"قطع العلاقات يضر بالسلام".. هذا هو العنوان الرئيس لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية أمس، وهو تصريح للرئيس السوري بشار الأسد قاله في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثباتيرو في مدريد أمس الأول التي كان يزورها الأسد. ظللت أفرك عيني عدة مرات وأعيد قراءة التصريحات مرة تلو الأخري ونص ما قاله الرئيس الأسد: قطع العلاقات «التركية الإسرائيلية» سيزيد زعزعة الاستقرار في المنطقة.. تركيا لاعب رئيسي وقطع العلاقات بينها وإسرائيل سيكون خسارة للوساطة من أجل السلام في المنطقة (...). تصريحات الأسد جاءت بعد ساعات قليلة من تصريحات لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو هدد فيها بقطع علاقات بلاده مع إسرائيل، إذا لم تعتذر عن جريمة أسطول الحرية، وتسمح بعمل لجنة تحقيق دولية، وتقدم تعويضات لأسر الضحايا.. فهل تصريحات الأسد تأتي في إطار عملية توزيع أدوار؟.. تركيا تهدد وسوريا تقول لا والنبي! الغريب في الأمر أن سوريا التي تقود رسميا ما يطلق عليه «جبهة الممانعة العربية»، هي التي تدعو دائما لقطع العلاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل، وكلما اندلعت حرب أو أزمة بين إسرائيل والعرب، واندفعت مصر بقوة لاحتوائها دبلوماسيا، ولاستغلال علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، تتعالي الأصوات السورية بضرورة قطع هذه العلاقات وتجميدها. مثل هذه الازدواجية في الخطاب السوري تحتاج إلي الكثير من التوضيح، فهل سوريا مع استمرار العلاقات «التركية الإسرائيلية» لأن تركيا كانت تقوم بوساطة بين دمشق وتل أبيب، بينما الوساطة المصرية تركز بشكل كبير علي المسار الفلسطيني؟.. بمعني آخر سوريا تؤيد العلاقات مع إسرائيل إذا كانت تخدم مصالحها، وتعارضها إذا كانت تخدم مصالح غيرها.. حتي ولو كانت المصلحة في هذه الحالة هي الصراع «الفلسطيني الإسرائيلي» جوهر القضية في الشرق الأوسط. وهل من الطبيعي أن تدافع سوريا عن استمرار علاقة تركيا بإسرائيل، وهي قائمة بشكل اختياري من جانب أنقرة.. بينما تعارض العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، وهي قائمة نتيجة لمعاهدة سلام أعادت الأرض المصرية من الاحتلال الإسرائيلي؟! وإذا أردنا تفسير الأمور برومانسية فنحن أمام ازدواجية سورية غير مبررة، وتناقض غريب في المواقف، لكن إذا أردنا تفسيرها بواقعية وعملية، فإن سوريا تسير وراء مصالحها، وتحدد مواقفها وفقا لما يخدم أهدافها الخاصة، وهذا حق لها، لا يمنعها أحد عنه، ولا يجوز أن نهاجمها عليه.. لكن طالما تنتهج سوريا هذا النهج العملي القائم علي المصلحة، فلتكتف بالنظر إلي مصالحها فقط، ولا تحاول تدمير مصالح الآخرين.. أو كما يقول المثل الشعبي " اللي بيته من زجاج لا يقذف الآخرين بالحجارة".. ولقد تعبنا من الحجارة السورية التي تنهمر علي الجميع بمناسبة.. أو بدون مناسبة!