سياسة تحرير العبيد، التي رفع رايتها الرئيس الأمريكي لنكولن، هي التي أدت إلي اشتعال الحرب الأهلية الأمريكية، وفي السابع عشر من نوفمبر سنة 1860، أعلنت ولاية كارولينا انسحابها من الاتحاد الفيدرالي الأمريكي، تعبيرا عن احتجاجها واستيائها، وكان قرارها هذا مقدمة للصراع الدموي الذي دام لسنوات. ولايات أخري رافضة لسياسة تحرير العبيد كررت الخطوة نفسها، وخلال شهرين انسحبت ولايات «المسيسبي» و«فلوريدا» و«الاباما» و«جورجيا» و«تكساس» انفرط العقد، وأصبح الحلم الأمريكي في مهب الريح، ولم يكن من بديل إلا الحرب، فهي الأداة الوحيدة المتاحة للحفاظ علي الاتحاد بقوة السلاح. عبر سنوات خمس، سقط أكثر من نصف مليون أمريكي قتيلا، وتعرضت الحياة الاقتصادية لخسائر فادحة. وكم يبدو مثيرًا للدهشة أن تزهق الأرواح لتكريس فكرة العبودية، وكأن الزنوج ليسوا بشرا، وهم الذين أسهموا بالجهد الأكبر في صناعة النهضة الاقتصادية، وتحملوا ما لا يُطاق من إذلال وإهانة وتنكيل. ما أكثر الذين يشيدون بالرئيس لنكولن وحسه الإنساني وتقدميته، لكن الجانب الآخر المظلم يتمثل في معارضيه الذين أحرقوا العلم الاتحادي، وأعلنوا الانفصال، وكالوا الاتهامات لمن يري أنه لا فرق بين أبيض وأسود، فالحرية الحقيقية تتجاوز الألوان والأجناس والثقافات والعقائد، وتنحاز للإنسان وحده. قرن ونصف القرن ليس بالزمن الطويل في حياة الشعوب والأمم، وما أحري الأمريكيون بالانتباه إلي تاريخهم القريب قبل أن يلقنوا العالم دروسا في الحضارة والمبادئ الإنسانية. من يتأمل أطراف الحرب الأهلية سيجد أن القوة متوازنة متكافئة، وهو ما يعني أن نصف الشعب الأمريكي لم يكن راضيا عن إلغاء العبودية، ويري في استمرارها حقا مشروعا وبديهة لا ينبغي أن تزول. إذا لم يكن هؤلاء متطرفين وعنصريين ومن دعاة الإرهاب، فماذا نسميهم؟!