في غضون عشرة أيام تقريبا، ظهر حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ثلاث مرات علي الشاشات وفي مختلف وسائل الإعلام، فيما سمي ب «مسلسل الخطب»، الذي لا يعتقد أنه سوف ينتهي.. وقد تتكرر حلقاته خلال الأيام المقبلة.. بعد أن أعلن عن اقتراب صدور قرار الاتهام في المحكمة الدولية لقتله رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.. الذي أصبح من المؤكد أنه سوف يشمل عدداً لافتاً من كوادر حزب الله. وبقدر ما يعبر هذا المسلسل عن حالة توتر أصابت حزب الله وأمينه العام، وصانعتهما الأولي «إيران»، بقدر ما دفع لبنان أيضا إلي التوتر، في ضوء التلميح بالتهديدات التي وردت في خُطب نصر الله، وقد قال إنه لن يسلم أي أحد.. وبدأ اللبنانيون يتوقعون حربا.. وأن نصر الله سوف يطلق النار.. ويفجر الديار.. ولكن السؤال هو: من سيهاجم وكيف سوف تكون الحرب؟ مجموعة من الملاحظات لابد من تسجيلها علي هذا الموقف المتصاعد.. وقد تزامن مع الذكري الرابعة لحرب «يوليو - تموز» 2006، التي كان نصر الله قد دفع لبنان إليها.. وأدت فعلته إلي تشريد مليون لبناني ومقتل 1200 شهيد وخسائر في البنية التحتية اللبنانية بالمليارات. أولا: بغض النظر عن أن حزب الله يدافع عن نفسه، وعن بقائه برمته ك«رقم أساسي» علي الساحة اللبنانية، وأن حسن نصر الله نفسه يدافع عن شرعية بقائه فان المواقف التي يتخذها لا يمكن أن تفصل عن أوضاع الملف الإيراني التي تمثل مأزقا حقيقياً لطهران.. ذلك أن العقوبات الغربية تتصاعد.. وبعد صدور قرار مجلس الأمن صدر قرار من الاتحاد الأوروبي.. وتري قراءة للموقف أن الغرب قد يكون يمارس عملية دفع لإيران نحو مائدة التفاوض بحيث تأتي راضخة وهي خانعة لآلام العقوبات. وقد لا تذهب إيران إلي أي مائدة.. ولكن الموقف يتعقد من حولها.. فهي تواجه تصعيداً روسياً.. وتبدلاً في مواقف تركيا والبرازيل اللتين طالبتاها بأن تكشف عن برنامجها النووي وإن كانت فيه جوانب عسكرية.. وقد أعلن عن اتفاق إسرائيلي أمريكي لردع الصواريخ الإيرانية.. كما تضمنت الوثائق المتسربة في أفغانستان تأكيدات علي أن ايران تدعم طالبان. الحلقة تضيق.. ومن ثم فإن إيران بين موقفين.. إما أنها سوف تحاول أن تصنع ثغرة في جدار الحصار باللجوء إلي التفاوض.. أو تفجير الأمر في المنطقة، انتقاماً أو تعطيلاً، ويكون موقع التفجير هو لبنان من خلال حزب الله. ثانياً: حزب الله لم يحسم أمره بعد.. وهو بصدد موقفين تابعين لموقف إيران.. باعتباره أداة في يدها.. وهو يدفع لبنان إلي شفير الهاوية في انتظار قرار طهران.. غير أنه عملياً أصبح في معسكر لا يضم الآن إلا هو وإيران.. إذ تساور الجميع شكوك حقيقية حول طبيعة ما يدور بين حزب الله وحليفه المعروف سوريا.. سواء من ناحية علاقة سوريا بالوضع في لبنان وتوظيفها لحزب الله في صناعة المعادلات التي تخدم مصالحها ومصالحه.. أو من ناحية العلاقة بين أطراف محور سوريا - إيران - حزب الله. لقد قال حسن نصر الله إن قرار الاتهام، ويسميه «القرار الظني» يبرئ سوريا.. وهو قال أيضا إن القرار صنع إسرائيليا من أجل حزب الله وأن المحكمة صنيعة اسرائيلية.. وتحليل الأمر يعني أنه يقول إن تبرئة سوريا هي صناعة إسرائيلية.. وهذا موقف يعني أن هناك تعقيدات في العلاقة بين الجانبين.. سوريا وحزب الله.. وأن نصر الله يمارس ضغوطاً.. وأن سوريا تسعي إلي أن تفلت من قرار الاتهام.. فهل هذا سيكون علي حساب العلاقة التي كانت وثيقة بين الحزب ودمشق وبين دمشقوطهران. لا يمكن القول إن دمشق تحدث تغييرا جوهريا في مواقفها من التحالف مع طهران.. ولكن هناك متغيرات تجري.. وسوف تكون لها أثمان.. فهل سوريا بقادرة علي دفع الأثمان.. وإلي أي مدي.. وما هو المقابل؟.. بغض النظر عن أي مناقشة عميقة لتبدل المواقف وتناقض الشعارات وكيف أن المصالح السورية المستجدة ومحاولة الإفلات من التلويحات القانونية في اتجاه سوريا في محاكمة الحريري تدفع دمشق إلي مسارات مختلفة.. لا أعتقد أنه سوف يكون مقبولا فيها من الأطراف الدولية والإقليمية ممارسة الالتفاف. ثالثاً: المهم في كل هذا هو لبنان. وكما أنه لا يمكن القبول بأن عليه أن يدفع ثمن تهورات وتحالفات وعلاقات حزب الله ومصالحه الإقليمية وأعماله الارهابية، فإنه لا يمكن أيضا القبول بأن تؤجل العدالة في محكمة قتلة الحريري، كما لا يمكن القبول أبدا بأن يكون هذا الموقف مثاراً لتنازع المصالح فيه واستعراض النفوذ داخله والتعامل مع مصيره علي أنه مسرح للمعادلات الإقليمية. لقد وضعت للبنان في الطائف شرعية لا ينبغي أن يعاد النظر فيها بآليات جديدة من أجل مواقف مستجدة.. بقصد إقحام أطراف في الساحة اللبنانية واستبعاد أطراف أخري.. أو صياغة معادلات قد تطالب بتأجيل العدالة في قتل الحريري.. أو بناء حسابات تمنح مظلة لمن تسببوا زمنا طويلا في منع لبنان من بلوغ الاستقرار.. أو لمن يسعون إلي أدوار إقليمية ليست لهم. لاشك أن القمة التي تعقد اليوم بين كل من الرئيس مبارك والعاهل السعودي جلالة الملك عبدالله سوف تعمل بعمق علي الملف اللبناني أكثر من غيره.. وسوف تسعي من أجل حماية استقراره وصونه من المخاطر التي تلوح في الأفق ضد أوضاعه. www.abkamal.net [email protected]