عندما يصف القرآن الكريم قصة يوسف بأنها من أحسن القصص «نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن»، فلا عجب أن يكون الولع الإنساني بها منذ معرفتها وحتي الآن متزايداً .. فهي قصة تتوافر فيها كل مقومات التشويق والإثارة بل والرومانسية .. هي تجمع بين البعد الديني والبعد الدنيوي، وبين مشاعر الحب والأثرة والتضحية من ناحية، ومشاعر الغيرة والحقد والظلم والإيثار من ناحية أخري .. كل المشاعر الإنسانية تجدها في هذه القصة القرآنية . ولذلك، ليس غريباً أن يجد مؤلفو الدراما بأشكالها المختلفة في قصة يوسف ( علي نبينا وعليه السلام) كنزاً أدبياً، يقتبسون منه، ويحاولون العمل علي منواله.. إضافة إلي محاولات تحويل هذه القصة إلي عمل فني .. تماماً مثلما حاول يوسف شاهين في فيلمه المهاجر، وتماماً مثلما حاول في أيامنا هذه الفنانون الإيرانيون في مسلسل «يوسف الصديق». ومثلما أثار فيلم المهاجر ليوسف شاهين الجدل، أثار المسلسل الإيراني الجدل ذاته وزيادة . ويبدو أن القصة ستتكرر في الأيام المقبلة مع محاولات البعض، في مصر وخارج مصر، تجسيد الرموز الدينية والشخصيات في الأعمال الدرامية في الوقت الذي تري فيه المؤسسات الدينية، عن حق من وجهة نظري، أن تجسيد هذه الشخصيات يفقدها قدسيتها خاصة إذا قام بتجسيدها فنانون لهم أعمال تتنافي مع قدسية هذه الشخصيات ومكانتها . وعلي الرغم من ذلك، لابد من الاعتراف بأنه علي الرغم من هذه المآخذ، فإن تصوير هذه الشخصيات يحدث تأثيراً إيجابياً كبيراً في نفوس المشاهدين .. ولنا أن نتذكر الأثر النفسي الجميل الذي أحدثه المسلسل الرائع «عمر بن عبد العزيز» في نفوس المشاهدين .. وفيلم «الرسالة» وغيرها من الأعمال الفنية . ولقد أتاحت لي الظروف أن أشاهد أجزاء مطولة وحلقات كاملة من المسلسل الإيراني «يوسف الصديق».. وبالطبع لا يمكن إنكار أن بهذا المسلسل سقطات تاريخية ومغالطات كثيرة عن مصر وشعبها إبان هذه الفترة .. غير أنه لا يمكنني إخفاء إعجابي بالحالة الفنية العامة للمسلسل، وبالتوهج الإبداعي لكل طاقم العمل .. فأقل ما يوصف به المسلسل هو أنه «حالة فنية وإبداعية متكاملة».. سواء من حيث النص، أو الأداء، أو التصوير والإخراج .. وهو ما يجعلنا نقارنه بالمسلسلات التاريخية والدينية المصرية والتي تعاني في الغالب من فقر الإمكانيات، ومن قصور الخيال، ومن ضعف الخيال إلا القليل منها. أحترم رأي المؤسسة الدينية ولا أملك مناقشته، فهم أهل الذكر، وإن كنت لا أخفي إعجابي بالمسلسل الإيراني «يوسف الصديق»!