شهدت الساحة الغنائية المصرية خلال السنوات الأخيرة ظاهرة انتشار الأغاني الدينية فلا يوجد مطرب أو مطربة تقريبًا إلا وقدم أغنية، تلك الظاهرة أثارت حفيظة علماء الدين لاسيما في المؤسسة الأزهرية الذين اعتبروا هذه الظاهرة تجارة جديدة للغناء باسم الدين، وتوزيعها كشرائط وكول تون علي الموبايلات في ظل اهتمام كثير من الناس بإظهار تدينهم حتي علي نغمات الموبايلات. فحول الموقف الديني من ظاهرة الأغاني الدينية يعتبر د . صبري عبد الرءوف أستاذ الفقه المقارن بالازهر أن الأغنية الدينية تعكس إما موجة تدين في المجتمع خاصة لدي الشباب أو أزمة يمر بها الوطن او الازمة الاسلامية عامة و لكنها مؤشرات ايجابية بالاضافة الي بعد اخر يتمثل في الترويح النفسي فليس من الضروري ان تناقش الاغنية الدينية وضعًا متردياً موجوداً علي ارض الواقع فقد تمثل دعوة للمحبة و الترابط و المودة لأن الاسلام فيه من السعادة و السرور ما لا يعرفه الكثيرون فالرسول صلي الله عليه وسلم قال «روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب اذا كلت ملت». ومع ذلك يري الدكتور صبري أن هناك أزمة في الأغنية الدينية مفادها أن الذين يخرجون علينا بالاغاني الدينية اغلبهم يتناقضون مع الصورة الذهنية الحقيقية المنطبعة عنهم في اذهان الناس و هي الظهور بجوار الراقصات و الفتيات العاريات في الكليبات المسفة أي أن ظاهرة يتناقض مع باطنه ولذلك لا يصدقه الناس لان اغلب الاغاني من هذا الشكل تدخل في إطار اللعب علي وتر الصحوة الدينية و مشاعرالحب للرسول مثلا، فتخرج إلي نطاق التجارة ، مؤكدا أن الدين بريء من امثال هؤلاء المطربين الذين يغنون باسمه و يطرحون ألبومات كاملة دينية ثم يظهرون مع فتيات عاريات علي الشواطئ في اغان اخري فكيف يصدقه الناس و هو اصلاً غير صادق مع نفسه . و تشدد الدكتورة إلهام شاهين أستاذ الفلسفة و العقيدة بالازهر علي ان مواصفات المطرب الذي يقدم أغنية دينية ليست في صوته العذب و الجميل فقط او حتي الكلمات الجيدة الطيبة التي يقدمها بل يوجد عنصر أهم من ذلك و هو القبول و مدي تصديق الجماهير له و الا تحولت هذه الأغنية التي تقاوم الفن الرديء و تدعو لمعني طيب الي عبء و سخرية من الدين ..بل أن بعض المطربين الاكثر رقياً لا يصدقهم الناس لشعورهم بأنهم يؤدون عملاً تجارياً ليس اكثر لافتا إلي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال " بلغوا عني و لو آية " و الاغنية الدينية في عصرنا هذا قد تكون إحدي وسائل الدعوة و تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الاسلام و المسلمين. و تري شاهين أن هناك مطربين يعتبرون نماذج جيدة في الاغاني الدينية و ان الساحة ليست كلها للتجار و المتربحين فحسب. من جهته يشير الدكتور جمال النجار رئيس قسم الإعلام بالأزهر الي أن أغلب الذين يقدمون أغاني دينية يسيئون و لا يصححون لأنهم يتعاملون مع الأغنية الدينية من منطق السوق عايز أيه " و هذا ما دفع الكثير من المطربين لعمل شرائط دينية، موضحاً أن الاغنية مضمون و محتوي و كلمة و تلحين و موسيقي و غيرها و قبل كل ذلك شخص يؤدي و يغني يقنع الناس بكل هذه الكلمات البعيدة عن المجون و لذلك يجب ألا يتعامل المطربون مع الاغنية الدينية علي انها موضة يحتاجها سوق الكاسيت و الجمهور . آراء الفنانين و حول رأي الفنانين الذين اشتهروا بالاغنية الدينية يقول الفنان محمد ثروت أن الاغاني الدينية حالياً تجارة حيث يقوم المطرب بغنائها في مواسم معينة يتم توزيعها علي القنوات الفضائية و يحسبها البعض بمجرد التواجد ا لاعلامي او تحصيل أموال اذا كان الفنان هو المنتج كما حدث هذا العام مع بعض الفنانين، في حين ان الفن الغنائي الديني غير مرتبط بزمان معين دون غيره لانه من المفترض ان حب الله و رسوله لا ينقطع و يتواصل من حين لاخر. بينما يوضح المطرب ايمان البحر درويش انه لا يوجد فن إسلامي و فن غير اسلامي و لكن هناك فناً يخدم قضية و في النهاية الفن فن يجب ان تكون له قواعد و والمفهوم من الفن رسالة: أن يكون الفن الهادف الذي يضيف إلي الناس الأحاسيس الإيجابية، في العاطفة مثلاً يبعد عن إثارة الغرائز، ويسمو بالروح إلي أسمي المعاني، وفي مجال الغناء الوطني يحث علي الجهاد والشجاعة وإعداد القوة بكل أشكالها؛ سواء نفسية أم مادية، وفي مجال الدين إظهار ما في الدين من سلوكيات. ويضيف أن الفن الاسلامي ليس الحديث في الدين فقط فيمكن ان يقدم الفن رسالة و يشعل روح الحماس في نفوس الشباب لأن الفن الممتع يؤثر بشكل قوي جدًا علي الناس، والأمثلة كثيرة في التأثير السلبي، فإذا استخدمناه في التأثير الإيجابي فأعتقد أنه سيكون مؤثرًا جدًا تربيت في بيت كان الغناء فيه من أسباب ثورة 1919 فتعلمت منه كيف يكون الغناء رسالة . تاريخ قديم و يرصد لنا الدكتور عبد المقصود الباشا أستاذ التاريخ الاسلامي و عضو المجلس الاعلي للشئون الاسلامية تاريخ الاغنية الدينية فيؤكد انها متواجدة منذ صدر الاسلام و استخدمت في عهد الرسول " صلي الله عليه وسلم " للتعبير عن افراح المسلمين و مناسباتهم و تطورت الي مراحل مختلفة من التاريخ فالاغنية يمكن ان تلعب دوراً هاما في الارقاء بأزواق المجتمع من ملبس و مأكل و مشرب و سلوك و هذا هو الدور الحقيقي للأغنية الدينية لكن ما نراه الان يدعونا للبكاء لان اصحاب الاغاني الهزلية هم أنفسهم يتجهون و ينحدرون فجأة نحو الغناء الديني و هي حالة انفصام غريبة لا يمكن وصفها الا بانها نوع من الكفر بالمبادئ والقيم فلنترك مجال الاغاني الدينية للمطربين الملتزمين الذين لا يظهرون بأوضاع مخلة تخدش الحياء والاحترام في الاغاني العادية ليكون ذلك اوقع في النفوس واكثر تأثيراً .