آذر هي ريم، مواطنتان في موطنين مختلفين لكن المصير السياسي واحد. لم تجتمعا وجها لوجه بل التقتا روحيا علي خلفية الحرب العراقية الإيرانية. الأولي هي آذر نفيسي الكاتبة الإيرانية وأستاذة الأدب الإنجليزي الزائرة بجامعة جون هوبكنز بالولايات المتحدةالأمريكية وصاحبة الرواية السيرة "قراءة لوليتا في طهران"، والأخري هي ريم قيس كبة الشاعرة العراقية المقيمة في القاهرة ومترجمة تلك السيرة التي صدرت مطلع هذا العام عن منشورات الجمل - ألمانيا تحت عنوان "أن تقرأ لوليتا في طهران". كان من السهل التقاط نقاط التماس تلك والتفكير فيها طوال قراءة صفحات السيرة المرهفة والمطعمة بالأدب والنقد الأدبي والفن والموسيقي، بسؤال ريم تأكدت صحة هذا المزج بينها وبين شخصية المؤلفة، تخبرنا أنها تناولت هذا الكتاب من الأساس بناء علي نصيحة صديقة بقراءته: "لقد وجدتك فيه يا ريم". تقول كبة: "أحسست بقرب من أفكارها واهتماماتها كامرأة متفتحة ومثقفة، عندما تتحدث آذر عن الحرب العراقية الإيرانية وهي أستاذة في الجامعة، كنت في ذلك الوقت طالبة في جامعة ببغداد، لقد عايشت نفس الأجواء بواسطة الوجه الآخر للعملة، كنا نعيش دكتاتورية من نوع آخر، حتي إني قلت لنفسي: إذا كنت سأكتب رواية، كنت سأكتبها بهذه الطريقة، شعرت أن آذر تتحدث بلساني، لقد جمعنا مصير واحد، القمع والكبت وأهوال الحرب". "عدة كتب في كتاب واحد"، واحد من أوصاف عديدة جري تداول تلك السيرة عبرها علي منتديات الإنترنت والمدونات الشخصية وحتي حلقات القراءة علي جروبات الفيس بوك سواء في أصلها الإنجليزي الذي صدر 2003 أو معربة، البعض فضل وصف "كتاب مفتوح في مجتمع مغلق"، أما الكثر إجماعا "أدب الاعتراض الإيراني"، فآذر نفيسي التي عادت إلي طهران من أمريكا عام 1979 تفضح في هذه السيرة عجز إيران الإسلامية عن استيعاب تطورات الزمن الفائت واللاحق. تشرح عبر تجربتها الشخصية كيفية إعادة إنتاج الهوية الإيرانية منذ انتقال السلطة من الشاه إلي أيدي الإسلاميين وحتي الحرب الإيرانية العراقية، إلي أن أحست بالاغتراب فقررت العودة إلي منفاها في أمريكا مرة أخري عام 1997 . ثمة شيء ما يستمر بالرجوع ولن يغادرك البتة، أحسست أني أريد أن أكتب في سياق ذلك التاريخ، كي أعيد خلق التاريخ، وأعرف كيف تغيرت كل حقبة أو كل عهد من هذين العهدين وماذا كان يعني ذلك بالنسبة لامرأة مثلي"، هكذا تبوح آذر، واعترافا بإتقانها لعبة الذاكرة تضيف: "لست متأكدة كم سيكون من كتابي هذا سيرة شخصية وكم سيكون منه تاريخًا، يبدو أنني منجذبة باستمرار إلي هذا الحد الفاصل بين الخيال والواقع، وفي هذا الكتاب أمزجهما". تخبرنا السيرة عن اضطرار نفيسي إلي تدريس روايات عالمية في حلقات مناقشة في بيتها بعدما واجهت تعنتا من جامعتي "طهران" و"العلامة الطباطبائي" بسبب تأويلها لهذه الروايات وبسبب رفضها ارتداء الحجاب، وكانت تأويلاتها للفضاء الخيالي لهذه الأعمال الأدبية تقاطعا مع الفضاء الواقعي القمعي الاستبدادي الذي تعيشه في ظل النظام المتزمت، ومن ثم تخفيفا من ثقل كابوسيته وتعبيرا عن موقف عام من الحياة والواقع السياسي. "لقد غادرت إيران لكن إيران لم تغادرني"، هكذا تواجه نفيسي قدح معارضيها في وطنيتها وشكوكهم من ناحية استشراقية السيرة التي كتبها بالإنجليزية أصلا. تؤيد كبة ذلك الرأي، تؤكد لي أن رسالتها الأهم من ترجمة هذا العمل تقول: "أيها العرب انظروا كيف كتبت الرواية الأكثر مبيعا في الغرب وبأي طريقة". يبدو جليا لريم كبة تحرك الكاتبة وفق أجندة الإعلام الأمريكية والغربية عموما، ولهذا فهي لا توافقها في أحيان كثيرة علي طريقة الطرح التي اختارتها: "هذه السيرة مكتوبة لقارئ أجنبي في المقام الأول"، اعتبرت ريم أن المؤلفة نقلت تجربتها بجهد هائل وجدير بالقراءة والترجمة، لكنها غالت في الحديث عن الإسلام، وكانت ملكية أكثر من الملك، إنما ما كتبته تجربة شخصية رغم أنوفنا حسبما تعقب ريم والمفروض في رأيها أن نمارس نفس الرهافة حتي نقنع الآخرين بالعكس. ابنة محافظ طهران في عهد الشاه وابنته أول نائبة في البرلمان لم تختر القصص التي تدرسها اعتباطا، بل تناولت ما يعبر عن لا عقلانية الحروب وأثر الاستبداد علي روح الإنسان. ترمي نفيسي إلي اختبار حياة إيران في ضوء تلك الروايات: "لوليتا" للروسي فلاديمير نابوكوف و"جاتسبي العظيم" لفيتزجيرالد و"ديزي ميللر" لهنري جيمس وغيرها، محاولةً منها لزحزحة طلبتها عن التعصب والعنصرية، فمثلا أضاءت نفيسي الجانب الأساسي في رواية نابوكوف لكن علي الطريقة الإيرانية، فهومبرت البطل الذي اغتصب لوليتا الطفلة البريئة ويسمح لنفسه بسرد تاريخها وفق رؤيته ومصلحته ومزاجه مصادرا لصوتها، هو بالنسبة إلي نفيسي يشبه حكام إيران الذين يقلبون الحقائق ويغتصبون حقوق مواطنيهم في الكلام. من ناحية أخري تتخيل نفيسي أن ما يجمع إيران و"جاتسبي العظيم" هو الحلم المستحيل تحقيقه، والذي من أجله مارس حكام إيران ضروبا من العنف العقلي والجسدي علي رعاياهم، فتحطمت حياة هؤلاء باسم هذا الحلم المستحيل الآتي من غياهب الماضي، لدرجة أن البلاد تدمر بأيديهم، كما دمر جاتسبي ذاته. أخيرا تثير نفيسي في كتابها قضية الحجاب، تطرحها كقضية صراع بين الحرية والفرض، سلسلة طويلة من المحظورات والتابوهات التي لا تصادر لباس المرأة فحسب، إنما طريقة مشيها أو ضحكها أو وقوفها أو كلامها وكل ما يخص سلوكها، "حتي باتت المرأة يسعدها أن ترتدي زوجين من الجوارب الوردية، دون أن تهان أو تعاقب".