بعد حياة حافلة بالعطاء الوطني، ودعت مصر في الثالث والعشرين من أغسطس سنة 1965، رمزا سياسيا جليلاً من الجيل الذهبي للوطنية الصافية الخالصة، الزعيم الكبير مصطفي النحاس، قائد النضال الشعبي بعد رحيل سعد زغلول، حتي قيام ثورة 23 يوليو وتراجع دور الوفد. علي مدي ربع قرن متصل، كان النحاس زعيما للوفد والأمة، ومدافعا صلبا عن حق الشعب في حياة دستورية سليمة، يتمتع فيها بالحرية والحياة الآمنة بعد قهر أو اضطهاد. حمل الراية بعد غياب سعد، وحافظ علي قيم ومبادئ ثورة 1919، دون تفريط أو تنازل، وعلي أرضية الإيمان بالوحدة الوطنية والديمقراطية والدولة المدنية. إذا كان ميثاق العمل الوطني، الوثيقة الفكرية المهمة لثورة يوليو، قد أساء إلي زغلول واتهمه بركوب الموجة الثورية، فإن الميثاق نفسه قد أهمل الإشارة إلي مصطفي النحاس، السياسي النقي المثالي الذي عاش شريفا ومات فقيرا، وكانت سنواته الأخيرة تجسيدًا شجنيا للأذي والاضطهاد غير المبرر، فمن يصدق أن تخلو كتب التاريخ في المدارس من اسمه، وألا يجد ثمن الدواء؟! الوفد ليس حزبا عاديا في التاريخ المصري، وسعد والنحاس ليسا كغيرهما من الساسة، فالحزب الشعبي الكبير هو المعبر عن أحلام وطموحات الأغلبية العظمي من المصريين، وزعيماه العظيمان علامتان بارزتان في النصف الأول من القرن العشرين. وقد تعرض الوفد وزعيماه لاتهامات باطلة وحملات جائرة، ولا أحد ينسي الموقف السلبي لجماعة المسلمين، تلك الجماعة الإرهابية الرجعية التي تحالفت دائمًا مع أعداء الوفد والشعب، فما الذي تغير الآن حتي يلهث رئيس الوفد وراء المرشد وجماعته التي تضيق بالديمقراطية وتجاهر برفضها للوحدة الوطنية وتسفه كل الثوابت التقليدية التي ينهض عليها بناء الوفد؟! ليست المسألة أن تكون وفديا تحمل بطاقة العضوية الحزبية، فالقيم التي يعبر عنها الحزب ملك للمصريين جميعًا، لأنها وليدة ثورة وطنية تتجاوز الأحزاب. الاختلاف وارد مع الاجتهادات الاقتصادية والاجتماعية لحزب الوفد، القديم والجديد علي حد سواء، لكن الاتفاق كامل مع المبادئ العريضة التي تمثل أساسًا للنهضة العصرية، فكيف يتحالفون مع دعاة الردة إلي العصور الوسطي؟!