تمسك المجتمعات العربية بالعقلية البدوية، قادها إلى حالة من الجمود، والوقوف أمام سيادة الحداثة لهذه المجتمعات، حول هذه العلاقة تحديدا، يدور كتاب «أزمة التطور الحضارى فى الوطن العربى.. بين العقل الفاعل والعقل المنفعل» للمفكر العراقى المقيم فى أمريكا علاء الدين الأعرجى، الصادر حديثا عن قطاع الثقافة بدار «أخبار اليوم». حدد المؤلف رسالته من هذا الكتاب بوضوح قائلا: «لقد حان الوقت لكى ينتقل العرب من حالة الجمود إلى حالة الحركة، التى تقتضيها سنة التطور فى الوقت الذى يخضعون فيه للعديد من القيود»، وقد ساق فى كتابه عددا من التساؤلات منها: هل العقل العربى سجين تراثه وثقافته؟ أم سجين قهره السياسى والاجتماعى؟ ولماذا فشل العرب والمسلمون فى النهوض والتقدم ومنافسة الغرب؟ فى حين تمكنت أمم أخرى من ذلك؟، وهل ثمة عقل مجتمعى قاهر يتحكم فى عقولنا لنصبح دمى يحركها بخيوطه؟ وغيرها من الأسئلة. ويرصد الأعرجى العقبات التى تقف أمام العقل العربى وتحول دون تحرره من قيوده وهى القهر السياسى، والضرورات والحاجات اليومية من غذاء ودواء وبحث عن عمل وغيرها، إلى جانب التخلف الحضارى الذى دام أكثر من سبعة قرون منذ سقوط بغداد والقهر الاجتماعى، وسجن السلفية واللا تاريخية والخلافات الدينية والمذهبية والطائفية والأيديولوجية، كذلك هو سجين التمزق بين عصر متقدم يمور بالحركة والتطور، وعصر ثابت تليد، كذلك ما زال العقل العربى سجين البداوة التى تفضل قيم العشيرة والنسب والحسب والجاه، على الكفاءة واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، كذلك العقل العربى سجين النظام الأبوى، الذى يفرض التراتيب والفوقية الشمولية. ويطالب الأعرجى بضرورة إعادة قراءة تاريخنا وكتابته بمنهجية علمية أكاديمية وبأقلام عربية موضوعية نقدية حريصة على استخدام عقلها الفاعل بكفاءة وجرأة قائلا: نحن ما زلنا سجناء الرؤية والمفاهيم والمناهج القديمة التى وجهتهم مما يجرنا، دون أن نشعر بالانخراط فى صراعات الماضى ومشاكله، إلى جعل حاضرنا مشغولا بماضينا، وبالتالى النظر إلى المستقبل بتوجيه من مشاكل الماضى وصراعاته. ويفرق بين العقل الفاعل الذى هو تلك الملكة الذهنية الفطرية، التى تحفز الإنسان على الاستكشاف والتساؤل، والبحث بهدف التغيير للأفضل، والعقل المنفعل الذى فهم الخصائص الفكرية التى يكتسبها الفرد من محيطه أو بالأحرى العقل المجتمعى الذى يستخدمها فى تصرفاته وتعامله مع الآخرين. ويطالب الأعرجى بضرورة معالجة التحديات التى تواجهها الأمة العربية بمنهجية علمية قدر الإمكان، بعيدا عن الميل العاطفى أو التعصب العرقى أو الدينى أو الأيديولوجى، والضغط المجتمعى والسياسى والإعلامى الذى يتعرض له الناشئ فى مختلف مراحل حياته، يؤدى إلى قتل روح الاستقلال والتفتح والإبداع. ويختم الكتاب بالتأكيد على أن الفشل الذى منى به العرب فى مواجهة الآخر يعكس إلى حد بعيد فشلهم فى مواجهة «الأنا» فى فهمها وتحليلها بصراحة وإخلاص، وأن الاعتزاز بالذات لن يتحقق عن طريق التبجح الفارغ الناتج عن الشعور بالدونية، بسبب الشعور بالفشل الواقعى الراهن، بل يتبلور الاعتزاز وينمو تدريجيا من خلال التفهم العميق لأهمية تراثنا، لا باعتباره متكئا لحاضرنا، بل من أجل تحليل حاضرنا وتفكيكه لتحقيق مستقبل أفضل، ويرى الأعرجى أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع حضارى فى المقام الأول، والدعوة إلى إحياء ما كانت عليه الحضارة الإسلامية قبل خمسة عشر قرنا، معناه الرجوع للخلف، بل لابد من الاستفادة مما توصلت اليه الحضارة الحديثة من علم وتكولوجيا وفلسفة وفكر.