاهتمام باستقرار الأوضاع هناك، وخلف وراءه مخازن أسلحة القذافى متاحة لتلك الجماعات، وتساءل الوفد عن مسئولية الناتو.. عن تهريب السلاح الخفيف عبر الحدود الليبية، وإذا كان هذا يُعد نجاحا له فى ليبيا أم لا؟! خاصة أن انتشار السلاح أثر سلبًا على حق حماية المدنيين الليبيين الذى من أجله أقيمت العمليات العسكرية للناتو، وإسقاط نظام القذافى وقد انعكس هذا الأثر أيضًا على مصر، حيث إن عمليات عدائية تستهدف العاملين المصريين بليبيا خاصة الأقباط منهم؟!
غير أن المسئولين فى الناتو يعتبرون أن العملية فى ليبيا ناجحة وفقًا لقرارات الأممالمتحدة والجامعة العربية، والليبيون أنفسهم وإن كان هناك بعض الأخطاء فأنها غير مقصودة، وأنهم استجابوا لعدم البقاء داخل ليبيا بعد انتهاء مهمتهم وتمكين قادة الثورة من السلطة، وأن ما يحدث فى ليبيا نتيجة طبيعية لغياب دولة المؤسسات فى ليبيا بعكس مصر التى تمتلك مؤسسات قوية تمنحها الاستقرار السياسى، وأنهم فى الحلف طلبوا البقاء لمساعدة الليبين فى إقامة تلك المؤسسات مثلما حدث فى أفغانستان، غير أن قادة الثورة فى ليبيا رفضوا وكانوا يتوقعون قدرتهم على بناء تلك المؤسسات دون مساعدة أحد!
وقد طلب الوفد المصرى التنسيق بين الناتو وليبيا من خلال برامج «العلم من أجل السلام، لضبط الحدود، وبناء دولة المؤسسات»، غير أن المسئولين أكدوا أن هذا غير متوافق فى تلك المرحلة بسبب عدم وجود إمكانيات وخبرات لذلك داخل ليبيا، بعكس مصر التى تُعد نموذجًا جيدًا لذلك، وصرح مسئول رفيع المستوى، أن مسألة ضبط الحدود محل دراسة داخل الحلف، وأن هناك عددًا من المشروعات التدريبية وتبادل الخبرات من خلال برنامج «العلم من أجل السلام» سيقيمها الحلف مع مصر من أجل مكافحة الإرهاب ومن أهمها مرحلة أخرى للكشف عن الألغام، وتأمين خط أنابيب الغاز فى سيناء.
وانتهت 48 ساعة فى أروقة الناتو، بتصريح خاص ل«صباح الخير» من مستشارة مكافحة الإرهاب فى الناتو أن هناك برامج علمية جديدة لمكافحة الإرهاب، تعمل على إدماج مناهج مكافحة الإرهاب فى التعليم الوطنى، وإيجاد حلول علمية بديلة لتطوير البيئة فى الشرق الأوسط، ومنع الانتشار النووى، ونزع السلاح، ومن أهم البرامج المتاحة لمصر، برامج الطاقة الخضراء وإيجاد ابتكارات بديلة لحل مشكلة المياه حال بناء سد النهضة.
وقد صرح السفير إيهاب فوزى- سفير مصر فى بروكسل- أن تعاون مصر مع الحلف سياسى وليس عسكرياً، لأن مصر لديها التحفظات على الأحلاف العسكرية، وأنها أى مصر لم تشترك عسكريًا فى ليبيا وقدمت الدعم السياسى.
كما أكد أن أوروبا ليس لديها موقف من حكام لهم خلفية عسكرية ولكنهم ينتظرون استكمال العملية الديمقراطية بإنهاء الانتخابات.