دون أن يدري أضاف الأستاذ هيكل فصلا جديدا إلي فصول كتابه الأشهر خريف الغضب الذي صب فيه جام غضبه علي «سيرة» و«مسيرة» الرئيس السادات، فبعد مرور كل هذه السنوات يتذكر هيكل تفاصيل جديدة تتعلق بوفاة الرئيس عبدالناصر، وأثناء سرده لهذه التفاصيل اختلط الخبر بالتحليل وتداخلت الحقائق بالشائعات، فطال الرئيس السادات ما طال، بيد أن هيكل كمن أراد أن يحتفظ بالمياه بين أصابعه لكنه ولأسباب عديدة لم يستطع! تسربت المياه وتناثرت وفي هذا المقام لا يهمنا هل كان الأستاذ هيكل يقصد إثارة هذه البلبلة أم حدثت الإثارة بطريقة عفوية لم نعهدها في رجل بحجم هيكل، أتذكر هنا مقولة هيكل الشهيرة «أقول كلمتي وأمضي» وبالفعل قال الرجل كلمته ومضي إلي حال سبيله وتركنا نضرب أخماسا في أسداس وكل ما ازعجني هو لماذا اختار هيكل أن يسبح في بحيرة راكدة لماذا يفضل الرجل أن يسير بنا في دروب الماضي متجولا في سراديب مظلمة قد يكون هو من حفرها بنفسه؟!، عفوا يا أستاذ هيكل فرغم كل احترامي وتقديري لمهنيتكم الرفيعة إلا أنني أسمح لنفسي - وأنا من أنا وأنت من أنت - أن اختلف تماما مع توجهكم في سرد تفاصيل وحكايات لم يكن هناك شاهد عليها إلا شخصكم خاصة أن أحدا من أطراف هذه الروايات لم يبق علي قيد الحياة، إنني لا أشكك في صدق ما تقول لكنني أري أن هذه الأحداث والتفاصيل والشائعات لن تصل بنا إلي المستقبل الذي نحلم به جميعا. ماذا استفادت مصر وشبابها من الزج باسم الرئيس السادات في شائعات ترددت بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عن احتمالية وفاته مسموما؟ أنا لا أتكلم عن هيكل وحسب بل أتكلم عن المنظومة الإعلامية برمتها فليس كل ما يعرف يقال وعلينا أن نفكر فيما نقول قبل أن نقول وعلينا أن نستخدم العقل والمنطق ونحن نتناول شيئا يتعلق بتاريخ هذا الوطن. إنني في حيرة شديدة فلم أجد إجابة عن سؤال يلح علي كثيرا ( من يكتب تاريخ هذا الوطن)؟ فالأستاذ هيكل صحفي ألمعي لديه - كما يقول - العديد من الوثائق السرية التي لا يملكها غيره ومن ثم بدأ الرجل وكأنه تحول من كاتب وصحفي إلي مؤرخ ومحلل! ولا مشكلة في ذلك علي الإطلاق لكن أن يقوم الأستاذ هيكل بنقل ما أثير من شائعات في وقائع محددة قد يؤدي إلي تثبيت الشائعة أو تصديقها مما يحدث الضرر بأبرياء رحلوا عن عالمنا والله بهم عليم. أنا لا أقف علي ناصية أتصيد اخطاء المشاهير ولا أتوقف كثيرا عند تجاوزات بني البشر فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، لكنني أقف وأتوقف عند حدود المصلحة العليا لهذا الوطن، وأخشي ما أخشاه هو الفتنة النائمة التي تبحث عن موقظ يبعثها من مرقدها فتأتي علي الأخضر واليابس، أتذكر أنني قمت بزيارة للأستاذ هيكل في مكتبه بصحبة المهندس مصطفي جلال ندا نجل البكباشي جلال ندا ودار بيننا حوار طويل حول المستقبل واكتشفت يومها أن الرجل يجامل الماضي علي حساب المستقبل لكنه قال لي إنني تكلمت كثيرا وجاء دوري أن استمع إلي غيري. وأضاف بأنه لا يريد أن يتكلم بقدر ما يريد أن يسمع، وأتذكر خلافا قد حدث بين اللواء جمال حماد وهيكل حول تاريخ لقاء هيكل بعبد الناصر واستشهاد حماد بشهادة جلال ندا الذي أكد أن هيكل وعبدالناصر لم يلتقيا أثناء حرب فلسطين. كما أعلن هيكل في أكثر من مناسبة وعند مواجهة هيكل بما قال جلال ندا رحمه الله قال هيكل «ارحموا شيخوخة الرجل» فقيل له إن جلال ندا ذو ذاكرة حديدية ويؤكد صدق وصحة روايته فقال هيكل «إذن فارحموا شيخوختي».