كل عام وفي التوقيت ذاته ومع حلول فصل الخريف، يظهر فيروس ملتحمة العين ويصيب الأعداد ذاتها تقريبا من الصغار والكبار أيضا.. وكل أطباء العيون يعرفون جيدا أنه فيروس ضعيف جدا جدا ولا يسبب أي أضرار للعين وليس لوجوده أخطار.. كما يعلمون أيضا أنه حتي بدون علاج تتحسن العين ويتم التغلب علي الفيروس بسهولة.. ومثله مثل غيره من الفيروسات التي تنتشر في فصل معين يرتبط بدرجات حرارة ورطوبة معينة، يظهر الفيروس في هذا الموسم بشكل كبير من ناحية، وتنتقل العدوي به في الأماكن المزدحمة من ناحية أخري.. فما الذي حدث هذا العام حتي تتصدر أخبار الفيروس القديم المعروف الضعيف مانشيتات الصحف القومية والخاصة علي حد سواء؟ وما الجديد في أمر هذا الفيروس الذي يجعل مكانته ترتفع حتي يزيح الأخبار السياسية والاقتصادية العالمية والمحلية من أمكنتها علي الصفحات الأولي ليتربع هو مكانها؟ أمر مثير للدهشة والعجب والاستفهام.. ومهما توقفت الأحداث المهمة عن البزوغ في سماء الأخبار، لا يمكن أن نتصور أن تفلس مصادر الأخبار ولا تجد إلا هذا الفيروس المسكين لتضعه في تلك المكانة التي لا يحلم بها.. أتصور أن رد فعل هذا الفيروس سيكون واحدا من اثنين: إما سيخاف من الأخبار التي تتناوله والصحف التي تصور ضحاياه، ولو أن الصور كلها جاءت بأطفال مبتسمين وعيونهم جميلة لا يظهر عليها أي شبهة مرض.. ويهلع من البرامج التي تستضيف الأطباء للحديث عنه وهو لا يساوي واحدا في المائة من تلك الأهمية.. وبالتالي سينزوي خوفا وهلعا ورعبا وسيترك المواطنين في حالهم ويختفي لمدة عدة سنوات حتي ننساه.. أو ربما يكون رد فعل الفيروس هو الاستقواء بتلك الدعاية المجانية المفرطة والإحساس بقوته وأهميته وقدرته علي بلبلة الشارع المصري وتمكنه من أن يصبح حديث العامة.. مما ينتج عنه انتقال الفيروس إلي مكانة أكبر؟ وبخاصة بعد اقتران اسمه بمصطلح (وباء) الذي يرفع من شأنه.. وقد يؤدي هذا إلي هجوم شرس من الفيروس علي جميع محافظات هذا البلد الذي يرهبه ويخشاه ليثبت أنه جدير بتلك المكانة التي صوره الإعلام فيها.. وبالتالي يسكن الفيروس لمدة أطول ويستمر في الانتشار لعدة مواسم في العام الواحد.. وقد يقوم الفيروس بالتلاحم مع السحابة السوداء، التي لا علاقة له بها في الوقت الحاضر.. ولكن ببعض التفاهم بينهما وبمساعدة وسائل الإعلام قد يظهرا كشريكين قويين في المؤامرة ضد عيون المواطنين وبخاصة أن كلا منهما بمفرده يصيب العيون.. وستتكاتف مع الفيروس كل الأصوات الداعية لوقف الدراسة وإعلان الطوارئ الطبية وعزل المصابين وإعلان اللون الأحمر أو البنفسجي لانتشار وخطورة الوباء.. ما هذا الذي نفعله؟ وما الهدف من إخافة العامة وإقلاقهم؟ ولماذا لا يتحري الإعلام قليلا من التروي قبل نشر تلك الأخبار بهذه الصورة المفزعة؟ وهل فيروس ملتحمة العين هو الوباء الذي يجب أن نتصدي له، أم هو فيروس الشائعات الذي يصنف الآن علي أنه وباء دائم لا يرتبط بمواسم هو ما يجب التصدي له بقوة وحزم ودون تباطؤ؟