دايما تلت وتعجن، أو تحب تلت وتعجن.. يقولها أهلنا في الريف، أو كانوا يقولونها للشخص الذي يتكلم فيما لا يجب الكلام فيه.. أو يتحدث أكثر مما يجب، فيصيب مستمعه بالقرف أو الزهق أو يكشف اسرارا قد يكون من الأفضل ألا تنكشف. ولقد فكرت كثيرا فيما يحدث حولي في الصحافة والبرامج الحوارية فوجدت الكثير مما ينطبق عليه اللت والعجن.. خصوصا في قضايا من نوع اعتراض فئة ما من فئات المجتمع علي مسلسل أو فيلم.. لقد كتب الكثير في ذلك والجميع يعرفون انه لا طائل وراء هذه الاعتراضات والفن له مقاييس أخري غير الحياة والواقع. ورغم ذلك يحدث اللت والعجن وتنشره الصحف الباحثة عن الإثارة.. هذا نوع من اللت والعجن لا يضر، وقد يكون مسليا.. وقد يكون مفيدا للفيلم أو المسلسل، حتي إن الكثيرين الان يشكون أن ذلك يحدث بإيعاز من المنتجين أنفسهم لترويج بضاعتهم. لكن طبعا هذا لا يحدث بشكل عام فمسلسل مثل «الجماعة» لا يقع تحت هذا الكلام، واعتراضات الإخوان عليه ليست تمثيلية. هم لا يحبون الفنون ويعتبرون انهم افضل خلق الله.. ما علينا.. أعود الي اللت والعجن غير المثمر وغير المفيد. خاصة فيما يتعلق بدخول مسيحي أو مسيحية الاسلام أو خروجهما منه بعد ذلك أو انتقال مسلم أو مسلمة إلي المسيحية علي قلة ذلك. قديما لم يكن دخول الاسلام والانتقال من المسيحية اليه يحدث هذه الضجة. كثير جدا من الرجال المسيحيين أشهروا إسلامهم ليتزوجوا من مسلمات، خصوصا في عالم الفن والثقافة وكثير من المفكرين والكتاب والفنانين المسلمين تزوجوا من مسيحيات علي طول التاريخ المصري الحديث، وبصفة خاصة في القرن العشرين مع تحرر المراة والاشتراك في العمل العام والعمل الثقافي والفني.. ولست في حاجة لاضرب لكم الأمثلة. لم يكن المسلمون يرون في الزواج من مسيحية مصرية أو أوروبية حتي إن لم تغير دينها أمراً يربك الاسلام، ولم يكن المسيحيون يرون في ذلك الزواج إضعافا للمسيحية ولا خضوعا للاسلام والمسلمين لكنه القلب وما يريد. والأمر نفسه ينطبق علي الرجال المسيحيين الذين غيروا ديانتهم للزواج من الحبيبة المسلمة. صار هذا هو موضوع الساعة في مصر ولم يحدث ذلك فجأة.. فعبر الاربعين سنة الاخيرة تم الانحراف بالناس عن الحياة الدنيا العادية التي كنا نحياها وكانت قائمة علي المواطنة والتسامح إلي أن تكون الهوية علي الدين وليس المصرية مثلا.. لقد بدأ ذلك بالمسلمين، الذين أدخلوا في السياسة في إطار لعبة كبري هي القضاء علي الاتحاد السوفيتي الشيوعي في افغانستان، واضعاف شوكة الأحزاب والجماعات اليسارية داخل البلاد. ولقد نجح المخطط الذي ظل بعيدا عن الكنيسة التي لا شأن لها بالسياسة. ثم أصبح الدين هو الهوية وتم اضطهاد الاخوة المسيحيين والتمييز بينهم حتي، بدورهم، بدءوا يدخلون في السياسة.. علي الاقل دفاعا عن انفسهم التي صارت هويتهم فيها ديانتهم. تواتر الحديث في ذلك جعل جدارا عازلا يفصل بين الاثنين.. عنصري الامة كما اطلق عليهم مفكرو ثورة 1919 وعنصر واحد كما يحاول بعض الكتاب الآن مفرطا في تفاؤله في مواجهة هذه التفرقة بين بني الوطن علي أساس الدين. صار دخول شخص الي الاسلام حدثا رغم ان الاسلام لم يعزّ بدخوله ولم يرتفع شأنه لا لشيئ إلا لأن الاسلام ليس في حاجة إليه وإذا خرج واحد من المسيحية قامت الدنيا رغم أن المسيحية ليست في حاجة إليه وإذا عاد أحد عن الإسلام من جديد إلي المسيحية قامت الدنيا رغم أنه لا الاسلام ولا المسيحية خسر أو كسب.. والامر ينطبق علي النساء أكثر مما ينطبق علي الرجال خصوصا أنه في الفترة الأخيرة حدث ذلك لبعض نساء القساوسة. ويطالب المسلمون بالقصاص أكثر مما يطالبون بالقصاص من أجل فلسطين مثلا. ويحدث ذلك الآن مع كاميليا زوجة الكاهن وإذا نشرت الصحف خبر فيديو تحدثت فيه مقرّة انها لم تسلم وأنها علي دينها فالرد جاهز، ليست هي من تحدثت ولكن شبيهة لها. مظاهرات هنا ومظاهرات هناك ولت وعجن في قضية لم تكن موجودة من قبل لكنها صارت اساسية في مجتمع عاد إلي العصور الوسطي وكأنه لم يمر بالنهضة من قبل.. رجال دين يريدون ثواب الله حتي لو أضاعوا الوطن ورجال الصحافة يريدون مساحات اكبر من التوزيع.. وشباب يلهو علي الإنترنت والله أعلم بالسرائر.