بدأت مؤسسة «معهد كارنيجي» الأمريكية، عملاً استثنائيًا وغير مسبوق، حول الانتخابات المصرية، منذ بضعة أسابيع، وقد بلغ الاهتمام من قبلها بهذا الحدث حد تخصيص موقع إلكتروني يتم تحديثه علي فترات متقاربة بعنوان «دليل الانتخابات المصرية».. وقد لفتت الأنظار في هذا العمل أمور مختلفة.. أبرزها علي الإطلاق هو أن المؤسسة عقدت اتفاقاً لم تحدد أبعاده لنشر محتوي التقارير التي تكتبها عن الانتخابات في جريدة «المصري اليوم الخاصة». إن من حق أي جريدة أن تعقد اتفاقا مع أي جهة بشأن تقديم الخدمات الصحفية.. إذا كانت صحفية.. ولكن من حق القارئ أن يعرف أبعاد الاتفاقات المماثلة.. ولماذا هي تمت وما هي حدودها.. وكيف ستجري الأموال من هذه إلي تلك أو بالعكس.. وهل سوف تقبض الجريدة المصرية مالاً من المؤسسة الأمريكية.. أو منحًا.. أو أنها - أي المصري اليوم - هي التي سوف تدفع المال إلي المؤسسة الأمريكية من أجل أن تنشر لها بانتظام تصريحاتها ودراساتها ومقالاتها حول الانتخابات المصرية؟ لا تتمتع «كارنيجي» بالحياد، وعلي الرغم من أن فيها باحثاً مصرياً أو أكثر، ولديها فرع في بيروت، فإنها تتبني مواقف المعارضة المصرية غير المنظمة خصوصا ما يعرف باسم جمعية التغيير أو حركات الاحتجاج غير القانونية أو جماعة الإخوان المحظورة.. ومن ثم فإن ما سوف تنشره وتعلنه.. وتنقله عنها بالتبعية جريدة مصرية خاصة.. يعني أنه لا يمكن الاحتكام إليه كمصدر للمعلومات المحايدة بشأن الانتخابات. إن تقييم المعلومات التي يقدمها موقع كارنيجي للانتخابات المصرية يقود إلي أخطاء وتقييمات غير منصفة.. علي سبيل المثال هو يصف جماعات المعارضة الأكثر نفوذاً بأنها «الإخوان وجمعية التغيير وحركة كفاية.. وحركة ستة أبريل».. وبغض النظر عن اختلافي أو اتفاقي مع أي من هذه الحركات، فإنه - علمياً - لا يمكن القول علي الإطلاق بأنها جميعاً ذات نفوذ.. وإلا فإن هذا سوف يقودنا إلي تعريف النفوذ من الأصل ونوعه وحدوده ولا أعتقد أن أي باحث علمي سليم المنهج يمكن أن يساوي بين جماعة محظورة بحكم القانون تأسست منذ ثمانية عقود وحركات شخصية نشأت منذ ثمانية أشهر. لكن المعضلة لا تكمن هنا، وإنما في أن هذه الأرضية المعلوماتية الخاضعة للعبث يتم استخدامها في تمرير مقالات وتصريحات وبيانات للمؤسسة الأمريكية بشأن الانتخابات.. تعبر عن وجهة نظر محددة.. مسبقة.. حتي قبل أن تتم الانتخابات.. وتتخذ مواقف معلنة ضد الحكومة وضد الدولة المصرية وتتبني منهجاً خصماً ضد طرف أصيل في الانتخابات هو الحزب الوطني.. وبما في ذلك مساندة كل الآراء التي لديها مواقف من الطريقة التي تدار بها الانتخابات المصرية. إن المشكلة هنا ليست هي «مصداقية كارنيجي» أو مدي دقة ما تقوم به، وإنما أنها وجدت صحيفة مصرية تتعاون معها، وتنشر لها مقالاتها وأخبارها وأبحاثها وتقاريرها، وهو الأمر الذي سوف يتصاعد تدريجيا وبدءا من أول نوفمبر، ومن ثم فإن تساؤلا جوهرياً يطرح نفسه حول مدي موضوعية التغطية الإخبارية التي سوف تقوم بها الجريدة المصرية للانتخابات في ضوء التزامها مع هذه المؤسسة الأمريكية. أعتقد أن علي المجلس الأعلي للصحافة ولجان الأداء الإعلامي أن تنتبه هنا إلي التساؤلات التالية: ما طبيعة الاتفاق المالي بين الجبهتين المصرية والأمريكية - من يقبض من الآخر؟ لماذا لم يكشف عن حدود وطبيعة هذا الاتفاق للقارئ حتي يحكم علي منهج الصحيفة المصرية في التعامل مع الملف؟ هل هذه الاتفاقية تعني التأثير علي السياسة التحريرية للجريدة بحيث إن عليها أن تنظر إلي الانتخابات من المنظار الذي قدمته لها المؤسسة الأمريكية؟ هل يمكن أن يخالف محرر في الجريدة المصرية هذا التوجه القادم من واشنطن والمبرم به عقد اتفاق؟ عديد من الأسئلة التي يجب أن تجد إجابة وتلقي ظلالاً كثيفة علي توجهات هذه الجريدة المصرية الخاصة.. لم تنفها ظلال سابقة.. ولكننا هذه المرة أمام اتفاق معلن وموثق ومدون في موقعي الجهتين المصرية والأمريكية. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]