لم تكن واقعة المعلمة التى قصت شعر طالبتين بمدرسة ابتدائية بالأقصر لأنهما رفضتا الحجاب، هى آخر الاعتداءات على تلاميذ المدارس، بل مازالت الاعتدءات مستمرة، مابين ازدراء وعنصرية مارستها معلمة تجاه طالبة نوبية، وأخرى تمنع تكريم طالبة متفوقة لأنها غير محجبة، ومعلم ملتح يصف طالباً فى الصف السادس الابتدائى بالكفر لأنه ارتدى قناع باندتا أثناء الفسحة، فى ظل غياب رادع قانونى يمنع هذه الاعتداءات.أولياء الأمور بدورهم لم يتوقفوا عن الإبلاغ عن هذه الاعتداءات، سواء لمنظمات حقوق الإنسان والمجلس القومى للطفولة وخط نجدة الطفل ووسائل الإعلام.هذا فى الوقت الذى لازالت فيه وزارة التربية والتعليم ترى أن ما يحدث فى بعض المدارس من عنف وازدراء، إنما هو حالات فردية لاترقى لأن تكون ظاهرة، كان من المفترض أن تبحث عن أسبابها الحقيقية. من جانبه أصدر المجلس القومى للمرأة بيانا عبر فيه عن إدانته البالغة لما قامت به إحدى مدرسات مدرسة أسماء بنت أبى بكر الإعدادية بالعامرية ب«الإسكندرية» عندما منعت الطالبة هبة الله محمد المتفوقة رياضيا، من التصوير مثل باقى زميلاتها أثناء استلام شهادات التفوق من إدارة المدرسة، بحجة أنها غير محجبة، ووصف المجلس هذا التصرف بأنه يمثل اعتداء على مبادئ الدستور الذى يقر بعدم التمييز، كما أنه يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والتى منها حقوق الطفل، كما أكد دكتور نصر السيد، أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة، أن قانون الطفل «يحظر تعريض الطفل عمدا لأى إيذاء بدنى أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة، وأنه ورد فى باب تعليم الطفل بالقانون، ضرورة احترام الحقوق والحريات العامة للإنسان وترسيخ قيم المساواة بين الأفراد وعدم التمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الأصل الاجتماعى أو الإعاقة».
∎ عقدة هبة يوضح الأستاذ محمد والد الطالبة هبه الله بمدرسة أسماء بنت أبى بكر الإعدادية.. كيف أن ابنته صدمت عندما منعت من التصوير أثناء حفل التكريم بسبب أنها غير محجبة كما قالت لها إحدى المدرسات، وهى الحائزة على الجائزة الأولى فى التفوق الرياضى فى لعبة الكاراتيه على إدارة العامرية التعليمية، وعندما واجه مديرة المدرسة رضا محمود، بما حدث أنكرت الواقعة، بل نفت أن تكون ابنته قد حصلت على المركز الأول بل ادعت أنها حصلت على المركز الثالث والعشرين، مما أصاب هبة الله ابنته بما يشبه العقدة النفسية على حد وصفه لحالتها، وذلك بسبب أن مديرة المدرسة لم تقل الحقيقة وكذبت، مما سيجعل هبة تفقد الثقة فيمن هم أكبر منها سنا ولن تصدقهم فى المستقبل.
ومن حالة هبة الله إلى حالة الطالبة بسملة يحيى رمضان الطالبة بمدرسة القدس الإعدادية الأزهرية بالهرم، التى كانت حديث وسائل الإعلام أيضا فى الأسبوع الماضى، وذلك لما تعرضت له من قبل مدرسة مادة الفقه، والتى عاملتها بشكل عنصرى لأن بسملة نوبية، ومارست ضدها وضد أربع من زميلاتها النوبيات فى المدرسة نوعا من التمييز العرقى، حيث قالت لهم «مصر دى مش بلدكم، بلدكم هى السودان»، كما قالت المدرسة أيضا لإحداهن «أنتم المفروض تعيشوا فى جنينة الحيوانات» من جانبه أوضح والد بسملة يحيى رمضان، أنه سيصعد الأمر إلى منظمات حقوقية لأخذ حقه وحق ابنته لإزالة التمييز ضد النوبيين، موضحا حجم الضرر النفسى الذى لحق بابنته وزميلاتها، مما أسماه ازدراء لهن.
∎ قناع الباندتا وفى مدرسة الطلائع التجريبية بمدينة 6 أكتوبر وقعت حالة أخرى للعنف من مدرس اللغة العربية الملتحى تجاه الطالب عمر عاطف على فى الصف السادس الابتدائى حينما شاهده المدرس وهو يرتدى قناع «الباندتا» أثناء الفسحة المدرسية ليستوقفه المدرس ويضربه على وجهه ويقول له، «أنت من البلاك بلوك أنتم من ستخربون البلد»، مما أصاب عمر بحالة من البكاء والفزع وفى اليوم التالى قال المدرس فى الإذاعة المدرسية وأثناء طابور الصباح أن «عمر كافر لأنه بيكره الإسلام والمسلمين».
من جانبه أوضح عاطف على والد عمر أن عمر كان قد أحضر القناع ليرتديه عند النزول للاحتفال بمرور سنتين على ثورة 52 يناير فى ميدان التحرير وإن كان قد أخطأ فى اصطحابه معه فى المدرسة، فإن هذا ليس مبررا حتى يعطى الحق لمدرس المدرسة أن يكفره ويضربه لأنه وجده يختلف معه سياسيا، وأكد عاطف أنه لن يتنازل عن حق ابنه، وهو ما جعله يقوم بعمل بلاغات ضد هذا المدرس والمدرسة، فى خط نجدة الطفل 00061 والمجلس القومى للطفولة والأمومة، تحت شكوى رقم 06589 ويشير إلى أنه لولا تقدمه بهذه البلاغات لما اهتمت وزارة التربية والتعليم بالتحقيق فى الشكوى ومازالت التحقيقات مستمرة مع مديرة المدرسة والناظرة والمدرس. ∎ دراسة علمية ويدين الدكتور قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى حالات العنف والإيذاء النفسى التى تعرض لها بعض الطلبة والطالبات فى بعض المدارس مؤخرا، مؤكدا ضرورة عمل دراسة إحصائية علمية، عن حالات العنف فى المدارس، قبل الحديث عنها كظاهرة.
ويبين عبد الحفيظ طايل، مدير مركز الحق فى التعليم كيف أن ظاهرة العنف والإيذاء النفسى فى المدارس زادت بعد ثورة 25 يناير، وتحديدا عندما أحبط المعلمون نتيجة مماطلات وزارة التربية والتعليم فى تنفيذ العديد من وعودها للمدرسين، من تطبيق كادر المعلمين والحد الأدنى للأجور ليكون 1200جنيه، ووصف طايل حالات العنف الأخيرة ببعض المدارس من قص شعر تلميذات ومعاقبة تلميذه لأنها غير محجبة وغير ذلك بأنه «عنف إسلامى».
أما أيمن البيلى وكيل نقابة المعلمين المستقلة، فيؤكد أن زيادة رواتب المعلمين فقط، لن تحل العنف بالمدارس، إنما لابد من توافر مناخ تربوى داخل المدرسة بحيث يتم تقليل كثافة عدد التلاميذ داخل الفصل والتى تصل الى أكثر من 80 تلميذًا، وأن يتوافر للمدرس مقعد ومكتب يجلس عليه، فكثير من المدرسين لا يجدون ذلك، فهذه الأسباب إذا ما تمت معالجتها فإنها ستقلل من الضغوط الملقاة على عاتق المدرس.
ويرجع دكتور أحمد الحلوانى، نقيب المعلمين أسباب العنف إلى دخول الكثيرين من غير المؤهلين تربويا إلى الحقل التعليمى، وبخاصة خلال الأربعة عشر عاما الماضية، حينما تم منع خريجى كليات التربية من التعيين فى المدارس وتعيين غير المتخصصين والحاصلين على الدبلومات الفنية الذين لم يدرسوا أصول التربية، ولا يعلمون متطلبات التعامل مع كل مرحلة عمرية، والذين تصل نسبتهم إلى 70٪ من إجمالى عدد المدرسين، المعينيين خلال الأربعة عشر عاما الماضية.
ويعلل الحلوانى سبب العنف إلى التأثر بأجواء ثورة 52 يناير والتى أعطت مزيدا من حرية الرأى مع بعض الانفعال، سواء من قبل الطلبة وأولياء أمورهم تجاه المعلمين أوالعكس، ويتذكر الحلوانى مكانة المعلم فى الماضى، الذى كان بمثابة الأب للطلبة وكان أولياء الأمور فى الماضى تقول للمعلم «أنت تكسر وإحنا نجبس» تقديرا لمكانته، وأوضح الحلوانى أن نقابة المعلمين طلبت من النائب العام، ألا يستدعى معلما للتحقيق إلا بحضور محامى النقابة معه.
∎ الإحباط والعنف
ويقول عالم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور على ليلة، إن المدرس كان يضرب الطالب فى الماضى وهو يقصد مصلحة الطالب، لكن العلاقة بينهما الآن اختلفت، وأصبحت اقتصادية بحتة، بحيث لم يعد المدرس قدوة كما كان، وأوضح أن السبب فى العنف الموجود بالمدارس إنما يرجع إلى علاقة الانتقام المتبادل بين الطالب والمعلم، الناتجة عن حالة الإحباط التى يعانى منها الجميع نتيجة عدم تحقيق أهداف ومطالب الثورة وما آل إليه حال الكثيرين من سوء الأحوال الاقتصادية وعدم القدرة على دفع الدروس الخصوصية، وأصبح الجميع مثل القنبلة التى قد تنفجر فى صورة عدوانية على الأضعف دائما.
ويتفق مع الدكتور على فى الرأى الدكتور محمد الطيب أستاذ علم النفس التربوى والعميد السابق لتربية طنطا، فى أن الإحباط السائد فى المجتمع، يولد نوعا من العنف خاصة فى غياب العدالة الاجتماعيه وزيادة الفوارق بين الطبقات.. ويوضح الطيب أن العنف فى المدارس إنما هو انعكاس للعنف السياسى الموجود الآن من قتل للمتظاهرين وحصار لمدينة الإنتاج الإعلامى وغير ذلك، وأيضا منذ قيام الثورة وتغيير النظام والأشخاص بالقوة، وانتهاء بحكم تيار الإسلام السياسى فى دول الربيع العربى، هذه التيارات صاحبة التاريخ فى العنف، الذين قتلوا النقراشى باشا والرئيس أنور السادات ومؤخرا السياسى التونسى شكرى بلعيد، ويؤكد الطيب على أن طريقة التعليم القائمة على التلقين والحفظ والإملاء هى قمة العنف الذى يقدمه النظام التعليمى فى مصر لطلبة المدارس، فبهذا النظام يصبح المعلم ديكتاتورا على الطلبة، فلا مجال للنقاش أو الاختلاف فى الرأى، ويكمل قائلا: إن المعلم أو المسئول الذى تعرض للضرب وهو صغير يريد أن ينتقم من التلاميذ، بتعريضهم لمثل ما تعرض له فى طفولته، وكأنها سلسلة من الانتقام التى لا تنتهى، فبحسب نظريات علم النفس لابد أن تتحد شخصية المجنى عليه مع جلاّده.
∎خط نجدة الطفل وحسب دراسة أعدها مرصد، نجدة الطفل المجانى 16000 التابع للمجلس القومى للأمومة والطفولة، أوضح أن العنف المدرسى الموجه نحو الذكور أكثر عددا من الموجه للإناث، وبلغت نسبة البلاغات التى وردت للخط عن تعرض أطفال ذكور للعنف بكل أشكاله نحو 95٪ مقابل 14٪ للإناث من إجمالى بلاغات العنف المدرسى، بحسب أيمن عبدالرحمن مدير إدارة الخط.
أما أكثر المناطق التى يكثر فيها العنف المدرسى حسب بلاغات الخط، فجاءت فى محافظة الجيزة، وخاصة فى المناطق الريفية فى المحافظة بنسبة 15٪ من إجمالى باقى المحافظات، وتوضح البلاغات أن أكثر أنواع العنف، التى يتعرض لها التلاميذ داخل المدارس هى العنف المعنوى، من قبل المدرسين والفريق الإدارى، لكونه غير معترف به كأحد أنواع العنف، كما يفسر خبراء الخط ومتلقو البلاغات، يليه العنف اللفظى وأخيرا الجنسى.