أزعجتني تمامًا تلك الأخبار الآتية من الحزب الناصري التي تشير إلي صراع متأجج، سوف يؤدي إلي تجميد الحزب أو انهياره، هذا موقف يستوجب التدخل السياسي لا القانوني، ومعاونة الفرقاء علي ألا يسقطوا في فخ يسبب كارثة لحزب من هذا النوع.. وإن كنت أختلف مع كل من هو ناصري وليس الحزب وحده. الديمقراطية تخسر إذا تركناهم وشأنهم.. نحن نتضرر حين نتفرج علي جيراننا وهم يحرقون بيتهم.. الحريق سوف يؤثر علينا وإن لم يمس محتوي بيتنا.. وإذا كنت لا أتفهم أن ينشب الصراع داخل الحزب الناصري بسبب (الصفر الكبير) الذي ناله في الانتخابات الأخيرة.. علي أساس أنه لا يوجد في رصيده سوي أصفار متشابهة سابقة.. فإنه لا ينبغي التعامل مع هذا الموقف باعتباره مشهدًا تليفزيونيا مسليا. لا أدعو إلي فرض الوصاية السياسية علي أقطاب الحزب، ولا ينبغي التدخل في شئون حزب يموج بالمتفرقات، ولكن التعددية المنصوص عليها في الدستور تستفيد من وجود هذا الكيان.. وأي انشطار فيه إنما يخدم اتجاهات الفوضي في الساحة السياسية.. تلك التي تتبني البرلمانات الموازية والنقابات الموازية والحركات الموازية.. تستفيد أوهام الظل من أي سقوط لحزب يرفع شعارات عبدالناصر حتي لو كنت أومن بأنه لا ينبغي أبدًا أن يعتقد شخص في مبادئ ما يعرف بالناصرية. أي حزب حقيقي مثل الحزب الناصري حتي لو كان يعاني نقصًا ونكوصًا وانكسارًا وتيهًا هو من مفردات النظام، اختلف مع الإدارة أو أيدها، عاني من تشرذمات أبنائه أو توحدهم، فهو حصل علي شرعية عمله من قبل القانون الذي يقوم عليه النظام، وسواء ناصر الإدارة أو ناقضها، فإن وجوده سليمًا أو متماسكًا ولو بأقل عوامل الالتصاق إنما يؤكد التعددية ويحمي صورتها التي لا تخدمها بالطبع أحزاب مثل الشعب والاتحادي والجمهوري.. وهذه الكيانات التي ما أنزل الله بها من سلطان. في مصر ناصرية.. في الحزب الوطني ناصريون.. وهناك فئات كثيرة في المجتمع لديها هذا الحنين.. وفي مصر ناصريون.. حتي لو كنت أري أنهم تأخروا عن العصر نصف قرن.. وحتي لو كنت أعتقد أن أيديولوجيتهم لا يجوز وصفها حتي بأنها أيديولوجية.. ولكن هذا تيار موجود.. وما زال بعض الناس يحتفظون بصورة الرئيس عبدالناصر في بيوتهم وجيوبهم ومكاتبهم.. ولم يزل هناك من يعتقد أن برنامجه الاجتماعي هو الحل المناسب لمصر. (الناصري) علي ضعفه، هو حزب له غطاء اجتماعي، بل علي العكس من كثير من الأحزاب والتيارات التي ليس لديها أي ظهير فئوي هو لديه جسور مع فئات متنوعة في المجتمع.. وحتي لو عجز الحزب عن أن يعبر عنها.. فإنها موجودة ولا بد أن يحصل علي حقنة نشاط من خلال بقائه موحدًا كي تجد تلك الفئات ما يجسد أفكارها.. فلا تذهب بعيدًا. صفة الناصريين الأساسية منذ عرفناهم هي التفرق والتشرذم، لكنهم مقبلون في حزبهم المعلن علي كارثة، تتجاوز المعارك الطاحنة التي تدور بينهم علي مدي السنين، يحرقون أنفسهم، ويجب ألا يتركوا لذلك.. مدفوعين برغبات شخصية وتعويضًا عن هزائم ذاتية مختلفة.. لا بد أن نوجه إليهم النصح وأن نقربهم من بعضهم بعضًا ولو عند الحد الأدني من التوافق الذي يحفظ للحزب وجوده وبقاءه. إن ما يجري في الناصري الآن لن يقف عند حده هو، والعدوي قد تنتقل إلي غيره، والوساطة السياسية بين عناصره واتجاهاته لا بد أن تحرز نتيجة، حتي لو قالوا جميعًا لا نريد تدخلاً من أحد، وحتي لو صرحوا بهجوم عاتٍ علي الوسطاء وصفاتهم، فإن لكل منهم جسرًا ما مع من يصلح لأن يكون وسيطًا مختفيًا، ومصلحًا غير معلن، وناصحًا لا تحيطه الأضواء. ساعدوهم قبل أن يضروا أنفسهم ويضرونا ويضروا الآخرين.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]