تجاهل تام من حكومة الببلاوى لوضع الاقتصاد المصرى ونزيف الخسائر الذى لحق بالقطاعات الاقتصادية.. جاء تطبيق الحد الأدنى للأجور بدءا من يناير القادم ليضرب بعرض الحائط عجز الموازنة الذى وصل إلى 240 مليار جنيه وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت هذا القرار إلا أنها لم تدرس النتائج المترتبة على هذا القانون، ولم تعلن عن مصادر تمويل زيادة المرتبات فى الموازنة ولم تعلن عن خطة واضحة لمواجهة هروب القيادات المؤهلة والكفء من الحكومة بعد تحديد الحد الأقصى للأجور ولا كيفية سد الفراغ وراء رحيل هؤلاء الكفاءات. وقد تضمن هذا القانون ألا يجوز أن يزيد مجموع الدخل الذى يتقاضاه من المال العام سنوياً أى شخص من العاملين فى أجهزة الدولة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين ونوابهم ومن فى حكمهم والخاضعينلأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة بالقانون رقم 47 سنة 1978 أو المعاملين بقوانين خاصة أو من العاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والكوادر الخاصة سواء كان شاغلاً لوظيفة دائمة أو مؤقتة أو وظيفة قيادية أو تكرارية أو مستشاراً أو خبيراً وطنياً أو بأى صفة أخرى على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى لمجموع أقل دخل فى ذات الجهة التى يعمل بها لمن يشغل وظيفة من الدرجة الثالثة التخصصية أو ما يعادلها أو أدنى وظائف الجهات التى تنظم شئون أعضائها قوانين خاصة، وذلك سواء كان ما يتقاضاه بصفة مرتب أو مكافأة لأى سبب أو حافز أو أجر إضافى أو بدل أو مقابل حضور جلسات مجلس إدارة أو لجان فى جهة عمله أو أية جهة أخرى، كما تضمن القانون ألا يزيد الدخل على 50 ألف جنيه مصرى شهرياً، وذلك سواء ما كان يتقاضاه بصفة مرتب أو مكافأة لأى سبب أو حافز أوأجر إضافى، وألا يقل الحد الأدنى عن 1200 جنيه ابتداء من السنة المالية 2013 - 2014 ولا يسرى كل ذلك على بدلات السفر والانتقال، كما تضمنت المشروعات أن يعاد النظر فى الحد الأدنى بالزيادة كل سنة مالية، ويعاد النظر فى الحد الأقصى للأجور بالزيادة أو النقصان كل 3 سنوات. استنكار!
وفى نفس الوقت استنكر الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة فى بيان لها هذا القرار. إن قرار إصدار حد أدنى للدخل على الأجر الشامل للعاملين بالقطاع العام الحكومى 1200 جنيه، يؤكد أن الحكومة الحالية لا تعبر عن ثورة 30 يونيو، وأن الحكومة الحالية لا تدرك أن العمال وقود كل الثورات، ويستحقون حدا أدنى عادلا للأجور لتحقيق أول أهداف العدالة الاجتماعية.
وأضاف الاتحاد: تسرعت الحكومة بتحديد حد أدنى شامل للدخل وليس للأجر، وأغفلت الحكومة حكم القضاء الإدارى، الذى نص على إلزام الحكومة بوضع حد أدنى للأجر بالجلسة المنعقدة علنا فى يوم الثلاثاء الموافق 30-3-2010، ولم ينص الحكم على حد أدنى للدخل الشامل وبذلك تكون الحكومة قد خالفت حكم القضاء الإدارى.
واستنكر الاتحاد استعجال الحكومة فى إصدار حد أدنى للدخل الشامل لا يكفى حد المعيشة، بالإضافة إلى أنها لم تخرج بتفاصيل وإجراءات تفعيل الحد الأدنى وطرق تمويله، قائلاً: مازلنا فى دولة حكوماتها تعمل فى الخفاء ولا تقد مخاطر التطبيق الهزلى للحد الأدنى.
كما وصف الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قرار الحكومة حول 1200 جنيه للحد الأدنى بالكارثة، قائلاً: لا يحقق الأمان الوظيفى للعامل فى هذه المرحلة المهمة والحساسة، حيث إن مفهوم الأجر الشامل هو ما يحصل عليه العامل الآن من أجر أساسى ومتغير، وهو ما يفوق هذه القيمة التى أعلنتها الحكومة.
وأضاف: إن ما أقرته الحكومة بشأن وجود حد أدنى للأجر فى الحكومة يبلغ 1200 جنيه شهريًا على الأجر الشامل لا يحقق الطموحات التى يرجوها العاملون الذين انتظروا كثيرا لتطبيق شعار «عيش - حرية - عدالة اجتماعية منذ ثورة 25 يناير، حيث لم يراع القرار التوازن بين نفقات المعيشة والخدمات المطلوبة من العامل.
كارثة !
فى هذا الإطار قال الدكتور فخرى الفقى مساعد المدير التنفيذى السابق لصندوق النقد الدولى: إن تحديد الحد الأدنى من المطالب المهمة للثورة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن حكومة الدكتور حازم الببلاوى بين المطرقة والسندان، ما بين التزام الحكومة بتخفيض عجز الموازنة من 14 % إلى 9 % خلال العام المالى الحالى، وفى نفس الوقت تطبيق الحد الأدنى، فى ظل العجز.
واعتبر الفقى أن إعلان الدكتور الببلاوى عن تطبيق الحد الأدنى جاء تحت ضغط من النقابات العمالية وطموحات الشعب، ولكنه تساءل: «لكن من أين سيوفر الببلاوى الموارد لتطبيقه فى ظل عجز الموازنة الحالى»؟
وطالب مساعد المدير السابق لصندوق النقد، من رئيس مجلس الوزراء توضيح للشعب، «كم سيكلف الحكومة تطبيق الحد الأدنى؟، ومن أين سيدبر الموارد المالية بما لا يخل بالتزاماته بخفض عجز الموازنة»؟
وأضاف: فمن المحتمل أن يكون إعلانه بتطبيق الحد الأدنى جاء تحت ضغط الشعبى وعمالى كبير، ولذلك هو فى مأزق، حيث اضطر أن يستمع وينصاع لهذه الطموحات فى تحقيق جزء من العدالة الاجتماعية، ولذلك نطالب بالشفافية وتوضيح من أين سيدبر الموارد المالية، حيث من الممكن أن ينتهى به الأمر إلى العجز عن تخفيض عجز الموازنة ورفع الحد الأدنى للأجور.
وعن كيفية تحقيق الموارد، رأى الدكتور فخرى الفقى، أنه على الحكومة تطبيق الضريبة التصاعدية وزيادة الشرائح التى تطبق عليها، فمثلاً يتم التطبيق على من يكون دخله يزيد على ربع أو نصف مليون جنيه فى السنة، حيث من المتوقع أن يوفر ذلك نحو 5 مليارات جنيه كموارد مالية للدولة يستطيع أن يستخدمها فى تطبيق الحد الأدنى، خصوصاً أن تلك الضريبة تطبق على القطاعين العام والخاص.
وحول الاعتماد على الأموال التى يمكن توفيرها فى حال تطبيق الحد الأقصى، قال: تطبيق الحد الأقصى سيوفر موارد مالية متواضعة للدولة لأنه سيطبق على القطاع العام فقط، كما أنه سيعمل على تطفيش الكفاءات من الدولة، مما سيؤدى إلى وجود مشاكل فى الجانب الإدارى. الغموض!
من جانبها طالبت الدكتور عالية المهدى أستاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة كذلك من الدكتور حازم الببلاوى توضيح من أين سيوفر الموارد المالية التى سيستطيع من خلالها تطبيق الحد الأدنى، فى ظل عجز الموازنة الحالى، والذى فى حال التطبيق سيكلف الموازنة العامة للدولة زيادة أكثر من الطاقة التى تتحملها.
وقالت للدكتور الببلاوى: الخروج بحديث للشرح كيف سيطبق الحد الأدنى، خصوصاً أنه من الصعب تحقيقه فى ظل عجز الموازنة الحالى والذى يقدر ب14 % بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات، ولذلك على الحكومة التوضيح، حيث لا يوجد أى شىء واضح للاقتصاديين حول هذا القرار.
وحول التصريح السابق للدكتور الببلاوى عن صعوبة تطبيق الحد الأدنى فى الوقت الحالى، قالت أستاذ الاقتصاد: ليس هناك إجابة حول سبب التراجع عن قراره السابق، ولا يوجد شىء واضح للاقتصاديين حول القرار، وقد يكون جاء بناءً على ضغوط على الحكومة، ولذلك على الببلاوى الخروج والتوضيح من أين سيوفر الموارد المالية.
وعن تطبيق الحد الأقصى واستغلاله فى تعويض الأدنى، أضافت: لا أعتقد أن يستطيع الحد الأقصى أن يوفر كل الإمكانيات، وكان من الممكن على الحكومة أن تحدد الحد الأدنى بأقل من 0021 جنيه، فى ظل الظروف الحالية، وشرح ذلك للمجتمع.
خداع!
ومن جانبها أبدت الدكتورة هالة السعيد - عميد كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة - اعتراضها على استمرار خداع الحكومة للمواطن المطحون يوميا الذى يدفع حياته للحصول على لقمة العيش مدللة اعتراضها بأن الحكومة لن تستطيع تطبيق الحد الأدنى للأجور فى ظل الكوارث الاقتصادية التى تمر بها البلاد، بالإضافة إلى أن مصر أصبحت دولة عالية المخاطر وفقا لوكالة فتيش للتصنيف الائتمانى ومن هنا فإن الاستثمارات الأجنبية خرجت بلا رجعة. وانتقدت د.هالة الطريقة التى تتعامل بها الحكومة الحالية مع المشاكل الاقتصادية فى مصر، وتحديداً المتعلقة بسوق العمل، وأكدت أن هناك حالة من التسطيح فى التعامل مع الأزمة بما قد يفاقم فى السلبيات المترتبة عليها، بدلا من المساهمة فى حلها، فالاقتصاد المصرى يمر بمحنة مشيرة إلى أن مشاكل سوق العمل فى مصر تعود لأسباب هيكلية نتيجة الخلل الشديد الذى يعانى منه، حيث إن أكثر من ثلث القوى العاملة تتركز فى القطاع الحكومى، وهو فى حد ذاته عبء كبير على الدولة، فى حين أن الدول التى تشابهنافى أوضاعنا الاقتصادية لا تتعدى الوظيفة الحكومية نسبة ال01% من توزيع القوى العاملة بها، وبالتالى فإن الإعلان عن وظائف جديدة بالحكومة لاسترضاء الناس أمر كارثى لأنه سيزيد من الخلل الهيكلى فى سوق العمل ولن يحل أزمة البطالة.
وأكدت د.هالة أن الحكومة سوف تحل أزمتها من القروض لأنه لا توجد موارد جديدة لزيادة الإنتاج إنما يوجد عجز كبير بالموازنة يقدر بحوالى 25 % أكثر مما كان متوقعا، فبالتالى سيتم اللجوء إلى طرح «أذون خزانة»، حيث تم اقتراض 136 مليار جنيه، وهذا يزيد من الدين العام وعلينا سداد 150 مليار جنيه سنوياً لتسديد أقساط وفوائد الديون.
وأضافت: أن تطبيق الحد الأدنى للأجور فى ظل انهيار الاقتصاد المصرى كارثة جديدة تخلق ثورة جياع أمام الحكومة، فموافقة مجلس الشورى جاءت بدون دراسات عن كيفية تطبيق هذا القانون، فكيف تتحمل الحكومة هذه الزيادات بعد أن وصل عجز الموازنة إلى150 مليار جنيه ووصل الاحتياطى النقدى إلى 31 مليار دولار، فضلا عن موت السياحة المصرية ومسلسل انهيار الجنيه أمام جنون الدولار، فأمام كل هذه المشاكل الاقتصادية كيف تحقق الحكومة هذه القوانين المتخبطة؟!
وأشارت إلى أن الحكومة عندما تقوم برفع الحد الأدنى للأجور إلى1200 جنيه على سبيل المثال فإن هذا يعنى أمرين أنه من المتوقع أن أصحاب الأعمال يقومون بالاستغناء عن قدر من العمالة لديهم لأنهم لن يستطيعوا دفع رواتبهم، كما أن رفع الحد الأدنى للأجور قد يدفع صاحب العمل إلى عدم تشغيل مجموعة جديدة من العمال، وبالتالى فإن زيادته تأتى على حساب الباقى المتعطلين أيضا لأنهم لن يجدوا وظيفة أو مكانا للعمل، وبالتالى فإن زيادة الحد الأدنى للأجر عن هذا الحد تكون ضد من يرغب فى البحث عن فرصة عمل، حيث إن زيادة المتوسط العام للأسعار بما لا يتناسب مع الدخول ومعدل الإنتاجية يتسبب فى إيجاد التضخم.
وأكدت أن زيادة الأجور أمر ضرورى ولكن لابد أولا أن تتفق هذه الزيادة مع متطلبات المعيشة، ولكن فى المقابل لابد من زيادة إنتاجية العامل ليصبح هناك توافق داخل دراسة جدوى المشروع أو المؤسسات المختلفة قالوا إن الحد الأدنى للأجور متدن، ولكنه يتفق مع إنتاجية العامل العادى الأمر الذى يتطلب إعادة تأهيل العامل المصرى ورفع مهاراته حتى يمكن الارتفاع بمستوى الحد الأدنى للأجور.
الهروب!
ويشير الخبير المصرفى نبيل الحشاد رئيس المركز العربى للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية إلى أن تطبيق الحد الأقصى للأجور سيضرب بقوة الكفاءات والخبرات المصرفية المتميزة فى البنوك الحكومية وسيدفعها إلى الهجرة من هذه البنوك واللجوء إلى البنوك الخاصة وفروع البنوك الأجنبية العاملة فى مصر بجانب الرحيل للعمل فى البنوك الخليجية، نظرا لأن تطبيق الحد الأقصى للأجور فى القطاع المصرفى سيؤدى إلى تراجع كبير فى معدلات دخول القيادات المصرفية العاملة فى البنوك الحكومية، وبالتالى ستبحث عن أماكن أخرى للعمل أملا فى الحصول على أجر أكبر خاصة أن بنوك القطاع الخاص وفروع البنوك الأجنبية لن تخضع للحد الأقصى للأجور، فضلا عن أن قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 لسنة 2003 واللائحة الداخلية المنظمة والخاصة بالمرتبات والأجور بالبنوك لا تنص على الالتزام بالحد الأقصى للأجور، بالبنوك العامة، ومتوسطات الأجور الموجودة بقطاعات الدولة الحكومية الأخرى، وهو ما يفسر عدم إمكانية خضوع البنوك العامة لقواعد الأجور المقترحة، بالإضافة إلى أن قانون البنك المركزى، ولائحته الداخلية، لا تشمل إقرار الحد الأقصى للأجور وربطه بالحد الأدنى، نظرا لأن اللائحة الداخلية الخاصة بكل بنك فى البنوك العامة، تضم حداً أدنى يختلف عن باقى مؤسسات الدولة، وهو ما يؤكد صعوبة تنفيذه دون تعديلتشريعى لقانون البنوك.