اعتاد السكندريون قسرا علي السلحفاة المسماة «ترام الرمل» وتعودوا قهرا علي سوء معاملة السائق والمحصل مع انعدام الرقابة المنوط بها هيئة النقل العام بالمدينة، واكتملت حلقة العذاب باحتلال جحافل أطفال بل ورجال الشوارع محطات الترام البائس خاصة عند الشبان المسلمين والجامعة والإبراهيمية وبولكلي وهو احتلال تضمن إعاشة كاملة للمشردين من نوم وصداقات ومشاجرات وأكل وشرب وخلافه (ضع تحت «خلافه» هذه عشرة خطوط غير مستقيمة). وبمرور الوقت وغياب العلاج تكاثرت أعدادهم مع تضاعف أحجام أجسادهم، وازدياد حدة شراستهم التي وصلت إلي سرقة الركاب بالإكراه وعلنا ذات مساء بين محطتي مصطفي كامل ورشدي، ومن ثم تحول الترام أحيانًا إلي وسيلة إرهاب بدلاً من كونه أداة مواصلات وأصبح الانتقال به مساءً مغامرة غير محسوبة العواقب فالعربات مأوي شبه دائم لمجموعات يقودها زعيم تدين له العصبة بالولاء التام. وعند الساعة الحادية عشرة مساء الثلاثاء 20 يوليو وعند محطة الشبان المسلمين صعد ثمانية مشردين أكثرهم براءة تذكرك ملامح وجهه الكريم بالمرحوم كورليوني آل كابوني زعيم المافيا الأشهر، وبحكم التجربة توجس الركاب شرا وتجسس البعض منهم جيبه، وبمجرد تحرك الترام حاصر سبعة من أفراد العصابة ثامنهم وبدأت عملية تعذيب رهيبة يعتبر أبو غريب بالنسبة لها منتجعا حالما، وتوالت في عجالة غريبة ضربات عنيفة متلاحقة أغلبها علي الرأس، بالأيدي والأرجل، أربعة عشر يدا ومثلها أقدام تشترك في مباراة وليمة دموية، والضحية تصرخ طالبة النجدة، لكن من يجرؤ علي مجرد الاقتراب، حيث تكون الضحية المذكورة في ركن من أرضية الترام وتكدس الركاب في الركن البعيد من العربة، والرعب يملأ السيدات والأطفال، والمحصل - بحكم العادة - يتجاهل الأمر كله بينما الضرب والسحل والصراخ في تصاعد. أخذت أفكر: مشكلة كل صيف.. زحام المصيفين، وسوء معاملة التاكسي، البديل الوحيد في حالة غياب السيارة هو سلحفاة الإسكندرية، لكن ذلك يجري حتي شتاءً، حيث تحول الترام إلي مصدر للرعب خاصة في حالة غياب الأمن وتوحش المشردين وقهر وسلبية الغالبية. وصل الترام محطة الشاطبي، نزل السائق متجها نحو البلطجية راجيا.. ملتمسا التكرم بمغادرتهم العربة بينما هرول بعض الركاب تاركا الترام بفعل منظر الدماء وأصوات الفزع وصدي اللكمات الوحشية. تواضع الأساتذة موافقين علي سحب الضحية وهي أقرب إلي الإغماء أو الغيبوبة، إلي الرصيف لاستكمال المهمة بطريقة فاصل ونواصل، حيث تكومت الضحية المذكورة بينما الضرب والركل ينهال من كل جانب من الوحوش السبعة أمام نادي الاتحاد السكندري، ورواد سيرك سان مارك، ونادي السلاح في تقاطع يبعد بضعة أمتار عن الكورنيش. الغريب - بحكم التعود أخيرًا - أن أحدا لم فكر في طلب الشرطة أو مجرد التعاطف مع الضحية حيث قد يتوافق المنطق مع تعليق الكمساري القائل: «حتي لو قتلوه.. تلاقيه اشترك في قتل زميل شارع آخر، كلهم مجرمين، كويس يخلصوا علي بعض ونرتاح من أشكالهم المقرفة»! لكن المنطق ذاته قد يقول: «هم ضحايا.. حتي لو أجرموا فالمعاملة يجب أن تكون وفقا للقانون ونحن لسنا في الغابة علي أي حال..» هم ضحايا ظروف ومجتمع حتي مع كونهم مصدر إزعاج بل وإرهاب.. والآتي أسوأ ما لم نجد حلا لمشكلة مرعبة حقا، مشكلة كتبت عنها في الأخبار والجمهورية والمصور دون رد فعل أو جدوي باعتبار أننا نكتب في مالطة... وحالة ترام الإسكندرية تتفاقم، وأعداد المرشدين تتضاعف، والخوف يتزايد. ولك أن تتصور وقائع فيلم رعب واقعي.. مجسدا أو مجسما بطريقة البعد الرابع، علي الطبيعة بما يذكرك بمجموعة ضباع تهاجم فريسة وحيدة.. حتي ولو كانت بنفس درجة التوحش، هي بشاعة تتمثل في لحظات فزع لن ينساها الكبار وسوف تترك أثرًا - لا شك - علي الصغار.. ممن أتعسهم الحظ باستقلال الترام تلك الليلة. هذا وكان الغلاء والطوابير والثانوية العامة وفواتير كل شهر مع غيرها من هموم.. كان ذلك كله لا يكفي وكان الناس تنقصهم سهرات الدم بينما أطفال الشوارع (الترام حاليًا) يكبرون عمرا وحجما وإجرامًا وتحديًا للقانون وأبرياء المجتمع، يمارسون نشاطهم البشع نهارًا جهارًا تسبقهم أصواتهم الصارخة وألفاظهم الخارجة وملابسهم القذرة مع رائحتهم الكريهة.. إناثا وذكورًا، يخلدون إلي النوم الجماعي - المشترك - جماعات أسفل محطة الجامعة، وفوق أكشاك محطة الإبراهيمية، بل ويبيت البعض منهم فوق تندات محطة الرمل. وهكذا يضاف لمعاناة المواطن السكندري المزيد متمثلا في اعتداء البلطجية الجدد علي من يستقل الترام مضطرا مع كل ما يمثله من عيوب أولها البطء القاتل وآخرها قذارة عرباته داخليا وخارجيا، مرورا بغلظة العاملين به، وبمجموعات باعة كل شيء تسرح فيه، مع حرية التدخين وتناحة المدخنين داخله. وكانت ليلة الفزع هذه نموذجا يزداد تكرارًا.. والآتي أسوأ كما قلنا... ما لم نتحرك، مع كل التمنيات بنوم هادئ للمسئولين في هيئة النقل العام بالإسكندرية. اعتاد السكندريون قسرا علي السلحفاة المسماة «ترام الرمل» وتعودوا قهرا علي سوء معاملة السائق والمحصل مع انعدام الرقابة المنوط بها هيئة النقل العام بالمدينة، واكتملت حلقة العذاب باحتلال جحافل أطفال بل ورجال الشوارع محطات الترام البائس خاصة عند الشبان المسلمين والجامعة والإبراهيمية وبولكلي وهو احتلال تضمن إعاشة كاملة للمشردين من نوم وصداقات ومشاجرات وأكل وشرب وخلافه (ضع تحت «خلافه» هذه عشرة خطوط غير مستقيمة). وبمرور الوقت وغياب العلاج تكاثرت أعدادهم مع تضاعف أحجام أجسادهم، وازدياد حدة شراستهم التي وصلت إلي سرقة الركاب بالإكراه وعلنا ذات مساء بين محطتي مصطفي كامل ورشدي، ومن ثم تحول الترام أحيانًا إلي وسيلة إرهاب بدلاً من كونه أداة مواصلات وأصبح الانتقال به مساءً مغامرة غير محسوبة العواقب فالعربات مأوي شبه دائم لمجموعات يقودها زعيم تدين له العصبة بالولاء التام. وعند الساعة الحادية عشرة مساء الثلاثاء 20 يوليو وعند محطة الشبان المسلمين صعد ثمانية مشردين أكثرهم براءة تذكرك ملامح وجهه الكريم بالمرحوم كورليوني آل كابوني زعيم المافيا الأشهر، وبحكم التجربة توجس الركاب شرا وتجسس البعض منهم جيبه، وبمجرد تحرك الترام حاصر سبعة من أفراد العصابة ثامنهم وبدأت عملية تعذيب رهيبة يعتبر أبو غريب بالنسبة لها منتجعا حالما، وتوالت في عجالة غريبة ضربات عنيفة متلاحقة أغلبها علي الرأس، بالأيدي والأرجل، أربعة عشر يدا ومثلها أقدام تشترك في مباراة وليمة دموية، والضحية تصرخ طالبة النجدة، لكن من يجرؤ علي مجرد الاقتراب، حيث تكون الضحية المذكورة في ركن من أرضية الترام وتكدس الركاب في الركن البعيد من العربة، والرعب يملأ السيدات والأطفال، والمحصل - بحكم العادة - يتجاهل الأمر كله بينما الضرب والسحل والصراخ في تصاعد. أخذت أفكر: مشكلة كل صيف.. زحام المصيفين، وسوء معاملة التاكسي، البديل الوحيد في حالة غياب السيارة هو سلحفاة الإسكندرية، لكن ذلك يجري حتي شتاءً، حيث تحول الترام إلي مصدر للرعب خاصة في حالة غياب الأمن وتوحش المشردين وقهر وسلبية الغالبية. وصل الترام محطة الشاطبي، نزل السائق متجها نحو البلطجية راجيا.. ملتمسا التكرم بمغادرتهم العربة بينما هرول بعض الركاب تاركا الترام بفعل منظر الدماء وأصوات الفزع وصدي اللكمات الوحشية. تواضع الأساتذة موافقين علي سحب الضحية وهي أقرب إلي الإغماء أو الغيبوبة، إلي الرصيف لاستكمال المهمة بطريقة فاصل ونواصل، حيث تكومت الضحية المذكورة بينما الضرب والركل ينهال من كل جانب من الوحوش السبعة أمام نادي الاتحاد السكندري، ورواد سيرك سان مارك، ونادي السلاح في تقاطع يبعد بضعة أمتار عن الكورنيش. الغريب - بحكم التعود أخيرًا - أن أحدا لم فكر في طلب الشرطة أو مجرد التعاطف مع الضحية حيث قد يتوافق المنطق مع تعليق الكمساري القائل: «حتي لو قتلوه.. تلاقيه اشترك في قتل زميل شارع آخر، كلهم مجرمين، كويس يخلصوا علي بعض ونرتاح من أشكالهم المقرفة»! لكن المنطق ذاته قد يقول: «هم ضحايا.. حتي لو أجرموا فالمعاملة يجب أن تكون وفقا للقانون ونحن لسنا في الغابة علي أي حال..» هم ضحايا ظروف ومجتمع حتي مع كونهم مصدر إزعاج بل وإرهاب.. والآتي أسوأ ما لم نجد حلا لمشكلة مرعبة حقا، مشكلة كتبت عنها في الأخبار والجمهورية والمصور دون رد فعل أو جدوي باعتبار أننا نكتب في مالطة... وحالة ترام الإسكندرية تتفاقم، وأعداد المرشدين تتضاعف، والخوف يتزايد. ولك أن تتصور وقائع فيلم رعب واقعي.. مجسدا أو مجسما بطريقة البعد الرابع، علي الطبيعة بما يذكرك بمجموعة ضباع تهاجم فريسة وحيدة.. حتي ولو كانت بنفس درجة التوحش، هي بشاعة تتمثل في لحظات فزع لن ينساها الكبار وسوف تترك أثرًا - لا شك - علي الصغار.. ممن أتعسهم الحظ باستقلال الترام تلك الليلة. هذا وكان الغلاء والطوابير والثانوية العامة وفواتير كل شهر مع غيرها من هموم.. كان ذلك كله لا يكفي وكان الناس تنقصهم سهرات الدم بينما أطفال الشوارع (الترام حاليًا) يكبرون عمرا وحجما وإجرامًا وتحديًا للقانون وأبرياء المجتمع، يمارسون نشاطهم البشع نهارًا جهارًا تسبقهم أصواتهم الصارخة وألفاظهم الخارجة وملابسهم القذرة مع رائحتهم الكريهة.. إناثا وذكورًا، يخلدون إلي النوم الجماعي - المشترك - جماعات أسفل محطة الجامعة، وفوق أكشاك محطة الإبراهيمية، بل ويبيت البعض منهم فوق تندات محطة الرمل. وهكذا يضاف لمعاناة المواطن السكندري المزيد متمثلا في اعتداء البلطجية الجدد علي من يستقل الترام مضطرا مع كل ما يمثله من عيوب أولها البطء القاتل وآخرها قذارة عرباته داخليا وخارجيا، مرورا بغلظة العاملين به، وبمجموعات باعة كل شيء تسرح فيه، مع حرية التدخين وتناحة المدخنين داخله. وكانت ليلة الفزع هذه نموذجا يزداد تكرارًا.. والآتي أسوأ كما قلنا... ما لم نتحرك، مع كل التمنيات بنوم هادئ للمسئولين في هيئة النقل العام بالإسكندرية.