كتب - فؤاد التوني هل حقا أن منع قناة أوربت من البث المباشر من القاهرة يرجع إلى تأخر مسؤوليها عن سداد ديونها البالغة خمسة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف دولار لمدينة الإنتاج الإعلامي؟ ولماذا لم يتدخل الرئيس مبارك لحل الأزمة كما تدخل في أواخر العام الماضي على حد قول مشكوك فيه لمقدمي برنامج "القاهرة اليوم"، خاصة وأن ادراة القناة قالت إنها أرسلت الشيكات إلى مسوؤلي مدينة الإنتاج الإعلامي، ورفضوا استلامها، وإذا كان الأمر مجرد تأخر دفع الإيجار، فما أسباب رفض وزارة الإعلام بث برنامج "القاهرة اليوم" من أماكن أخرى لحين تسوية الموضوع، رحمة بأبرز مقدميه "عمرو أديب" الذي سافر إلى لندن بعد أن اخفق في حل الأزمة مع إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي . على أية حال الموضوع لم يُحسم بعد، وهل الإغلاق سيكون نهائيا أم "قرصة ودن" فالبعض يقول إن الحكومة المصرية أرادت إغلاق القناة بعد أن ضاق صدرها من برنامج "القاهرة اليوم"، الذي دأب على انتقاد الحكومة وكشف جانبا من فساد الحزب الحاكم، وتحول "عمرو اديب" بين يوم وليلة، من حيث لايدري، إلى "برادعي" جديد يناضل من اجل إنشاء المدينة الفاضلة، مع أن كل دوره في البرنامج هو أن يشاغب الحكومة بوعي، وأحيانا بدون وعي، دون خروج عن الخطوط الحمر التي تحكم الإعلام الخاص العامل في مصر، لكن يبدو أن اديب "زودها حبتين" لأنه وجد أن مشاغباته ترضي غروره الشخصي، وتلقى قبولا من العامة، وتخيل أن أحدا لن يتجرأ ويوقف برنامجه خاصة وأنه لا يمرر فرصة إلا ويذكر الناس بعلاقته الوطيدة مع الرئيس مبارك وأسرته . مشكلة معظم مقدمي البرامج في القنوات الخاصة في مصر أن الأضواء تلعب بأدمغتهم، فيتوهمون أنهم مناضلون مع الشعب المصري المطحون، فيرتدون ثوب البطولة الزائفة، مع أن جميعهم ينتمون لمؤسسات صحفية حكومية، وصحف أصحابها من رجال الأعمال المرتبطين بالحكومة، وهم في حقيقة الأمر مجرد معارضة شكلية "ديكور" لزوم الديمقراطية وهم من صنع الحكومة، ويعمل معظمهم ضمن شلليات وجماعات مصالح، وبعضهم يختبأ داخل جمعيات خيرية، يقدمون من خلالها الفتات للفقراء والمحتاجين في قراهم أمام السادة المسؤلين من باب الرياء والفشخرة الاجتماعية . وأمام هذا الهجوم للصحفيين على برامج "التوك شو" في الفضائيات المصرية لما تحققه من دخل يفوق مئات المرات ما يتقاضونه في الصحف، فإن عددا قليلا من هذه البرامج حفرت لنفسها مكانا على الخريطة، وارتبط بها المشاهد ومن بينها "القاهرة اليوم" "وتسعون دقيقة" "والعاشرة مساء" قبل أن تتراجع هذه البرامج خطوات إلى الخلف بعد صدور وثيقة البث الفضائي من جانب وزراء الإعلام العرب، وقد أشرت إلى هذا التراجع في مقال نشر في إيلاف في الرابع عشر من مايو العام الماضي تحت عنوان" برامج التوك شو في الفضائيات المصرية" . وربما يكون هذا التراجع قد بدأ بالفعل مع تراجع هامش الحرية التي منحها الرئيس مبارك للإعلام، فالنظام المصري في الماضي القريب لم يتحمل انتقادات الإعلامي الكبير "حمدي قنديل"، وظل يلاحقه في قناة دبي إلى أن تم إيقاف برنامجه" قلم رصاص" وكذالك لم يستمر طويلا في قناة الجماهيرية الليبية، وتلقى وعودا من صاحب قناة دريم بتقديم برنامج على القناة، ثم تراجع صاحب القناة في وعوده حسبما أعلن قنديل في احد تصريحاته، لينتهي به المطاف متحدثا رسميا في الجمعية الوطنية للتغيير، وهذه الأيام سمعنا عن استقالة الصحفي "إبراهيم عيسى" من قناة اون تي التي يمتلكها رجل الأعمال "نجيب ساويرس"، وكان يشارك في تقديم " بلدنا بالمصري "ليتفرغ كما قيل لتطوير جريدة الدستور التي اشتراها رئيس حزب الوفد السيد البدوي صاحب شبكة الحياة. وعملا بالمثل "اضرب المربوط يخاف السايب" جاءت فكرة الأستاذ "عبد الله كمال" رئيس تحرير روزا اليوسف مباشرة ضد السايب حين نشر مقالا في عدد العاشر من أغسطس الماضي من روزا اليوسف بعنوان" العزب الإعلامية لمليارديرات مصر" هاجم فيه "برنامج 48 ساعة" الذي تقدمه زميلة الدراسة الجميلة هناء سمري مع الصحفي سيد علي أسبوعيا على قناة المحور التي يمتلكها رجل الأعمال حسن راتب لأن المذيع لم يقاطع الضيف، حين قال الأخير إنه رفع قضية على وزير العدل لكي يكشف عن الحالة الصحية للرئيس مبارك، واتهم شخصيات عامة بأنها عميلة للمخابرات الأمريكية مشيرا إلى أن ثروة الرجل مدينة بوجودها للاستقرار في عهد الرئيس مبارك، والأخ عبد الله يدرك جيدا أن المذيع قد لا يستطيع التحكم فيما يقوله الضيف على الهواء وإلا بدا أمام المشاهد كمن يصادر رأيا. ولم يسلم رجل الأعمال " احمد بهجت" من الهجوم فقد انتقد عبد الله كمال تعليق مذيعة برنامج "العاشرة مساء" "منى الشاذلي" في واقعة وفاة اللواء احمد رأفت نائب رئيس جهاز امن الدولة رحمه الله حين رثته جماعة الإخوان المسلمين فعلقت المذيعة بالقول " هذه أول مرة أجد فيها المجلود يرثي الجلاد" وهو تعليق جانبه الصواب، لأنه يفتقد إلى المهنية من ناحية، ويشكك في رجل كان له دور بارز في مبادرات منع العنف، ومكافحة التطرف الديني، ورجوع كثير من المتطرفين إلى جادة الصواب. ومهما يكن من أمر فإن استشرف من واقعنا المتردي أن "حرية الإعلام" شرعت في التراجع، وتريد الحكومة أن توصل رسالة للجميع بأن هناك خطا يجب السير عليه ومن سيخرج عن هذا الخط سيصطدم بعقبات قد تؤدي إلى نهاية مأساوية فهل وصلت الرسالة؟ إعلامي مصري