الشهوة هي قوة كامنة في النفس البشرية تجعل الإنسان ينزع نحو أشياء بعينها ويوجه جل اهتمامه في الهرولة خلف الحصول عليها وتملكها، هذا فضلا عن مدي ما يجده الإنسان من متعة ولذة أثناء ظفره بالشهوات، وقد أخبر القرآن الكريم أن الناس قد زينت لهم نفوسهم حب الشهوات واتباعها وترك كل شئون الحياة الأخري من أجل الظفر بما يشتهون، وقد ذكر القرآن الكريم عددا من الأشياء التي تم تزيين حب شهواتها في نفوس الناس ومنها: النساء والبنون والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وغيرها من الأشياء التي لها شهوة في نفوس الناس، قال تعالي: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) «14-آل عمران». وقد بين القرآن الكريم في موضع آخر أن الناس في سبيل اتباعهم لشهواتهم والظفر بها والتمتع والتلذذ بها يتركون كل شيء ويضيعون كل شيء حتي أن منهم من يضيع فرائض الله من أجل اتباعه لشهواته، قال تعالي: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) «59- مريم». فالشهوة ليست قاصرة علي طلب شيء بعينه إلا حين يترك المرء خلفه كل شيء ويتبع ما تشتهي نفسه وما تدفعه إليه بقوة للحصول عليه، فطلب السلطة مثلا أو المنصب أو المال أو أي شيء آخر ليس بعيب وليس بشيء خاطئ إنما يصبح عيبا وخطأ جسيما حين يتحول هذا الطلب إلي شهوة تجعل الإنسان يترك خلفه كل شيء ويضحي بكل شيء ويضيع قيمه ومبادئه ودينه من أجل الحصول أو الظفر بتلك الشهوة. أما اللافت في الأمر حين يتحول الدين أو بالأحري التدين إلي شهوة، فتلك مصيبة كبري، وهذا ما يقوم به الإعلام الديني اليوم ويحرض الناس عليه، حيث جعل من الدين أو الالتزام بالدين مجرد شهوة يترك الإنسان لها كل شيء ويتفرغ من كل شيء ويختزل الحياة بكاملها من أجل ما يسمي بالالتزام الديني، وما يسمي بالالتزام الديني اليوم هو عبارة عن مجموعة من المواصفات والالتزامات الخاصة التي لابد من توافرها في الشخص حتي يصبح شخصا متدينا أو شخصا ملتزما بالدين. ومن هذه المواصفات وهذه الالتزامات الالتزام بمظهر بعينه كإطلاق اللحية وحف الشارب أو جزء وارتداء أنواع خاصة من الثياب محددة اللون والشكل وذات مواصفات محددة للنساء والرجال، وكذلك الالتزام بحفظ القرآن الكريم أو بعضه دون اشتراط فهمه واستيعاب أحكامه وتشريعاته، وحفظ عدد من أحاديث النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- ودراسة بعض الكتب المحددة في العقيدة والفقه والعبادات، وكذلك الالتزام بأداء الصلاة في أوقاتها وصلاة النوافل وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وتلاوة أذكار الصباح والمساء وغيرها من الالتزامات التي من التزم بها يصبح متدينا في عرف دعاة الإعلام الديني اليوم. إن ترك الحياة وما فيها والتفرغ لمثل هذه الالتزامات والاتصاف بمثل هذه المواصفات وإضاعة كل شئون الدنيا وتركها لأجل فعل هذا يحول التدين بهذا الشكل إلي مجرد (شهوة للتدين) وليس تدينًا حقيقيا، شهوة يجد فيها المتدين قمة متعته ولذته في الظفر بها والاتصاف بمواصفاتها والعمل بالتزاماتها. في حين أن الدين الحقيقي ليست له تلك المواصفات الصارمة في شكلها ومظهرها الخارجي وحسب، إنما الالتزام الحقيقي بالدين ليس سوي بناء الإنسان بناء إنسانيًا أخلاقياً قيميًا حقيقيًا ليقيم الحق والعدل والقسط في الأرض ويتعارف ويتعايش مع بني جنسه في وئام وسلام ويشارك في عمارة الدنيا وإعمار الأرض، هذا هو حقيقة التدين الحقيقي. أما ما يدعو إليه دعاة الدين في الإعلام الديني اليوم فليس دينا وليس تدينا وإنما يدعون إلي شهوة التدين حين حولوا الدين بآرائهم وفتاواهم وأفكارهم إلي مجرد شهوة يترك من أجلها الشباب والرجال والنساء كل شئون دنياهم للظفر بمتعة ولذة شهوة التدين. (للحديث بقية)