كما طالت الفوضى كل مكان فى مصر أيضا كنوزنا من الآثار طالتها هذه الفوضى بشكل مخيف.. فقد تم التعدى بالبناء والحفائر والخلسة على المناطق الأثرية فى الفيوم والشرقية والأقصر أصاب بعضها الإهمال الشديد مثلما حدث لشارع المعز.. وأيضا التعدى على منطقة دهشور.. والحفائر والتهريب والسرقات التى نقرأ عنها بشكل دائم من المساجد والمخازن والمقابر الأثرية وهذا الأسبوع جاءتنا صرخة من مسجد ابن طولون بالسيدة زينب والذى يعد من أقدم وأهم المساجد فى مصر، بل فى العالم.
∎ أهمية ابن طولون جامع أحمد ابن طولون هو ثانى مسجد تم بناؤه فى مصر عام (254 هجرية 868 ميلادية) وكانت عاصمة مصر- وقتذاك - مدينة القطائع «السيدة زينب» وحرص ابن طولون على يصلى أهل مصر فيه فبناه على مساحة كبيرة جدا لكى يعد أكبر مسجد فى مصر. وترجع أهمية هذا المسجد إلى أنه الوحيد فى مصر بل العالم الذى لم تتم إليه إضافات أو توسعات منذ إنشائه وحتى الآن ومازال متحفظا بعناصره الزخرفية والمعمارية رغم مساحته الكبيرة جدا، ولذلك هو المسجد الوحيد فى العالم أيضا الذى به ثلاثة أماكن للمبلغين: الشيخ الذى يبلغ ويرد بصوت عال الصلاة وراء الإمام وكان فى الماضى قبل ظهور المكبرات الصوتية يقام مبنى صغير بجوار المنبر ويصعد إليه «المبلغ». لقد أنفق على بناء مسجد السلطان أحمد ابن طولون حوالى .12 آلاف دينار، وقد اهتم بالأمور الهندسية فى بناء مئذنة المسجد وهى أقدم مئذنة موجودة فى مصر ويعد المسجد هو الوحيد فى مصر الذى غلب عليه طراز (سمراء) حيث المئذنة الملوية الحلزونية وسلمها من خارجها وقد قام من بعده السلطان (لاجين) بإدخال بعض الإصلاحات فيه، وعين لذلك مجموعة من الصناع كما أمر بصناعة (ساعة) فيه.. فجعلت قبة فيها «طيقان» شبابيك صغيرة على عدد ساعات الليل والنهار فإذا مرت ساعة انغلقت الطاقة التى هى لتلك الساعة وهكذا ثم تعود مرة ثانية. وفى عهد الأيوبيين أصبح جامع ابن طولون جامعة تدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة وكذلك الطب وعلم الأحاديث إلى جانب تعليم الأيتام. كما يوجد بالمسجد محراب فريد مازال حتى الآن يتميز عن غيره من مساجد مصر. الجدير بالذكر أنه عندما أراد المعمارى العالمى الذى صمم المتحف الإسلامى بالدوحة وكان يرغب فى تصميم معمارى إسلامى فريد فطاف كل البلاد الإسلامية وشاهد آثارها فوجد أن «ميضاء» مكان الوضوء التى تتوسط ساحة مسجد ابن طولون هى أكثر التصميمات روعة وجمالا وتتجلى فيها عبقرية العمارة الإسلامية فى نموذج سداسى فريد فقام بتصميم المتحف على غرار هذه الميضاء.
∎ انقذوا ابن طولون هذا الأسبوع اتصل بنا أهالى المنطقة وهم يستغيثون قائلين: المسجد منذ سنوات طويلة فى ظلام دامس ولا تقام به صلاتا المغرب ولا العشاء والسبب كما يقول لنا المسئولون مساحته الكبيرة وقد تمت عمليات ترميم للمسجد من قبل فى عام 5002 وللأسف شبكات وتوصيلات الكهرباء كانت غير سليمة ولم تتم إنارته رغم الترميم والتجديد وحاولنا أكثر من مرة عن طريق الجهود الذاتية من أهالى الحى شراء لمبات للإضاءة، ولكن بسبب الأسلاك والتوصيلات غير السليمة كانت تحرق ويعود الظلام مرة أخرى وطالبنا المسئولين فى الأوقاف والآثار بمساعدتنا ولكن الرد يكون المشكلة كبيرة ومحتاجة ميزانية !! وفى شهر رمضان الماضى استجابت وزارة الآثار لنا لإنارة المسجد لإقامة صلاة التراويح، ولكن بعد شهر رمضان عاد الظلام مرة أخرى يملأ أرجاء المسجد.. وأخيرا فوجئنا بتدفق المياه من وراء السور الخارجى بجانب دار الإمارة ووراء القبلة الرئيسية للمسجد وغرفة الإمارة غرفة مهمة جدا من الناحية الأثرية فهى الوحيدة المتبقية من بعد الحريق الذى أصاب المسجد منذ زمن بعيد.. وسقفها مزين به مجموعة من سن الفيل النادر. ثم يضيف أحد الأهالى قائلا: اتصلنا بكل الجهات المسئولة ولم يرد علينا أحد والمياه تتدفق بسرعة تحت سور المسجد ولم نعرف مصدرها حتى الآن لدرجة أن الأطفال بالمنطقة اعتقدوا أنها بحيرة وأخذوا يستحمون فيها!! والخوف الكبير أن المياه بالقرب من محولات الكهرباء ونخشى أن تحدث كارثة أكبر من (الكهرباء والمياه) وأيضا على حرم المسجد الأثرى المهم. والمشكلة الآن نطرحها على وزارات الآثار والأوقاف ومحافظة القاهرة ووزارة الكهرباء لعل واحدة منها تهتم وتنقذ البشر والأثر أم أن الحكومة لا تهتم بالبشر ولا بالأثر لحين انتخاب البرلمان كما يقال عند أى مشكلة أو كارثة تواجهنا الآن .