أكاد لا أصدق ما تفعله مجموعة من قيادات الفكر والرأي الآن في مصر .. ولولا انه واقع مرئي تتناقله الاخبار هنا وهناك باعتباره حقيقة ما صدقته عيناي .. فكرة البرلمان الموازي للبرلمان المنتخب فكرة غريبة عن الوطن وعن الفكر المصري في عمومه .. فكرة اقترحتها مجموعة من المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح في انتخابات مجلس الشعب الاخيرة .. فقرروا مع مجموعة اخري انشاء برلمان مواز للبرلمان الشرعي المنتخب .. هكذا بكل بساطة وسهولة.. أتعجب من تلك المجموعة الواعية عدم ادراكهم انهم بذلك الأمر يفتحون الباب علي مصراعيه لأي مجموعة من المواطنين لتنشئ كل منها كيانا موازيا للكيان القانوني الشرعي في الدولة .. وعليه، علي سبيل المثال، توجد نقابة للصحفيين تعترف بها الدولة وتضم جموع الصحفيين العاملين في الاصدارات الصحفية ولها مقر كائن وكيان قائم ولها حقوق وعليها واجبات ومسئوليات. وامام النقابة المهنية الشرعية توجد نقابة أخري موازية لها نقيب ومجلس نقابة، ومن الممكن ان يوجد لها مقر فيه موظفون وعمال ومكاتبات ومراسلات .. و.... و.... وتأسيساً علي فكرة البرلمان الموازي سيكون متاحاً لأي جماعة ان تنشق عن الصف الشرعي لتؤسس نقابة مهنية موازية لها نفس المواصفات وتضم البعض ممن يقلد فكرة البرلمان الموازي. وكل ذلك دون غطاء شرعي أو قانوني .. ولا استبعد ان يبدأ اصحاب البرلمان الموازي مخاطبة الجمعيات والمنظمات الدولية ومناشدتهم الاعتراف بوجودهم مع برلمانهم لاضفاء الشرعية علي كيان وجودهم ووجوده.. ولنستعد جميعاً من الآن لمشاهدة وسماع المساجلات والخناقات والحوارات عبر صفحات الجرائد وشاشات المحطات الفضائية من الكيانات الموازية تعقيباً ونقداً علي قرارات وقوانين الكيانات الشرعية القائمة بحكم القانون والدستور .. وليشاهد العالم اجمع ما يحدث في مصر لأول مرة في تاريخها، ليبدوالأمر وكأن مصر اصبحت .. مصرين .. مصر الدولة الشرعية بكل كياناتها القانونية الشرعية المعترف بها دولياً من الحكومات والمنظمات والجمعيات والمؤسسات .. ومصر الدولة الموازية !! ليست المسألة في وجود الكيانات الموازية -والتي بدأت ببيت الشعب الشرعي الدستوري - لكن القضية فيمن طرح الفكرة وتحمس لها وايدها وبدأ في وضعها موضع التنفيذ لتصبح كياناً قائماً فاعلاً بأصحابه ومريديه. العجيب والمدهش في الأمر انهم مجموعة من اصحاب الفكر والرأي والرؤية والعقل والتدبر، الذين من المفترض ان يكونوا في طليعة الطبقة المتعلمة المثقفة التي تقود المجموع نحو ما فيه صالح الوطن .. فإذا بهم يشرعون في انشاء وطن بديل بادئين بمجلس للشعب .. فأي شعب يمثلون .. وإلي اي دستور سيحتكمون .. وعلي اي قانون سوف يستندون .. واي سلطة دستورية سوف تمنحهم حق السؤال والمحاسبة وحجب اوتأييد الثقة عن اي مسئول في الدولة .. فهل غابت كل تلك التساؤلات عن مخيلة من ابدع فكرة البرلمان الموازي. انها دعوة لشق الأمة، وهدم الصف وتفتيته، علي كل المستويات، بدءا من بيت الشعب الذي يحمي الأمة بدستور وقانون، وانتهاء بأصغر جمعية شعبية لتنمية المجتمع لا تهدف من عملها الا الأجر والثواب، وبعد ان كان الصف موحداً لمواجهة خطر خارجي عارض، اصبح الخطر الآن من داخلنا، ومن مجموعة من ابناء الوطن. امر مرفوض ان يوجد في مصر مصران .. احداهما بكسر الميم وهي الوطن الأصل صاحب التاريخ والحضارة والمستقبل وهي الدولة الشرعية الباقية دوماً بكل كياناتها الدستورية، والثانية بضم الميم وهي كمثل الزائدة التي ان اقتربت من درجة الالتهاب يلوح الخوف من استئصالها خوفاً علي حياة الجسم الذي التهبت وتورمت فيه .. ولا عزاء للتاريخ السياسي للسادة النواب اعضاء البرلمان الموازي الذين لم ينتخبهم احد.