أزار نافيسي هي أولا كاتبة ثم إيرانية. إلا أنه، فيما وراء الأطلسي، و عبر كيمياء سياسية، كثيرا ما تحل القومية وأساطيرها محل قيمة العمل الفني. و هذا بالأخص عكس التيار الذي تحاول نافيسي جاهدة التقيد به، هي التي رحلت الي الولاياتالمتحدة طالبة اللجوء السياسي وقامت بتأليف كتابه»«قراءة لوليتا في طهران» Reading Lolita in Tahran عام 2003. في كتابها الجديد «ذكريات آسرة» ترسم نافيسي الخطوط الأولي لتأريخ عائلي يعد في المقام الأول تأملات عن الهدوء والسكينة والوقت والإنبثاق الخائن للذاكرة. وفي الحال لامها النقاد الأمريكيون علي إستحضارها في هذا الكتاب عالمها الحميمي دون أن تأتي بجديد عن إيران. وترد علي ذلك قائلة بهدوء »إيران في هذا الكتاب ليست إلا إيران التي استدعيها من ذاكرتي و ليست هي موضوع الكتاب» ثم تتعجب وتقول «إنني أجد ذلك الأمر في غاية المهانة، ياللهول! يطلبون مني أن أقوم بتأليف كتاب عن إيران!، لكنني لا أرغب بالتكسب بهذه الطريقة، وإنني لجد مندهشة من الإتجاه لمحاولة تسييس كتاب الي حد تشويهه، أتمني أن يعترف بي العالم ككاتبة، وإن لم أستحق أن أكون ذلك، فسحقا لي«. وكتابها الأخير »ذكريات آسرة« عبارة عن صورة جدراية شخصية تشوبها نبرة حالمة. منذ الجملة الأولي نجد نغمة شبه روسية بيد أنها تختفي كلية لتصبح هذه المقدمة ذات النغمة الفرنسية: »غالبية الرجال يكذبون علي زوجاتهم ليخوضوا في هدوء مغامراتهم خارج إطار الزواج. وأبي كان يكذب علي أمي ليعيش حياة عائلية سعيدة«. وها هي النغمة الكارينينية الأصلية: »غالبية الرجال يقومون بخداع زوجاتهم ليحصلوا علي عشيقات. والدي كان يخدع أمي ليعيش حياة سعيدة«. و تماما بهذا الأسلوب الصريح واللاذع ترسم نافيسي لوحة عائلية كبيرة بألوان إيران التي لم تعد موجودة. لوحة تعد تكريما للأب بينما تنتقم نافيسي أدبيا من الأم ونسيج هذا الإنتقام، علي حد تعبير لاكان، مزيج من »الحب والكراهية«. و في هذا الصدد تجدُر الإشارة الي شجاعة و إقدام هذا العمل، لإن الثقافة الإيرانية لاتسمح أبداَ بالحديث علناً عن الخلافات العائلية، وخاصة إذا كانت هذه الخلافات تتعلق بالحياة السرية للوالدين. لكن هذه هي أزار نافيسي فهي ليست كأي إمرأة إيرانية عادية. قبل أن تترك إيران نهائيا عام 1997، أي بعد ثمانية عشر عاما من الثورة الإسلامية، كانت تقوم بتدريس الأدب الغربي في جامعة طهران و الجامعة الإسلامية الحرة _ واقفة ضد التيار. في عام 1981، طُردت من جامعة طهران لرفضها إرتداء الحجاب. واصلت عملها بطريقة سرية فكونت مجموعات للقراءة من الطلبة الشباب يجتمعون في منزلها للتحدث عن بطلات نابوكوف أو جيمس أو أوستين. ولا تعاود نفيسي التدريس رسميا حتي عام 1987 ، حينها أصبحت تشجع النساء علناَ علي التمرد في ظل الجمهورية الإسلامية. حتي آنذاك لم تكن إيران في حد ذاتها شاغلها الأول بل بالأحري موضوع الآخر، »الصورة التي نحملها داخلنا للغريب« هي الدافع الوحيد الي الكشف عن الفنون الأدبية »علي نحو يجعلنا يجب أن نقرأها بلغة أجنبية حميمية«. ما أن نُفيت الي الولاياتالمتحدة حتي نشرت كتابها الأول «قراءة لوليتا في طهران» والذي ظل يتصدر قائمة النيويورك تايمز مائة وسبعة عشر أسبوعاً كأكثر الكتب مبيعاً، كما أنه تُرجم الي إثنتين و ثلاثين لغة، مما جعلها تتبوأ مكانة متميزة في عالم الأدب العالمي. فضلا عن كونه كتابا للذكريات، يتأمل هذا العمل في موضوع قوة الخيال أمام الظلم و هو، حتي اليوم، الشاغل الرئيسي لنافيسي، أستاذة علم الجمال والثقافة والأدب بجامعة جون هوبكنز في واشنطن. ويخبرنا كتاب »ذكريات آسرة« الي أن حب الكاتبة للخيال ينبع من تاريخها العائلي، من التعاسة الزوجية لوالديها التي أثارت لديهما، منذ الوهلة الأولي، النهم الشديد بالقصص الخيالية. فمن جهة، هناك القصص التي تحيكها أم غاضبة تختلق بلا كلل ولا ملل ماضي يمتقع له وجه الأب من الغيرة _ وتعتبر الأم، نزهت نافيسي، من أوائل النساء اللاتي ترشحن للبرلمان في عام 1963_ و لكن، من جهة أخري، توجد رابطة قوية تربط بين آزي (أزار) ووالدها أحمد نافيسي ، عمدة سابق لطهران كان قد زُج به الي السجن في عام 1963 بسبب إتهامات ملفقة له بالفساد. قام الأب بتعليم ابنته لغة سرية خاصة بهما ذلك لينجوا من عنف الأم. وكان أيضا أحمد نافيسي هو الذي دفعها الي دراسة الأدب الفارسي و الغربي وخاصة »كتاب الملوك« لشاعر القرون الوسطي فردوسي. »إستطعت لأول مرة أن أواجه أمي... والدي أرشدني الي طريقة ما للتحكم في عالمي وذلك بالترحال في عالم آخر لا يستطيع أحد أن ينتزعني منه«. وأصبحت الكناية التي تجدها نافيسي في »كتاب الملوك« وطنها الخيالي الذي تحمله في وجدانها والذي استطاعت من خلاله أن تقاوم »جبروت الرجل وجبروت الزمن أيضاً«. وبالتالي تكون قد نسجت مملكتها الخاصة، مملكة من الخيال الأدبي الذي، علي حد قولها، »يوقظ أصواتاً تأتي من عالم عميق هادئ راسخ في أعماقنا للأبد«. عن الملحق الثقافي لجريدة »لوموند« الفرنسية.