3 - 1 - 1990 الجنون اللا رياضي عندما صدر العدد الأول من مجلة «الأهرام الرياضي»، في الثالث من يناير سنة 1990، كانت تعبيرا عن المكانة التي تحتلها كرة القدم تحديدا، وليس الرياضة بشكل عام، في دائرة الاهتمام الشعبي، وقد سبقتها ولحقت بها عدة مطبوعات رياضية، واستمر التزايد بشكل متطرف، حتي يجد المرء صعوبة حقيقية في حصر الإصدارات المتنوعة، يومية وأسبوعية وشهرية، كما أنه يحار في تحليل اقتصاديات هذه المطبوعات، وكيفية تحقيقها للتوازن والرواج. الفارق كبير وشاسع بين مجلة «الأهرام الرياضي» ومعها قلة من الإصدارات الجادة المحترمة، وعشرات من الصحف والمجلات التي تحترف زراعة التعصب والفتنة، حيث المانشيتات المسيئة المشينة، والأخبار المنحازة غير الموضوعية، واللغة المسفة المليئة بمفردات السباب البذيء. وازداد الطين بلة بلعنة الانتشار الفضائي الذي تحول إلي نقمة، فكل لاعب كرة معتزل وكل صحفي رياضي أو غير رياضي، لا يجد صعوبة تذكر في تقديم برنامج علي الهواء لا موضوع له إلا الكرة وحدها، ويقاس النجاح عند الأغلب الأعم من هؤلاء الأدعياء في المزايدة التي تجلب الكوارث والاهتمام المفرط بصغائر الأمور حتي تتحول إلي أولويات، الإسراف في صناعة نجوم فريقين لا فضل لهم، ولن يسمع عنهم أحد - يقينا - بعد سنوات أو شهور. لاشك أن كلمة «الحرية» ذات إيقاع جميل وسحر لا يقاوم، ولا جدال أيضا أن الفوضي تخاصم الحرية وتسيء إليها، بما يستدعي المقاومة للحيلولة دون انتشارها المدمر، ما يحدث الآن علي ساحة الإعلام الكروي لا الرياضي، يعكس خللا فادحا، فما أكثر المحللين الجهلاء الذين يحاضرون بعصبية وتوتر لأكثر من خمس ساعات، مناقشين مباراة لا يزيد عمرها علي ساعة ونصف الساعة، ومستخدمين بكثرة مزعجة من المصطلحات العويصة والتعبيرات الفلسفية العميقة. لم يبد مضحكا أن نقرأ ونسمع عن الهدف «التاريخي» والفرصة الضائعة «التاريخية» والمباراة «التاريخية»، فأي تاريخ هذا وأي عبث؟! الاهتمام بالرياضة، وهي مطلب جليل يتجاوز الكرة، فعل ضروري، ومطبوعة جادة مثل «الأهرام الرياضي» تقدم نموذجا مهنيا محترما، لكنه يضيع ويتبخر تأثيره في ظل الزحام والضجيج، ومن يرفعون رايات الابتذال والانحطاط ويوشك بعضهم أن يدعو إلي حرب أهلية لأن الحكم أخطأ في احتساب رمية تماس!